أعرف الأخت والرفيقة نجوى كوكوس، منذ سنوات، ومازلت أنظر إليها دائما بكثير من الأمل، الأمل في أن تجسّد الجيل الجديد من الباميات والباميين، الذين راهن عليهم المؤسسون لممارسة السياسة بصيغة أخرى، صيغة جسّدتها توجيهات الملك في برقية التهنئة باختتام مؤتمر البام الأخير، الذي، لعلّة ما، غادرته أغلب وجوه الرواد المؤسسين، مما يجعل مهمة الرفيقة جسيمة في هذه الظرفية الدقيقة...
لست، هنا، بصدد مناقشة كل ما جاءت به رئيسة المجلس الوطني، نجوى كوكوس، خلال مرورها يوم الأربعاء في برنامج "مع الرمضاني"، وإنما لألتقط بعض الإشارات المعبّرة في خرجتها الإعلامية...
وكانت أبلغ إشارة التأكيد والتشديد على أن "البام بألف خير"، والدفاع المستميت عن "نجاح القيادة الجماعية"، مبرزة أن عمر التجربة 8 أشهر هي فترة قصيرة جدا، وهي غير كافية للحكم على التجربة.. ومع ذلك، بدت كوكوس على قناعة تامة وهي تقول: "بعد تجربة 8 أشهر، أنا أرى أن التجربة ناجحة"، وقالت إن "القيادة الجماعية تحدي اتخذناه، وهو إبداع وليس بدعة، اخترناه لتقديم نموذج جديد للتدبير الحزبي من أجل إضفاء مقاربة تشاركية حتى لا يكون القرار أحاديا، لأنه عندما تكون القيادة الجماعية، فالأمناء العامون الثلاثة متساوون في المسؤولية، وهذا يخوّل لنا قرارات فيها تشاركية"...
السؤال: هل بهذه الشهادة على نجاح تدبير الأمانة العامة الثلاثية تكون رئيسة المجلس الوطني، "المسكينة"، من حيث تدري أو لا تدري، نزعت فتيلا من "مؤامرة" استئصال صلاح الدين أبو الغالي من القيادة؟!
قد يكون السؤال ماكرا، لأن ما جرى في البام، منذ 10 شتنبر 2024، يكشف عن حجم مذهل من "المكر" و"الخداع" وحتى "الخبث"! وعن استهتار بقوانين الحزب، لنأخذ هنا، كمثال، المادة 107 من القانون الأساسي، التي تضع مسطرة إقالة القيادة الجماعية للأمانة العامة باعتبارها اختصاصا حصريا للمجلس الوطني، لكنها قيّدته باشتراطٍ أساسي أن تتوفر، بالضرورة، ثلاثة أسباب: الفشل في تنفيذ برنامج الحزب، أو الضعف الظاهر في أجهزة الحزب، أو تراجع شعبية الحزب وإشعاعه... وكل هذه الأسباب غير متوفّرة في الأمانة العامة الثلاثية، التي قالت رئيسة برلمان البام إنها، أولا، نجحت في القيام بمهامها منذ انتخابها إلى اليوم. وأكدت، ثانيا، أن أجهزة الحزب تشتغل بشكل عادِ وبسلاسة، ولا يوجد في الحزب على الإطلاق ما يعثّر ويعطّل أجهزته. وتباهتْ، ثالثا، بمحافظة الحزب على جاذبيته وبريقه، وقدّمت نموذجا لذلك بفعاليات الجامعة الصيفية للحزب نهاية شتنبر، التي قالت إنها زادت من إشعاع الحزب...
معنى ذلك، أن ليس هناك، على الإطلاق، من منطوق رئيسة برلمان الحزب، أي وضع من الأوضاع الثلاثة الموجبة للإقالة، بل أكثر من ذلك، إن الحزب، منذ "الإبعاد القسري" لصلاح الدين أبو الغالي، وهو يعيش تعثّرات تابعها الرأي العام بسبب فشل الأمينين العامين المتبقين في التدبير الحزبي القيادي، ما جعل حماة العدل أصحاب البذلات السوداء يجتمعون من كل مناطق البلاد للتنديد بمشاريع وهبي، التي اعتبروها مشاريع البام، الذي تبنّاها ودافع عنها، ومن مظاهر الفشل كذلك: الندوة الصحفية التشهيرية، وفيها جرى استعمال وزير ورئيس فريق برلماني ورئيسة منظمة نسائية موازية ورئيسة لجنة الأخلاقيات، التي يفترض فيها أن تبتّ في قضية بكل نزاهة وحيادية، فإذا بها تتصدّر جوقة "المتآمرين" وبصفة علنية وأمام الرأي العام، لنتصور البام يُخرج للإعلام "الخصمة" التي هي نفسها "الحكمة"! وهذه من غرائب العمل السياسي على الطريقة المنصورية!
لكن دعونا ننظر إلى المشهد من زاوية أخرى، سنجد أن البام، منذ تغييب صلاح الدين أبو الغالي، وهو يبصم على خطوات متهوّرة وعلى قرارات طائشة، مما يقتضي، في اعتقادي، ليس "التآمر" على أبو الغالي، وإنما استقدامه ليكون النموذج البديل في الأمانة العامة، باعتباره يمثل أمينا عاما من الجيل الجديد، الذي سيكون الأقدر على التدبير الفعال والحكيم للحزب، للدفع به ليتمثّل ويستحضر ويحقّق الأدوار المتقّدمة، التي أناطها الملك بالحزب في برقية التهنئة باختتام المؤتمر، عدا توجيهاته المتعدّدة والمتكرّرة لتأهيل الأحزاب "بعيدا عن المصالح الشخصية والحزبية"، وعن "تصفية الحسابات السياسوية"، بتعبير عاهل البلاد...
لكن رئيسة المجلس الوطني، في حوارها مع الزميل رضوان الرمضاني، جانبت الحقيقة في قضية أبو الغالي، واستعملت أجوبة تناورية، كان من شأن التعامل معها، بـ"جدية ومسؤولية"، أن تكشف عن معضلة تنظيمية وسياسية خطيرة، تتمثّل في عمليات "الاستفراد" بالحزب، وبقرارات الحزب، وبمصائر الباميين، قيادة وقواعد، ناهيك عن ممارسات "تخراج العينين" و"العجرفة" و"الاستكبار"، التي لا تخفيها الابتسامات الباردة التي توزّعها منسقة القيادة هنا وهناك...
تقول كوكوس، عند الحديث عن أبو الغالي، إنه "ليس لدينا مشاكل كبيرة" من شأنها أن توقف نشاط الحزب، وجاء تبريرها لموقف الحزب، بإقحام مشكل تجاري خاص في استصدار قرار تنظيمي، تبريرًا غير مقنع على الإطلاق، ما جعل الزميل الرمضاني يسألها باستغراب: البايع والشّاري والموثّق من البام، فكيف بلغت الأمور إلى هذه الزوبعة؟ وعلى الفور، أجابت كوكوس: "لأن البام توصل بشكاية، وكان واجبا التدخل للبحث عن حلول لتدبير الأمر، فلما استعصى الحل بطريقة حبية، كان لابد للمكتب السياسي أن يتخذ قرار تجميد العضوية"! كانت رئيسة المجلس الوطني على قناعة، في قرارة نفسها، أن الجواب غير مقنع، وهذا طبيعي لأن القرار أصلا ظالمٌ ومبنيٌّ على باطل، ولذلك حاولت تأكيد القول: "حنا ماشي محكمة، ولكن عندنا قانون، والقانون يطبّق على الجميع"!!!
ليست نجوى كوكوس وحدها، وإنما جمهور واسع من الباميات والباميين لديهم قناعات أن القضية كلها هي عملية مفبركة ومدبّرة لإبعاد أبو الغالي من القيادة في هذه الفترة، لكنهم "مساكين" لا يستطيعون أن "يُنفْنفوا قُدّام الشريفة"، وهذا يعرفه الخاص والعام، والجميع على بيّنة من أن الحزب لا دخل له في النزاع، وأن منسقة القيادة ومسؤول التنظيم عندما تدخّلا في النزاع، وجرّا معهما الباقيات والباقين، من صامتين ومؤيدين ومريدين، تدخّلا برعونة، وبغياب مطلق للحكمة، وبانحياز "مصلحي" مطلق للطرف الثاني في النزاع، بل الأدهى، إن لم أقل إنها "جريمة سياسية واجتماعية" أن الاثنين المذكورين، المنصوري وكودار، حرّضا الطرف الآخر على تجاوز السبيل القانوني الطبيعي، وهو القضاء المدني، واللجوء مباشرة إلى القضاء الزجري، في عملية مبيّتة مفضوحة تستهدف "اغتيال" أبو الغالي سياسياً، بتلطيخ سمعته بوشاية كاذبة!!
وهذا ما تعرفه كوكوس جيدا، لكنها عاجزة عن الاعتراف به، ولذلك عندما ذكرت أن البام ليس لديه مشاكل كبيرة، استطردت قولها إن هناك "وضعا خاصا" يعالجه الحزب بالسبل القانونية، وطبقا لقوانين الحزب، من نظام أساسي ونظام داخلي وميثاق للأخلاقيات، مبرزة أنه "لدينا مساطر وإجراءات كفيلة بالبتّ في جميع المشاكل المطروحة"! فلماذا لم يستعمل الحزب هذه المساطر والإجراءات؟
لماذا اتخذ المكتب السياسي قرارا خارج ما ينص عليه القانون، الذي يفرض أن أي قرار تأديبي بهذا المستوى يستوجب من المعني أن يكون "يشغل مهمة انتدابية أو نيابية حُركت في مواجهته متابعة من أجل جناية أو جنحة عمدية مرتبطة بتدبير الشأن العام بناء على إحالة المجلس الأعلى للحسابات أو المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للداخلية"؟ ولماذا تحال القضية على اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات، والإحالة تستوجب أن يكون المعني "صدر في شأنه قرار قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به من أجل جناية أو جنحة عمدية مرتبطة بتدبير الشأن العام ما لم يرد له اعتباره"؟ فكيف جرى إقحام هذين المقتضيين القانونيين في معاملة تجارية خاصة؟!؟
وعوض أن تقدم رئيسة المجلس الوطني جوابا حقيقيا ونزيها وموضوعيا وجديا ومسؤولا، اختارت إجابة خشبية سطحية بالقول: "لأن البام توصّل بشكاية"! يا سلام! بإمكان أي كان أن يتقدم بشكاية شخصية، لا يهم أن تكون مظلومة أم ظالمة، فهي كافية لاستصدار إجراءات حزبية، سواء كانت لفائدة هذا الطرف أو ذاك، فهي ستكون بالتأكيد بخلفية مصلحية، ومهما كانت طبيعة القرارات، فإنها، في نهاية المطاف، تحوّل الحزب إلى وكالة تجارية للنظر في قضايا المتنازعين، لكن الأخطر هو التحوّل إلى محكمة تجارية، وهذه سابقة في العمل الحزبي لا يوجد لها مثيل إلا في "بام المنصوري"!
تبقى آخر نقطة، وهي عندما طرح الرمضاني السؤال: "البام كحزب وعد المغاربة بعد المؤتمر أن يعطي صورة جديدة للعمل السياسي، والحال أن ممارساته تزيد من إبعاد الشباب عندما يتابعون مشاكل البام وسيقولون (واش هذا هو العمل السياسي وهوما مضاربين غير مع بعضياتهم!)؟ فأجابت رئيسة المجلس الوطني على الفور وبحسم: "ما كاينش مضاربة"!
سؤالي هنا: واشنو اللي كاين، كاينة الديمقراطية والنزاهة والشفافية والكرامة والعدالة؟ لقد جاء تعبير الزميل الرمضاني معبّرا ودالا وهو يتحدث عن "المْضارْبة"، لأن المتنفذين اليوم، من كثرة رهبتهم ورعبهم على مصالحهم "المتنوعة" و"المتعدّدة"، يمارسون التدبير الحزبي بـ"المضاربة" في مواجهة كل من يشمون فيه رائحة تضييق على تلك المصالح، هذا ما فعلوه عندما ساوموا أبو الغالي بالنزاع التجاري الخاص، وعندما ضغطوا عليه من أجل تقديم الاستقالة، وعندما جيّشوا الحاضرين في "اجتماع 10 شتنبر الفضيحة" لاتخاذ قرار تجميد العضوية، وعندما عقدوا ندوة صحفية تشهيرية، وعندما كلّفوا أربعة من المكتب السياسي بانتحال صفة النيابة العامة بتوجيه تهمتي "النصب والاحتيال"، بل وانتحال صفة هيئة قضائية وإصدار حكم بالإدانة، وعندما سخّروا لهذه "المْضارْبة" رئيسة منظمة نسائية موازية ورئيسة لجنة التحكيم والأخلاقيات، وآخرا وليس أخيرا، عندما سخّروا بعض "الشرفاء" المزعومين، مثلما فعل أحدهم، وهو موظف جماعي، لما "صنع" أو "صنعوا له" صورةً تضامنية مع الشريفة فاطمة الزهراء المنصوري وكأنها صادرة عن جميع "شرفاء مولاي عبد السلام بن مشيش"! فضلا عمّا يمكن أن تتفتّق عنه قريحة "المتآمرين" من استعمالات أخرى لمحاولة تقديم "الشريفة" في صورة "ضحية" في حاجة إلى التضامن، ولِم لا في حاجة إلى فتح فرع لمحكمة الأسرة بالحزب أيضا! أي مسخرة هذه!