أطلق المغاربة على الراحل ميلودي حمدوشي، الذي توفي اليوم الجمعة، لقب "كولومبو"، تحببا واعترافا بكفاءته في محاربة الجريمة، وأحب ذلك التعميد الذي يحيل على المفتش الذكي، الذي يقتفي أثر المجرمين ويفك خيوط الجريمة، حيث لا يظنها الناس، قبل أن يغير قبعته، وينتقل إلى عالم الرواية البوليسية، حيث أبدع وعبر عن كفاءة أخرى، إلى جانب التعليم في الجامعة.
استحق الفقيد الذي رأى النور بمدينة سيدي بنور، ذلك اللقب الذي يحيل على السلسلة الأمريكية الشهيرة، التي كان بطلها "بيتر فالك"، لأن "كولومبو" المغربي، تصدى لمحاربة الجريمة التي ترعاها مافيا المخدرات والفساد في المدن التي مارس بها مهامه.
في نعيها للعميد الإقليمي المتقاعد الدكتور ميلودي حمدوشي،عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، تشير المديرية العامة للأمن الوطني إلى أن ذلك يشكل "مناسبة لاستحضار مناقب رجل بخصال عالية ومسار مهني وأكاديمي متميز". تلك المناقب لم تجعله يغيب عن ذاكرة الناس في المدن التي عمل بها، مثل الدار البيضاء وفاس والجديدة، وطنجة. تلك المدينة الشمالية التي اشتهر فيها بملاحقته لمافيا المخدرات والفساد.
يذهب الروائي عبد الإله الحمدوشي إلى أن استطاع أن يعطي وجها آخر للمهنة التي كان يمارسها، حيث كان هناك إجماع، عبر الصحافة بمعارضتها وموالاتها، في التسعينيات من القرن الماضي، على نزاهة الرجل، رغم محاربته من قبل بعض الفاسدين.
فاجأ الكثيرين عندما اختار الاستقالة من سلك الأمن. استقالة يعزوها، الروائي عبد الإله الحمدوشي، في اتصال بـ"تيلكيل عربي"، إلى الصعوبات التي وجدها في التصدي للمفسدين، غير أن اسمه عاد كي ليبرز مرة أخرى في الحرم الجامعي، حيث أضحى أستاذا للتعليم العالي، يتولى تدريس القانون الجنائي.
غير أن كفاءته أعادته للإدارة العامة للأمن الوطني، التي عين فيها مستشارا، قبل أن يتولى إدارة أكاديمية الشرطة، التي فتحها، كما يقول عبد الإله الحمدوشي، على الباحثين الجامعيين المغاربة والأجانب، وحرص على أن تدرس فيها مادة حقوق الإنسان. فقد أضحت الأكاديمية شبيهة بأي فضاء للتعليم العمومي في المغرب.
المسار المهني للراحل لايخفي ذلك السبق الذي حققه في تاريخ الإبداع الأدبي بالمغربي، حيث ساهم مع عبد الإله الحمدوشي في التأسيس للرواية البوليسية. يحكي هذا الأخير، أنه تعرف على الفقيد في بيت محمد زفزاف، كي تتكون بينما صداقة عميقة في جو بيته الذي كان عامرا بالأدباء والمفكرين وأساتذة القانون.
يحكي أنه سأل ميلودي حمدوشي، حول إمكانية استثمار الشهرة والسمعة الطيبة، من أجل كتابة رواية بوليسية، غير أنه تحفظ، خاصة في ظل المرحلة الانتقالية التي كان يعيشها المغرب، قبل أن يجري التوصل إلى صيغة لاقتحام ذلك الجنس، فكانت "الرواية المشتركة "الحوت الأعمى"، التي كانت أول رواية بوليسية مغربية وعربية، واحتفي بها من قبل الصحافة والنقاد.
لقد كان تلك الرواية، كما يقول عبد الإله حموشي، نوعا من الاختراق لذلك الجنس الأدبي بطريقة ذكية، دون الدخول في نوع من الصدام مع الجهاز الأمني. تلك الرواية حولت إلى سيناريو فيلم من إنتاج القناة الثانية، حيث شكل ذلك حدثا كبيرا في حوليات الأفلام المغربية، على اعتبار أنه اقتحم عالما كان مغلقا بالنسبة للمغاربة.
ويعتبر عبد الإله الحمدوشي، أن ميلودي الحمدوشي ساهم في خلق ثقة الناس في النوع الأدبي الجديد، بحكم سمعته ومصداقيته، الذي أبدع فيه الفقيد، حيث ألف العديد من الروايات باللغتين العربية والفرنسية من بينها "الحياة الخاصة" و"حلم جميل" و"ضحايا الفجر" و"أم طارق"...