قال محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الدراسات الإسلامية، إن "أول شيء يجب القيام به، هو إلغاء التعصيب في الإرث، لأنه ليس فيه أي نص قرآني، وكثير من الناس لا يصدقون ذلك، بسبب وقوعهم في التوهيم، بزعم أن كل ما له علاقة بالإرث قد وردت فيه نصوص قطعية في حين الواقع غير ذلك".
وأضاف رفيقي خلال مداخلته بندوة "التعصيب في الإرث بين الثابت والمتحول"، من تنظيم حزب التقدم والاشتراكية، عشية أمس الثلاثاء، "القول بأن الإرث موضوع محسوم ولا يمكن مناقشته بأي حال من الأحوال، هو نوع من التلبيس والتوهيم، علما أنه تاريخيا وفي واقع العقل الديني نفسه، لم يكن موضوع الإرث محسوما".
وأوضح المتحدث ذاته، أن "مواضيع كثيرة في الإرث نُوقشت بسلاسة واختلف فيها الفقهاء فيما بينهم، ووقعت فيها إجتهادات، يعني أن أبواب الإجتهاد في الإرث مفتوحة منذ الزمن الأول، ووقع ذلك في العقود الأولى".
ولفت إلى أن "الإشكالات التي وقعت في ذلك الوقت، تدل على أن نظام الإرث ليس كاملا، يعني الشرع لم يقصد إنزال الإرث كاملا، ومحسوما، ومنتهيا، ويكفي العودة إلى قصة "العول في الميراث" التي وقعت في عهد عمر ابن الخطاب".
وشدّد على أن "غلق باب الاجتهاد في باب الإرث كان لأسباب سياسية محضة، بعدها تم إنتاج قواعد بشرية مثل "لا اجتهاد مع وجود النص"، وأصبحت ملزمة، وتُرفع دائما كشماعة، ولا توجد في القرآن أو الحديث، بل أنتجها الفقهاء لإيقاف أي إصلاح ممكن".
وأبرز أن "ما لا نص فيه، الأصل فيه الجواز والإباحة، لما سأجتهد فيه، وما نحتاجه اليوم هو الاجتهاد فيما ورد فيه نص"، والتعصيب لم يرد في القرآن، إنما في نص نبوي، من صنف خبر الآحاد، وهو "أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ".
ونبه إلى أن "التعصيب أحدث مآسي، والناس أصبحت تلجأ للحيل لتجنبه، نظام التعصيب إقصائي للمرأة بشكل تام، مثلا توفي رجل، وترك بنتا، وابن أخ، وابن أخت، في نظام الإرث الحالي، ستأخذ البنت النصف، وابن الأخ له النصف، ولن يأخذ ابن الأخت أي شيء، لأنه "أدلى بأنثى" حسب قول الفرضيين، إذا كان بين الميت والوارث ذكر يرث، وإذا كانت انثى يشطب عليها".
وذكر عبد الوهاب رفيقي، أنه "إذا توفي رجل، وترك أختا، وعما، وعمة، الأخت لها النصف، والعم سيرث النصف، والعمة ليس لها شيء، وسبب عدم ميراث العمة لكونها أنثى، رغم أن العم والعمة لهما نفس الدرجة من القرابة، لهذا التعصيب نظام قبلي قائم على الذكر وحده الذي يرث".
واستطرد قائلا: "تُوفي رجل، وترك بنتا، وابن أخ، وبنت أخ، تخيل هذه، البنت لها النصف، وابن الأخ يأخذ النصف الباقي كاملا، وبنت الأخ لن تأخذ شيئا، هذا نظام التعصيب الذي نعمل به في المدونة الحالية، وفي التعصيب يمكن أن تُورث ابن ابن ابن عم ولا تورث العمة، لأنها أنثى، والأخوال ذكورا وإناثا مقصيين، لأن علاقتهم بالميت أنثى".
وأورد في الندوة، أن "التعصيب لا يحقق العدالة أو المصلحة أو الانصاف بأي حال من الأحوال، مثلا توفي شخص وترك عشر بنات، وابن واحد، هنا تقسم التركة على 12 سهما، الابن له 2، والباقي يوزع على البنات، اي كل بنت لها سهم، هنا أصبح نصيب الإبن السدس، لأنه أخذ 2 على 12، اي 1 على 6، والبنات كلهن أخذوا 5 على 6، تخيلو معي نفس الحالة، إذا غيرنا الابن، بابن العم، البنات يأخذن 2 على 3، وابن العم سيأخذ 1 على 3، مع العلم أنه من القواعد العامة في الإرث، يرث الأقرب فالأقرب، لا يمكن للأبعد أن يكون له نصيب أكثر من الأقرب".
ونبه إلى أن "هذه الثغرات الكبيرة في نظام التعصيب، تؤكد على ضرورة إلغائه، لأنه يتعارض مع القرآن، الذي فيه "لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا".
وأفاد أن "هناك مسألة لا نتحدث فيها متعلقة بالتعصيب، وهي الأخت، مثلا توفي شخص، وترك بنتا وأختا، الحل في رأي هنا، أن البنت عليها أخذ كل شيء، ولكن الواقع أن الأخت تأخذ النصف، تسمى العصبة مع الغير، هنا الحالة الوحيدة التي فيها المرأة تأخذ بالتعصيب، وذلك من أجل مزاحمة جنسها".
وأشار إلى أنه "بسبب نظام التعصيب، يتوقف توزيع التركات على مستحقيها، اتصلت بي سيدة، توفي ولديها، وليس لهم أي أقارب، وترك لها منزل من ثلاثة طوابق، وأرادت بيعه من أجل إنشاء مشروع، ذهبت عند العدول، قيل لها لابد من الإراثة، رغم أنها وحدها، وقيل لها اذهبي وابحثي عن عاصب أينما وُجد لكي يأخذ النصف".