يحلل الباحث في الحقل الإسلامي السياسة المغربية ضد التطرف، تأثير الوهابية في المملكة، ويعود إلى علاقته بمحمد السادس. بعيدا عن الجدل، يفضل المفكر التمسك بوضعه الاعتباري كباحث. إنه مصنف في مربع الباحثين الذين يعتمدون تحليلا نقديا للموروث الإسلامي المكتوب.
ويغذي التزامه هذا بمؤلفات علمية وأخرى تبسيطية، كما في آخر كتبه "وأخيرا، ماذا جاء في القرآن؟". في كتابه الأخير هذا، يحاور مخرج مسرحية " جهاد"، إسماعيل سعيدي، حول مسألة الجهاد في حد ذاتها، ومكانة المرأة في القرآن، ووضع الحجاب، والحلال والحرام، موظفا السخرية من أجل الوصول إلى شريحة أوسع من قرائه المستهدفين. رشيد بنزين ليس مفكرا منزويا في برجه العاجي. على الأقل ليس في قمة البرج، بل في منتصفه، استنادا لرفضه الإجابة عن أسئلة حول توظيف الدين أو عدمه كأداة من طرف الدولة، كما خطبة الفتنة التي توقفت بسبب ناصر الزفزافي. بل يفضل في حواراته الأسئلة المتعلقة بمجاله كباحث. لهذا فهو لا يصوغ أبدا ردودا سياسية.
عادة ما يعتبر المغرب نموذجا بفعل نتائجه في مجال محاربة الإرهاب، التي تتحقق أساسا من خلال مقاربة أمنية. هل هذا فعال على المدى الطويل؟
لا أعتقد أن المغرب لديه مقاربة أمنية بشكل أساسي اليوم. بالفعل، هذا ما ساد لفترة طويلة بالفعل، لكن اليوم، أعتقد أن المملكة فهمت أن ذلك لم يكن كافيا، وأنه يجب التفكير في نهج متكامل. ما نعنيه بهذا، هو نهج يجمع بين الأمني والتربوي، الاجتماعي والسياسي. الأمني ليس ولم يعد كافيا اليوم ببساطة لأن "تنظيم التهديد" لم يعد كما كان. فالتطرف اليوم لم يعد يمر من المسجد والقنوات الكلاسيكية التي يمكن مراقبتها، بل من قنوات يصعب مراقبتها. إضافة إلى ذلك، فإن المتطرفين تغيروا هم كذلك. اليوم، هناك أشخاص دون "مسار ديني" يمكن أن يسقطوا في التطرف، لذلك يجب العمل على المحاربة في وقت مبكر، عوض القمع. يبدو لي أن المغرب استوعب ذلك، حتى لو كانت المقاربة الأمنية تبدو غالبة، كونها أكثر حضورا في وسائل الإعلام وأكثر "مثارا للفرجة"، ولأنها تعتمد على المعلومات المستقاة من الناس، فيما تقوم في بلدان أخرى على مصادر المعلومات التكنولوجية.
تقوم الدولة، من خلال رابطة العلماء، بحملات لاجتثاث التطرف من فكر معتنقيه، بواسطة نشر كتب تفسر المعنى الحقيقي للجهاد. هل هذا كاف لإقناع شاب مفتون بإيديولوجية داعش؟
أولا، ورغم أن هذا الجهد والعمل جدير بالثناء، فإنني اعتقد أن الإجابة على إيديولوجية دينية بأسلوب لاهوتي بحت، لن يجدي نفعا، لأننا نجيب على المقدس بالمقدس، وبالتالي فإنه يمكن لكل جانب التمسك برأيه بناء على المقدس الذي يومن به). لذا فعلينا الرد على إيديولوجية الدين بصرامة التاريخ المدعومة بالانضباط العلمي. من هنا رأيي الثاني، وهو أهمية إعادة البناء، بفضل صرامة التاريخ، لمعنى مصطلح "الجهاد" وتطوره عبر الوقت إلى أن وصل للمعنى الذي أصبح يستخدمه الجهاديون اليوم. يجب التخلص من التعريفات المعيارية للمفهوم التي تقوقعه في فكرتين متواجهتين (الجهاد بالمعنى الحربي مقابل الجهاد بمعنى الجهد الشخصي والروحي)، من أجل إعادة موضعته ضمن توظيفاته المختلفة عبر التاريخ.
يبدو أن محمد السادس يولي اهتماما خاصا لأعمالك، مثلما يبرز ذلك عبر صورة لك رفقته في مؤلفك "مفكرو الإسلام الجدد". كما أنك تناولت رفقته وجبة الغذاء في الإيليزيه. ماذا قال لك خلال هذا اللقاء؟
كنا عدة أشخاص مدعوين لذلك الغذاء، لكن خلال النقاش مع الملك، تحدثنا عن القضايا المتعلقة بتكوين الأئمة، التعليم الديني، والفكر الإسلامي المعاصر. محمد السادس منصت جيد لكل المواضيع المتعلقة بالإسلام، لكننا نتحدث أيضا على عدة أشياء أخرى. على كل حال، أنا سعيد بكون الأفكار التي أحمل، مع العديد من الأشياء الأخرى، تجد صدى. وإذا ساهمت في تكوين فكر بناء للخروج من المأزق الذي نحن فيه، سأكون أكثر سعادة.
هل تمارس الضغط (اللوبيينغ) لصالح المغرب؟
قطعا لا، لقد أخبرتكم أن منهج تفكيري أكاديمي، بعيدا عن كل غرض سياسي. إذا تغير ذلك سيصبح منهجي هشا، وليس هذا ما أريده.
يبدو أن المغرب يسمح للدعاية الوهابية بالانتشار، هي التي تود منع الاختلاط في رقصات أحواش لدى الأمازيغ عبر عمل الدعاة. كما تسمح الدولة لبعض الأساتذة بدس تعليم " الإعجاز العلمي" للقرآن في الجامعة. كم من الوقت يمكننا أن نتجاهل هذا العمل السعودي المقوض؟
أعتقد أن الوهابية التي غزت العقول عملت في العقود الأخيرة على الاستيلاء على الاسلام الحقيقي. من الصعب محاربتها بفظاظة، لأننا سنواجه مقاومة شرسة من المنتمين إليها، كما لا يمكننا نهج أسلوب القمع، رغم أنه ضروري عندما يصبح الأمن مهددا. محاربة هذه الإيديولوجية تتطلب وقتا طويلا، استراتيجية، وأساليب متعددة، بدءا من التعليم الإسلامي. يجب أيضا البناء التدريجي لخطاب معارض يمكنه كسب جماهير عريضة ليصبح الوهابيون أقلية. بالنسبة لمسألة الاعجاز العلمي في القرآن، والتي تدرس في الجامعات، فعلى الدولة اتخاذ خطوات حازمة لحماية هذا الصرح من جميع الأفكار الإيديولوجية. لا يمكننا السماح للجامعة، التي يتكون فيها الفكر النقدي، أن تكون مسرحا أو أداة للخطابات الإيديولوجية.
قمت بتأليف كتاب تفسير القرآن للشباب. لدينا شعور أنها خبطة إعلامية على غرار ما فعله مالك شبل في كتابه "تفسير القرآن للكسالى"؟
لم افكر في تاليفه انطلاقا من هذا الاعتبار. هذا الكتاب انطلق من أسئلة واقعية طرحت علي خلال ندواتي سواء في فرنسا أو المغرب. فهمت أيضا أنه لشرح أفضل لأبحاثي، علي أولا إجراء مسح لبعض الوقائع والمفاهيم التي يسألني الناس عنها عادة، مثل مفهوم الوحي. لذا، فقد حاولت من خلال هذا الكتاب الاشتغال على هذه القضايا وتقديم أجوبة علمية قابلة للفهم، يمكن للمراهقين فهمها، من أجل تشكيل فكرهم النقدي. في النهاية تمت قراءته من طرف الكبار أكثر من الشباب.
كتبت سابقا أن الحديث تولد من التقاليد القانونية أو الأسطورية تماما، لكنه مع الأسف يصنف في نفس مرتبة و صلاحية القرآن. بدلا من الدعوة إلى الفرز بين الغث والسمين، لماذا لم تدع إلى عدم اعتبار الحديث في مجمله؟
هنا، تكرر حجج بعض المصلحين الذين يرغبون في حذف آيات أو إلغاء ما لم يعد مطابقا لـ"قيم" عصرنا من التراث الديني الإسلامي المكتوب. أنا لست متفقا إطلاقا مع هذه المقاربة. الأحاديث جزء من التاريخ وتساعدنا على فهمه، فهي أساسية لتحليل الطريقة التي تكون بها العصر الذهبي للإسلام عبر الزمن، شخصية الرسول، وغيرهما من القضايا ... لا يمكننا الاستغناء عنها، لأنها شاهدة على بدايات التاريخ الإسلامي وهو طور التكوين، كما أنها عنصر مهم في المقاربة التاريخية. عندما نغوص في تاريخ الحديث، ندرك أننا تتناول قضايا المجتمع في القرن التاسع، التي لم تعد هي قضايا مجتمع القرآن. حذفها يعتبر انخراطا في نهج إيديولوجي وليس تاريخي.
هل سبق وتعرضت لضغوط أو توصلت بتهديدات بالقتل بسبب مواقفك؟
كل ما يمكنني قوله في هذا الصدد، هو أن الاشتغال على إيمان حي ليس سهلا، لأننا نعيش حقبة أصبح فيها العنصر الديني هوياتيا أكثر ومعرفيا أقل، ولذا فهذا العنصر الديني يشعر بأنه ضحية لاعتداء من قبل هذا النهج التاريخي.