رغم ما يعتبرها مقاومات صادفها بالاتحاد العام لمقاولات المغرب، يؤكد رئيس "الباطرونا" صلاح الدين مزوار على مضيه في ولايته الحالية، وتكريس طريقته في تدبير المنظمة التي تدافع عن مصالح رجال الأعمال.
وفي الحوار الذي أجرته معه " تيلكيل"، ونورد منه بعض المقتطفات، يتحدث عن النموذج التنموي الجديد وأسباب ضعف النمو الاقتصادي، ومعالجة الفوارق الاجتماعية والمساهمة التي يمكن أن تأتي من القطاع الخاص من أجل تحقيق ذلك الهدف.
تتفاقم الفوارق بينما لايستثمر القطاع الخاص كما يجب، ألا تثيركم عقلية رجل الأعمال الكبير الذي ينتظر الإشارات من قبل الدولة؟
لا تتعدى مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار الشامل 25 في المائة، نحن إزاء دولة أضحت كلية الحضور وكلية القدرة، وتراقب كل شيء. لقد خلقنا ثقافة تقضي بأن ينتظر القطاع الخاص ما ستفعله الدولة كي يلتصق بها. يختزل فعل المقاولة، في غالب الأحيان، في القدرة على الحصول على صفقات. هناك، كذلك، أكثر من 200 مؤسسة ومقاولة عمومية استراتيجية ثقيلة، وبالتالي احتكارية (Monopolistiques) شيئا ما، في بعض القطاع، أضف إلى ذلك الجماعات المحلية والترابية. كل ذلك أضحى مصدرا للطلبيات.
ماذا عن النموذج التنموي الجديد؟
في غالب الأحيان، نتحدث عن نموذج تنموي "جديد"، لكن من اخترع هذا الاسم؟ يجب، في جميع الأحوال، الإجابة على أسئلة أساسية.
أولا، الإنصاف وتساوي الفرص، فالجامعة والمدرسة لا تضطلعان بهذا الدور، إلى درجة أننا نلاحظ سلوكات تقوم على "البحث عن عراب"،عبر العلاقات العائلية والحزب السياسي والجمعية.
ثانيا، هناك مسألة حرية المبادرة في المجال المقاولاتي، ففي اليوم الذي ندرك فيه أن مجهود الدولة يجب أن يتجه أكثر نحو توفير شروط تحفيز فعل المقاولة، آنذاك ستتغير الكثير من الأشياء. وعوامل نجاح هذا "النموذج الجديد"، سترتهن لسلوك الشباب. فإذا بقي الشباب بنسبة 80 في المائة متوجها نحو الوظيفة العمومية، بسبب نقص الثقة في بيئة المقاولة، لن نكون قد حققنا أي إنجاز. فروح المقاولة لا تختزل فقط في المقاولة، بل تهم كذلك الحي والحاضرة. هناك الكثير من الأشياء التي يجب تشجيعها في مجتمع 40 في المائة من أفراده تقل أعمارهم عن 25 عاما.
ثالثا، يجب على الدولة أن تبدأ في الانسحاب من بعض قطاعات النشاط. ذلك ضروري في الصحة والتربية، الدولة لا تستطيع التكفل بهما لوحدها، ولن تقدر على ذلك، يجب أن توسع مجال الاحتمالات لكل الفاعلين. هذا يسري، كذلك، على المنافسة التي يجب أن تسود في جميع القطاعات.
يجب أن يكون هناك انفتاح أكثر، وتنافسية أكثر، ودولة أقل، وتحميل المسؤولية أكثر للفاعلين بشكل عام (القطاع الخاص، المجتمع المدني، الشركاء الاجتماعيون). بشكل عام، اقتصاد سوق حقيقي وقواعد. أخيرا، يجب وضع الرقمنة في قلب التحول، ليس للإدارة فقط، بل المقاولة والمجتمع كذلك.
نتحدث عن نموذج تنموي "جديد"، لكن من اخترع هذا الاسم؟
هل تعزون ضعف النمو الاقتصادي وضعف خلق فرص العمل إلى التدبير السياسي؟ هل اتخذت القرارات الجيدة؟
لقد اهتممنا بالسياسة أكثر من الاقتصاد. لقد تبنينا دستورا جديدا، وحصلنا على أغلبية جديدة، وحكومة جديدة، وبالنتيجة، كانت الأذهان مركزة أكثر على النقاش السياسي، هذا ترجم بارتفاع العجز، وبالتالي، التركيز على الإطار الماكرواقتصادي والخلافات السياسية أكثر من الاقتصاد الحقيقي.
بالنسبة لقانون مالية العام الحالي، تطلبون من الدولة خفض الضريبة على الدخل، لماذا لا يمكن التأثير أكثر على رافعة تخنق الأسر؛ أي التعليم الخاص؟ أليس من بين أدوار "رئيس الباطرونا" التركيز على قطاع التعليم الخاص الذي يفرض أسعارا مرتفعة؟
إما أن نتجه نحو التقنين والتسقيف من قبل الدولة، وهو ما سيعكس نوعا من التدخل، وإما ننخرط في منافسة أكثر. أنا أؤمن بالمنافسة، لأنني أعلم أن مقاولين شباب يفكرون في تموقع في صالح الطبقة المتوسطة، يجب تحفيز هذه الدينامية. ويتوجب على الاتحاد العام لمقاولات المغرب أن يقوم بمبادرة حول أسعار التربية. هذا الأمر ليس مطروحا، غير أن سؤالكم يوحي لي بفكرة تبني هذا التفكير الوطني حول الولوج إلى التعليم الخاص.
سؤالكم يوحي لي بفكرة تبني هذا التفكير الوطني حول الولوج إلى التعليم الخاص
في ما يتصل بالمسؤولية، هناك قطاع آخر ربح الكثير من المال في الفترة الأخيرة، يتعلق الأمر بقطاع المحروقات. لم يبد الاتحاد العام لمقاولات المغرب رأيه حول هذا الملف الحارق...
لم ينكب الاتحاد العام لمقاولات المغرب على هذا الملف، لأن الفيدراليات والقطاعات المعنية لم تطلب منه ذلك. ثم إن هذه المسألة تهم هيئات الضبط (Régulation)، يجب ترك مجلس المنافسة يقوم بعمله. إذا لوحظت انزياحات، سنكون مجبرين على الدفاع عن أعضائنا. دورنا هو الدفاع عن قطاع عندما يكون معرضا لمخاطر حركة أو حملة أو تصفية حسابات، وهذا يحدث...
تفكرون في المقاطعة؟
لقد كانت المقاطعة إشارة تقول لنا إنه يجب الذهاب في اتجاه شفافية أكبر. المواطن أضحى متطلبا ويريد أن يفهم. إذا كانت الشركات المدرجة في البورصة شفافة بقوة القانون، فأعتقد أن في القطاعات الأكثر حساسية، العاملة في المنتجات الواسعة الاستهلاك، يجب أن تجد شركات وسيلة للتواصل الذي يطمئن المستهلك بأنه غير مستغل أو أنه لايوجد بإزاء وضعية هيمنة (Position dominante).
لقد كانت المقاطعة إشارة تقول لنا إنه يجب الذهاب في اتجاه شفافية أكبر.
هل هذا الخطاب يستمع له من قبل أعضاء الاتحاد العام لمقاولات المغرب، خاصة الأعضاء الكبار؟
بطبيعة الحال، إن في مصلحتهم فعل ذلك، وسأدفع في هذا الاتجاه.
يعني في اتجاه نشر حسابات شركات، رغم كونها غير مدرجة في البورصة؟
لم لا؟ مطلب الشفافية أضحى قويا. التمثل يمكن أن يكون ضارا، إذا لم يصحح.
كيف تعاطى رجال الأعمال مع الزيادة الأخيرة في الحد الأدنى للأجور؟
يجب زيادة الأجور حسب معدل التضخم السنوي. لماذا يجب انتظار ثلاثة أعوام من أجل تحسين الأجور؟ هذا لامعنى له، يتعلق الأمر بإدراج هذه الكلفة في تحملات الشركات بطريقة نسقية واستباقية. ولأولئك الذي يتوقعون انحدارا نحو مستوى تضخم لا يمكن تحمله، أقول إن بلدا دبر على مدى عشرين عاما معدلا متأرجحا بين 1 و2 في المائة لا يمكن أن يقفز فجأة إلى 7 في المائة.
يجب زيادة الأجور حسب معدل التضخم السنوي.
علاوة على ذلك، يجب وضع ميثاق ثابت، يتعلق بالجزء المتغير من الأجور، حيث يفترض أن تكون الدخول رهينة بمعايير مثل المردودية والجودة والإنجاز التجاري. وأخير، يجب تفعيل النقاش داخل الفروع (Branches)، لأن الحقائق، حسب سلاسل النشاط، جد متباينة.
خلصت دراسة لأوكسفام إلى أن المغرب هو البلد الذي يعرف أعلى مستوى من الفوارق في شمال إفريقيا، ألا يجب أن تكون الثروات موزعة بشكل جيد؟
صحيح، لكن التوزيع لا يعود فقط للمقاولة، إنه يرتهن، في جزء كبير منه، لوظيفة إعادة التوزيع للدولة، والحال أن تلك إحدى أكبر الثغرات في السنوات الأخيرة، فلم تضطلع الدولة بدورها. إذا كانت الأجور، بشكل عام، ارتفعت وتوسعت الطبقة الوسطى، فإن آليات إعادة التوزيع التي تستهدف الأسر الأكثر هشاشة لم تشتغل. والنتجية، أننا دفعنا عدد كبيرا من المواطنين إلى القطاع غير المهيكل. هذه الكتلة من الهشاشة الاجتماعية والتربوية والأجرية، هي انعكاس ملموس للفوارق. والمقاولة مدعوة عبر بعدها الاجتماعي إلى لعب دور التهدئة (Stabilisateur) للمجتمع.
درستم بغرونوبل بفرنسا وكنت تحمل قناعات شيوعية...
كنت منتميا لليسار الراديكالي عن قناعة. نزعتي الإنسانية قادتني إلى الماركسية- اللينينية. أنا جد حساس للبؤس الإنساني واللاعدالة. هذا هو الدافع الرئيسي لالتزامي. عندما كنت شابا كنت أتردد كثيرا على أشخاص، خاصة أصدقائي في الوسط الرياضي، الذين كانوا يقطنون في الأحياء الصفيحية. في النهاية كل هذا يؤثر فيك.
نزعتي الإنسانية قادتني إلى الماركسية- اللينينية.
هل تجدون هذه النزعة الإنسانية داخل الاتحاد العام لمقاولات المغرب؟
نعم، غير أن هذه النزعة الإنسانية تترجم أكثر عبر العمل الخيري أكثر من مبادرات مباشرة لها تأثير مباشر، ومع ذلك، يساهم العمل الخيري في التخفيف من المعاناة، وهو أمر محمود، غير أن المعاناة مع زالت قائما. كيف لنا ألا نكون حساسين لها؟ ما الفائدة من التزام لا يساهم في التخفيف من هذه المعاناة؟ أن تتحمل مسؤوليات يعني أن تخفف من هذه المعاناة، ويعني أن تؤثر بقوة على العوامل التي تتسبب فيها. إذا كان نقم بذلك، أعتبر أننا لا نصلح لأي شيء.
ماذا تقرؤون اليوم؟
قرأت "النبي" لخليل جبران. وعندما كنت شابا كنت أقرأ الروايات العربية بنهم. واليوم، أهتم بمذكرات رؤساء دول سابقين، مؤخرا قرأت كتاب نيكولا ساركوزي "Passions"، وأهتم، كذلك، بما يكتب حول عالم الغد، والرهانات البيئية وتأثيراتها على التحولات الاجتماعي تثير فضولي.
ترجمة بتصرف عن " تيلكيل"
حوار أنجزه: رضى دليل وتوما سافاج