دروس "كورونا".. العوفي: الأزمة ترد الاعتبار لأدوار الدولة

موسى متروف

يعتبر نور الدين العوفي، أستاذ التعليم العالي في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط ورئيس الجمعية المغربية للاقتصاد ومؤسس مجلة "النقد الاقتصادي"، وعضو اللجنة الخاصة للنموذج التنموي، أن "الدروس التي يجب أن نستوعبها هو أن هذه الأزمة ترد الاعتبار لأدوار الدولة".

وأكد العوفي أن  تلك "هي الحقيقة المطلقة الأولى، بحكم أن أدوار الدولة كانت قد تراجعت قليلا بفعل السياسات الاقتصادية التي تطبق على المستوى الدولي وطبقتها بلادنا منذ سنوات، مستلهمة من وصفات المؤسسات المالية الدولية، والتي هي وصفات ليبرالية متشددة أو "قصووية" (extrême) قلصت من تدخلات الدولة، خاصة في المجالات الحيوية ذات الطبيعة الاجتماعية، والتي تمس شرائح واسعة من المواطنين، من قبيل الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية... إلخ. هذه القضية من الدروس المستفادة لأن دور الدولة، خاصة في هذه المجالات أساسي".

ومجالٌ آخر، يراه العوفي، "يبدو فيه دور الدولة مهما ولا يُمكن أن يُستغنى عنه هو الحماية الاجتماعية؛ أي حماية المواطن، حماية اقتصادية وحماية اجتماعية، وبطبيعة الحالة حماية أمنية".

ودرس آخر في نظر المتحدث يتمثل في أن "قوانين السوق بطبيعة الحال مهمة، وبلادنا آخذة بعين الاعتبار أهمية السوق والمقاولة الخاصة والمبادرة الخاصة، وهذا ينص عليه الدستور، ولكن السوق والقطاع الخاص حتى هو في حاجة إلى بناء من طرف الدولة، عن طريق الدور الاستراتيجي للدولة وأدوار الدولة في مسألة الضبط (régulation)؛ أي وضع قواعد اللعبة الاقتصادية المبنية على المنافسة ولا تكون هناك وضعية مكتسبة للريع وبعض الاختلالات التي تعرفها بلادنا في ما يخص الفساد... هذا هو دور الدولة في ضبط الاقتصاد، وهو يؤدي إلى بناء السوق وفي مصلحته، وتتعلق ببناء قواعد اشتغال السوق، اشتغالا جيدا فيه مصلحة القطاع الخاص وفي مصلحة التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي. هذا بالنسبة للقطاع الخاص الذي يحتاج إلى إعادة النظر في القواعد المؤسسة للسوق ليكون لدينا قطاع خاص وسوق كما هو معروف في النظرية الاقتصادية".

مسألة أخرى لها أهميتها بالنسبة إلى العوفي و"تتعلق بالمجتمع ذاته. فقد بينت هذه الجائحة أن العلاقات الاجتماعية في المغرب رغم أنه طالها التشظي والتفكك، حتى على مستوى العلاقات الأسرية وظهور بعض السلوكات الفردانية على حساب السلوكات الجماعية، فإن الجميل هو أن هذا الوباء بين أن هذا الجسم الجماعي لمجتمعنا مازال متماسكا، رغم أنه تلقى ضربات من طرف هذا المد الليبرالي 'القصووي'. ما زال النسيج الاجتماعي والأسري متماسكا وهو الذي بين في هذا الوباء على قدرات وطاقات كبرى للتضامن والتكافل التي ساعدت الدولة على تحمّل عبء كل هذه الأزمة".

وشدد على أنه لابد أن يقول إن "التدابير التي اتخذها المغرب، التي كانت تدابير استباقية، سواء على المستوى الصحي ولا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وكلّها تدابير جيدة جدا وأنا أثمنها وهي تؤكد ما قلته في البداية وهو أن دور الدولة أساسي ويمكننا أن ننتقد بعض  الأداءات للدولة، ولكن عموما لا يمكن أن 'نرمي الرضيع مع ماء الغسيل'، كما يقول المثل الفرنسي. للدولة أدوارها أساسية في التماسك الاجتماعي وفي التنمية الاقتصادية".

وبالنسبة لتصور نموذج التنمية في المغرب، أوضح أنه "لابد أن يأخذ بعين الاعتبار هذه المراجعات التي تحدثت عنها، وهي مراجعات فكرية واقتصادية أساسية لبناء نموذج تنموي جديد. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار بطبيعة الحال قضية أعتبرها أساسية وهي موقع الاقتصاديات الوطنية في اقتصاد الدولة وفي العولمة. وقد بيّن الوباء هنا أن القاعدة الوطنية هي الأساس، بناء نسيج اقتصادي وطني قائم على السيادة الوطنية والأمن والاستقلالية في ما يتعلق بالقطاعات الاستراتيجية وهي أساسا الصحة والتربية وبعض القطاعات الاقتصادية التي لها علاقة بالأمن الغذائي... هذا الحد الأدنى الحيوي لسيادة الاقتصاد الوطني واستقلاليته والسيادة الاستراتيجية على الثروات وعلى الإنتاج وغير ذلك لا يمنع، بطبيعة الحال، من الانخراط، لكن انطلاقا من هذا الأساس، في المنظومة العالمية. وهذا لا يعني الانكفاء على الذات، ولكن حتى على المستوى العالمي قواعد اللعبة تتغير بطبيعة الحال، وبالتالي، المغرب، بالاعتماد على الذات، أولا سيرى كيف سيتكيف ويتجاوب إيجابيا، ولكن على قاعدة الحفاظ على الكيان الوطني الاقتصادي والاجتماعي والثقافي إلخ، وكيف سيتكيف مع الوضع الجديد. وانطلاقا من هذه القاعدة يمكننا أن نطور القدرة على الخروج بسرعة من الأزمات، ولكن بناء على الأسس التي تحدث عنها"...