درس إلى وزير الثقافة

هادي معزوز

... سيجد وزير الثقافة محمد المهدي بنسعيد مثلما وجد نفسه سلفا، أمام مهمتين تصنفان ظاهريا ضمن خانة العمل المُضني والشاق. تتعلق المهمة الأولى بتدبير شؤون حزب الأصالة والمعاصرة بصفته جزءا لا يتجزأ من "القيادة الجماعية" التي بدل أن تسير شؤون الحزب وتَفْعَلَ إيجابا في الحياة السياسية من تدبير وتقديم المشورة، وتقييم العمل الحزبي داخل وخارج قبة البرلمان، والنظر في شؤون الإطارات الموازية التابعة للحزب... فقد باتت أمام مهمة أخرى تتجلى في تلميع صورة قياديها وأعضاءها والمسؤولين الترابيين الذين يتساقطون اليوم مثل أوراق خريف الموسم الجاري المؤجل... يتساقطون بتهم الفساد وخيانة الأمانة والنصب والاحتيال وأشياء أخرى.

        تتعلق المهمة الثانية بضرورة ترك بصمة داخل وزارة الثقافة، وتغيير صورتها، أو بالأحرى نظرة "الرأي العام" والمسؤولين الكبار لها، حيث طالما اعتبرت مجرد ديكورمهمته تأثيث المشهد السياسي العام، ولنا في الميزانية المخصصة لها خير مثال، هذا دون الحديث عن شبه غياب للاهتمام الإعلامي بها، وهو اهتمام يبدو أنه ينطلق من الوزارة نفسها، إذ يكفي مثلا زيارة موقعها الرسمي حتى نكون صورة حقيقية وواضحة حول أنشطتها الباردة، التي لا تخرج عن نطاق إحياء الموسمي فقط، لكن أين نحن من الدخول الثقافي؟

        كتبت في عدة منابر ومنذ مدة ليست بالقصيرة عن هذا التقزيم الذي ضرب ويضرب وزارة الثقافة، ولكم أبرزت في أكثر من معرض على ضرورة أن تتبوأ منزلتها المستحقة، وأن مهمة الوزير الأولى تتجلى في منحها وزنا ثقيلا وأن تكون جزءا لا يتجزأ من معادلة الحياة السياسية. لماذا؟

        أولا، من أبجديات الديبلوماسية اليوم، اللعب بشكل كبير على الجانب الثقافي لكسب نقاط إضافية أمام بيئة مشحونة بشكل نراه يوميا، سواء داخل دواليب هيئة الأمم المتحدة، أو ما تخبرنا به وسائل الإعلام، وما يدور أيضا في كبريات صالونات أهل الحل والعقد، ومن ثمة فقد توجب أن تلعب وزارة الثقافة على هذا الجانب، وأن تكون ساعدا أساسيا يمد خطابات وزارة الخارجية بالمادة الثقافية، ويفتح لها طرقا جديدة تعينها على الانتصار الذي بتنا نلحظه في جل خرجاتها. لنتأمل مثلا الخطاب الذي تلعب عليه كل القوى الكبرى والمؤثرة في محيطها أيضا، ألا نلاحظ أنه يمنح للثقافي حيزا مهما، يساعد السياسي والديبلوماسي والاقتصادي...؟ وللصدفة نتمنى من وزير الثقافة أن يأخذ التجربة من القمة الفرنكفونية التي حتى ولو بدت بلبوس ثقافي، إلا أن لها اليوم من جس النبض السياسي ما ليس لغيرها.

        ثانيا، نتمنى من القائمين على الشأن الثقافي التنسيق الجاد والعملي مع السفراء المغاربة المنتشرين في ربوع العالم، ناهيك عن الاشتغال بشكل ثنائي مع المكتب الوطني للسياحة، والذي تنقصه حقا خطة الاهتمام بما هو ثقافي للتأثير على ما هو سياحي، أو بعبارة أوضح، فالثقافي يؤثر بشكل كبير على السياحي، خاصة حينما تتم معالجته بروح الخطة والبرنامج المحترف، بدل هاته الارتجالية التي نراها اليوم، والتي تلخص جانبنا الثقافي في الطربوش الأحمر وأواني طبخ الشاي والحلويات والكسكس... فهل تعتقدون أن الزخم الثقافي يمكن أن يصل إلى درجة التأثير الواقعي، إن بقي منحصرا داخل هاته الدائرة الضيقة. بينما يشهد تاريخنا على شخصيات ثقافية كان لها التأثير والأسبقية في العديد من المجالات، بدءا بالشريف الإدريسي وصولا إلى عبد الله كنون، مرورا بابن بطوطة وأبي بكر بن يوسف وزرياب وابن رشد وابن عربي...

        ثالثا، هناك ملف ثقيل تحمله وزارة الثقافة، والذي ستُعرف قيمته خلال تنظيم مسابقة كأس العالم، إذ يتمثل أساسا في إعادة فتح لائحة مطولة لأسماء المآثر التاريخية التي طالها النسيان والإهمال، سواء تلك التي تعود إلى ما قبل القرن الخامس عشر، أو تلك المرتبطة بعهد الحماية الفرنسية. فلا يعقل بتاتا أن نمر بجانب سور شهد على أحداث يفوق عمرها عشرات القرون، كي نجد أنه تحول بقدرة قادر إلى مرحاض في الهواء الطلق، أو ملجأ عمومي يلوذ إليه المشردون كلما ابتغوا لأنفسهم ممارسة هواياتهم المعلومة. ولا يعقل أيضا أن تصاب العديد من المعالم بالتلف، وقد كانت إلى عهد قريب مكانا تحاك فيه السياسات الكبرى للإيالة الشريفة أو الإمبراطورية المغربية ذات زمن.ونفس الأمر يسري كذلك على المقابر والمسارح والكهوف وقواعد المقاومين وملاجئهم... فإذا شمر الجميع على سواعدهم، سنكون آنئذ مفتخرين بالمغرب الثقافي وقد أكد عراقته.

        رابعا، على وزارة الثقافة أن تنسق بشكل مباشر مع وزارة التربية الوطنية، من خلال النظر في بعد الأجيال الصاعدة عن تاريخهم وموروثهم، والذي يعتبر بحق الطريق الأوحد نحو ترسيخ المواطنة، والتي كلما كانت حاضرة بشكل أكبر، كلما انخفضت وتيرة التفاهة، وتقلصت نسبة الفساد، وتم وضع كل شيء في مكانه المناسب، وهو للأسف ما نفتقده اليوم حيث يختلط الحابل بالنابل، ومعه تغيب روح خدمة الوطن، لصالح المصلحة الخاصة، ونهب أكثر ما يمكن نهبه، والحسابات الضيقة ووضع اليد على المال العام، واستغلال المناصب الحكومية والبرلمانية والجماعية للاغتناء السريع... أعتقد أن المهدي بنسعيد يعرف هذا وأكثره، بما أن بعض أعضاء حزبه وباقي الأحزاب، يتوجهون إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أكثر من توجههم نحو بيوتهم.