اختارت جماعة العدل والإحسان إحياء الذكرى الخامسة لرحيل مرشدها عبد السلام ياسين بتنظيم ندوة سياسية تحت عنوان"التحول السياسي بين محاولات الإجهاض وفرص التجاوز"، واستضافة عدد من رموز اليسار الجذري المغربي.
الجماعة حرصت على استدعاء مصطفى البراهمة، الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي، وعبد الله الحريف، الكاتب الوطني السابق للحزب، الذي ألقى مداخلة في الندوة، فضلا عن خديجة الرياضي، وعبد الحميد أمين القياديين في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
دعوات لجبهة مدنية ضد الاستبداد
عبد الله الحريف، القيادي في حزب النهج الديمقراطي، ألقى مداخلة بعنوان "توصيف بنية الاستبداد، مقوماته وركائزه"، اعتبر فيها أن النظام المغربي يعتمد على مؤسسات عصرية منتخبة، ولكنها تظل في الواجهة، ومؤسسات أخرى غير خاضعة للمحاسبة.
وقال الحريف "إن الاستبداد في المغرب تتم شرعنته بقوانين رجعية ظالمة من بينها الدستور الممنوح والقانون الجنائي، ومدونة الأسرة، وهي قوانين تطبق وتخرق حسب التعليمات إن لم توافق مصالح الاستبداد".
الحريف، لم يتردد في وصف النظام المغربي بكونه نظاما للحكم الفردي، الذي يعامل مواطنيه كرعايا ولا حق لهم في محاسبته، وهو "نظام يرفض أي تعددية سياسية حقيقية لأنه لا يقبل بتواجد أية مشاريع سياسية خارج مشاريعه، ويعتبر أي معارضة حقيقية سببا للفتنة ولذلك يقوم بتقسيم الأحزاب، ويوظف الإدارة في القهر والتركيع، ويستخدم الأعيان لبسط نفوذه، وعموما فهو نظام يعتمد ديمقراطية الواجهة، وديمقراطية الأسياد، ويلغي الحرية"، بحسبه
أما النواة الصلبة للمخزن فتتشكل بحسبه، من كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين والقضائيين وكبار المقاولين، وبعض كبار المسؤولين النقابيين وممن لهم سلطة أو نفوذ، وهو ما يجعلهم متحكمين في مفاصل الدولة، وكذا جزء هام من الاقتصاد الوطني.
ولم يترك الحريف فرصة حديثه من منصة جماعة العدل والإحسان دون أن يوجه انتقادات للقوى اليسارية التي قبلت الاشتغال من داخل بنية النظام، وقال "إن هناك فكرة مزعومة يتم ترويجها أحيانا بحسن نية، وهي أن الاستقرار في ظل الاستبداد أفضل من الدخول في تغيير غير مضمون العواقب، وهي فكرة تعرقل مواجهة الاستبداد، وإن بحسن نية أحيانا"، بحسبه.
وزاد "أصحاب هذه الفكرة ينسون أن الاستبداد سيفتح الباب عاجلا أم آجلا الباب على المجهول، ولذلك لا حل دون الوحدة في مواجهته.
أنوزلا : الإسلام السياسي فشل في الحكم
من جهته، قال الكاتب الصحافي علي أنوزلا "إن الإسلام السياسي فشل في الحكم بعد ثورات الربيع العربي ، وأضاع على الشعوب العربية فرصة تحقيق الانتقال الديمقراطي، لأنهم حمل معه البوادر الموضوعية لفشله، بسبب قلة أطره وتجربته، وانسياقه وراء قواعده شبه الأمية، وعدم وضوح رؤاه والسعي الى الغموض والتقية
". وأضاف "لقد اتضح أن الانتقال الديمقراطي لا يتعلق بمن تستطيع الإطاحة به ومن يحل محله، بل كيف تستطيع تغيير الشبكة الضخمة من المؤسسات التي كان يقوم عليها النظام، وإلا فإن ثورتك محكوم عليها بالفشل"، مشيرا إلى أن الذي جنب تونس مصير مصر وسوريا هو أن النظام السابق لبنعلي لم ينجح في القضاء على جميع المؤسسات قبل الثورة، مما أتاح لبعض المؤسسات الوسيطة أن تقوم بدورها في حماية الثورة كما هو الشأن بالنسبة لنقابة الاتحاد العام التونسي للشغل، التي دفعت الفصائل السياسية المتصارعة إلى الجلوس على مائدة الحوار.
ولفت أنوزلا إلى إن الإسلاميين يرون أنهم كانوا ضحايا لمؤامرة داخلية وخارجية، لكن ذلك لا يخلي مسؤوليتهم، مشيرا إلى أن المرحلة الحالية تقتضي ظهور جيل جديد من الإسلاميين، أو ما يمكن أن يصطلح عليه "بما بعد الإسلاموية"، وهو تيار يزاوج بين الإسلام والحداثة، بين التدين والحقوق بدل الواجبات، وهذا التيار، بحسبه لا يمكن أن يتحالف إلا مع علمانية غير استئصالية لا تقوم على معاداة الدين، ولا تقف في معسكر الاستبداد كما حدث لبعض التيارات اليسارية، التي قال "‘إنها خانت شعوبها ووقفت في معسكر الاستبداد بسبب معاناتها من الإسلاموفوبيا".
وخلص أنوزلا إلى أنه "رغم ما يشهده العالم العربي من حروب ومآسي، فالأكيد انه لا مستقبل لأنظمة الاستبداد بأسمائها القائمة، لكن لا بد أن تبدأ القوى المعنية بالتغيير في استعادة أنفاسها، وتضع برامج جديدة تتجنب من خلالها الأخطاء التي وقعت فيها، أو دفعت إليها، وبناء مشروع ديمقراطي مشترك قائم على التعددية وعلى الفصل بين الدين والسياسة تحريرا لكليهما من الآخر".
من جهتها، دعت أمان جرعود القيادية في جماعة العدل والإحسان إلى تحالف ضد الاستبداد قائم على قاعدة عابرة للهويات والايديولوجيات والثقة.
وبحسب المتحدثة، فهذا التحالف يقوم على ثلاث أوراش أولاها بناء الوعي، وتوعية الشعوب بخطورة الاستبداد، وأهمية التغيير المنشود، والثمن الذي يتطلبه، ثم إطلاق حوار موسع ومفتوح على جميع المواضيع وجميع المكونات بدون إقصاء، وبدون سقف، وصولا إلى المخرج الثوري حين تغيب كل المنافد وتأخذ الشعوب المبادرة، لكن الشعوب ليست في مأمن من الانفلات، وهنا تأتي أهمية الفاعل السياسي، والمدني، الذي يفترض أن يقوم بدوره في عملية الوعي والتأطير.