إقليم تارودانت - أحمد مدياني
دشن بلاغ الديوان الملكي، الصادر يوم 14 شتنبر الجاري، انطلاق المشروع الضخم لإعادة إعمار ما دمره الزلزال بخمسة أقاليم؛ هي: الحوز، وتارودانت، وشيشاوة، وأزيلال، وورزازات.
مشروع رصدت له، حسب بلاغ ثان للديوان الملكي، صدر يوم أمس الأربعاء 20 شتنبر، ميزانية توقعية تقدر بـ120 مليار درهم، سيستهدف في مرحلته الأولى، قبل إكمال لجان الإحصاء لعملها الميداني، 50 ألف مسكن.
"تيلكيل عربي" شد الرحال إلى إقليم تارودانت؛ حيث انطلقت عملية إحصاء المنازل والمساكن، التي دمرت أو تضررت، يوم الثلاثاء 19 شتنبر. فكيف تتم العملية؟ وكم تستغرق من الزمن في كل دوار؟ ومن يشرف عليها؟ ومن تستهدف؟ وما هي الأسئلة التي توجه للمتضررين؟ وكيف تتم عملية المعاينة؟ وهل هناك تحديات تواجهها؟
كلها أسئلة يجيب عنها "تيلكيل عربي" في هذا التقرير المنجز بين منعرجات دواوير إقليم ترودانت.
انطلقت العملية
دون تأخير، شرعت لجان مختلطة تضم مختلف المصالح المعنية في شد الرحال نحو المناطق المتضررة من الزلزال، من أجل حصر سجلات المعنيين بدعم إعادة بناء مساكنهم أو ترميمها.
14 مليون سنتيم سوف تمنح لمن تهدمت منازلهم، و8 مليون سنتيم لمن تضررت.
وحسب أحد أعضاء اللجان، الذين تحدث إليهم "تيلكيل عربي"، فإن تقييم الأضرار لتحديد نوع الدعم يتم تحت إشراف مهندسين مختصين وتقنيين.
وأوضح: "اللجنة تضم، إلى جانب ممثلين عن وزارة الداخلية، ومصالح التهيئة، والمجالس المنتخبة، أطرا مهندسة ومختصة، مهمتها تقييم الأضرار التي لحقت بالمساكن، وتقييدها، قبل طرح الأسئلة على المتضررين".
وعن الفترة الزمنية التي تستغرقها عملية إحصاء كل دوار، صرح المصدر ذاته أن ذلك يعتمد على عدد المساكن التي توجد به، وبالنظر إلى حجم الأضرار التي لحقت بها.
"فمثلا، دوار يضم أكثر من 30 مسكنا، عملية المعاينة والإحصاء معا، تستغرق من 5 إلى 6 ساعات"، يقول المصدر ذاته.
"تيلكيل عربي" طرح مسألة مرورهم بمراكز أو دواوير، دون إحصائها هي الأولى، رغم تواجدها قبل المناطق التي استهدفت بالعملية، خلال الـ48 ساعة الماضية.
وكان التوضيح دائما على لسان المصدر ذاته، هو أن "اللجنة تتوفر على خارطة طريق محددة، تعتمد على التقرير الأولي المنجز بخصوص دعم إعادة إعمار 50 ألف مسكن. طبعا سوف نقوم بإحصاء كل الدواوير المتضررة، لكن الأولوية الآن وضعت بقياس حجم الأضرار".
الأسئلة الموجهة للمتضررين
بدواوير إقليم تارودانت، تحدث "تيلكيل عربي" إلى متضررين شملهم إحصاء دعم إعادة الإعمار، يوم أمس الأربعاء 20 شتنبر.
وقدم هؤلاء مجموعة من المعطيات بخصوص الطريقة التي تمت بها العملية، كما كشفوا عن الأسئلة التي طرحت عليهم.
وحسب ما صرحوا به، فإن اللجنة التي زارتهم مكونة من 12 فردا، يقومون، قبل طرح الأسئلة، بزيارة المنازل، من أجل تقييم حجم الأضرار، ويأخذون وقتهم في تفقد كل ركن من جنبات مساكنهم.
أما بخصوص الأسئلة التي طرحت عليهم؛ فهي كالتالي:
*كم عدد أفراد الأسرة؟
*هل العائلة مركبة (أي هناك أكثر من عائلة تقطن بنفس المسكن)؟
*المسكن ملكية أم إيجار؟
*ما هي المساحة التي كان مشيدا فوقها (في حال هُدم بالكامل جراء الزلزال)؟
*هل المسكن رئيسي أم ثانوي (الاستقرار فيه بصفة دائمة)؟
*هل تريدون إعادة البناء فوق نفس المساحة؛ حيث تهدم المسكن؟
*هل ترغبون في إعادة بناء مسكنكم في نفس المنطقة؟
من تحدث إليهم "تيلكيل عربي" يؤكدون أن اللجنة المختصة تأخذ وقتها كاملا في معانية المنازل، بدقة، وأيضا خلال تواصلها مع الأسر المتضررة.
ورغم عدم رضا البعض منهم، فإن التحديات التي سوف تواجهها اللجن المكلفة بالمهمة تتطلب جهودا مضاعفة لإنجاحها وإكمالها؛ تتطلب تعاونا بين الجميع من مسؤولين ومتضررين...
بعيدا عن اعتبار الكارثة "غنيمة" يمكن التنفع منها، وذلك بهدف تسريع إخراج المنطقة من سيناريو إطالة المقام تحت خيام الإيواء، وتقديمها للعالم على أنها عنوان إرادة مغربية بدأت بتضامن جارف، ويجب أن تستمر وتنتهي بنجاح باهر لصالح البشر والحجر وتنمية منطقة تحتاج للحكامة والحكمة.
تحديات التضاريس والبشر
خلال صعودنا نحو مجموعة من الدواوير التي انطلقت فيها عملية إحصاء المتضررين من الزلزال، كنا نضطر إلى سلك منعرجات وعرة، بل وخطرة، ومسالك طرقية غير معبدة، على طول كيلومترات، تخترقها وديان تجري بها مياه العيون التي تفجرت، مؤخرا، بسبب الهزة الأرضية.
"هناك مناطق لا يمكن الوصول إليها، سوى باستخدام البغال والحمير"، يقول إطار تربوي يشتغل بالمنطقة، وسبق له الإشراف على فرق الإحصاء العام للسكان والسكنى، عام 2014.
وأضاف: "اللجان سوف تواجهها تحديات أكبر، يمكن أن تؤخر حصرها لسجلات تحديد تعويضات إعادة الإعمار؛ أبرزها دواوير دكت بسبب الزلزال، ولم تعد تظهر ملامح الفصل بين حدود مسكن وآخر ولا ممتلكات وأخرى. كما أن هناك دواوير جرف الواد منازلها، أو هدمت بسبب انهيارات صخرية".
وتساءل المتحدث ذاته: "كيف يمكن تحديد حدود الأملاك في مثل هذه الدواوير؟ هناك دواوير يجب أن ينتقل ساكنتها للعيش في رقعة جغرافية أخرى، لكن سيكون من الصعب إقناعهم، بحكم ارتباطهم بالأرض والأنشطة الفلاحية المعيشية التي يمارسون، دون إغفال قربهم من منابع المياه".
منطقة شاسعة تعادل الرقعة الجغرافية لإقليم واحد منها رقعة دول.
فحسب أرقام رسمية لوزارة الداخلية، هذا ما ينتظر اللجان المختصة لإحصائه، بالنظر إلى حجم الدمار الذي لحق المناطق، وبعدها عن مركز الهزة الأرضية:
*من صفر إلى 10 كيلومتر: تضرر 55 دوارا يقطنه 14 ألف و665 نسمة؛
*ما بين 10 و30 كلم: تضرر 652 داورا يبلغ عدد ساكنتها 64 ألف و99 نسمة؛
*ما بين 30 و50 كلم: تضرر 1239 دوارا يقطنها 170 ألف و811 نسمة؛
*ما بين 50 و100 كلم: تضرر 5035 دوار بساكنة تبلغ مليون و50 ألف و862 ألف نسمة.
أي أن مجموع الدواوير التي تضررت بفعل الزلزال بلغ عددها 6981 دوارا بعدد ساكنة يصل إلى 1 مليون و300 ألف و437 نسمة.
هذه الأرقام، للإشارة، تخص الدواوير فقط، دون حساب حجم الأضرار التي طالت المنازل أيضا، في عمالة مراكش مثلا، ومدينة تحناوت، وغيرهما.
وسط المدينة العتيقة لمدينة ترودانت، أقام العشرات من سكان أحياء بالمدينة ما يشبه مخيما، فوق مرآب للسيارات يستغل مساحة عبارة عن ساحة كبيرة.
خيام نصبت من بقايا البلاستيك والأفرشة والبطانيات، ويرفض من لجؤوا إليها، أو اختاروا قضاء ليلتهم داخلها، طواعية، مغادرتها، رغم تدخل السلطات أكثر من مرة لإخلاء الفضاء.
"ساكنة" ما يشبه الخيام، صرحوا لـ"تيلكيل عربي" أنهم "متضررون بفعل الزلزال، ومنازلهم آيلة للسقوط، ولا يمكنهم العودة إليها، ويجب أن يشملهم إحصاء لجان دعم إعادة الإعمار".
في المقابل، أفاد مصدر من السلطات المحلية لـ"تيلكيل عربي" بأن "المتواجدين بهذه الخيام خارج نطاق معايير الاستفادة من دعم إعادة الإعمار"، موضحا أن "مجموعة منهم يكترون بيوتا فقط، داخل منازل في ملكية متضررين آخرين، ومنهم من قرر المبيت هنا، بسبب الخوف لا غير".
المصدر ذاته صرح بأن "المنازل الآيلة للسقوط، تم تحديدها من قبل مختصين، وقامت السلطات بوضع ملصقات فوق جدرانها وأبوابها للتحذير من دخولها، بل هناك بنايات حذرنا حتى من الاقتراب منها".
في هذا السياق، اشتكت سيدة (تكتري بيتا في ملكية متضرر) من عدم عثورها، إلى حدود الساعة، على غرفة للكراء: "حتى واحد ما بغا يكري ليا، ما لقيت لي يجري معايا، حوايجي مفرقة غير عند الناس. كيقولوا لينا المقدمين نتوما غير كاريين".
مشاهد كثيرة سوف تحملها الأيام القادمة، بخصوص امتحان إنجاح عملية إحصاء الذين تضررت مساكنهم ومنازلهم، جراء الزلزال. كما ستحمل تحديات أخرى ستظهر، كلما تقدمت اللجان في عملها، وما ورد هنا أكيد أنه جزء منها.