يعتبر نبيل نعيم عبد الفتاح، من أبرز المصريين الذين أسسوا تنظيم "القاعدة" إلى جانب أيمن الظواهري. شارك في عملية قتل الرئيس السابق أنور السادات، وسجن لأكثر من 18 سنة في سجون مصر بدون تهم أو محاكمات، وذلك لضلوعه ومشاركته في معارك بأفغانستان مع الظواهري وأسامة بن لادن، ولترحيله عددا من المصريين للقتال في أفغانستان، بينهم المصري الذي فجر برج التجارة العالمي يوم 11 شتنبر 2001.
في هذا الحوار، يكشف نبيل نعيم القيادي السابق في تنظيم القاعدة، لـ"تيل كيل عربي"، علاقته وصداقته مع أيمن الظواهري وأسامة بن لادن، وكيف قضى معهما أغلب المعارك بجبال أفغانستان، فضلا عن دوره في اغتيال أنور السادات. هذا القيادي يعد شاهدا على تحول بنية التنظيمات الجهادية بمصر، منذ بداياتها وصولا إلى "داعش".
كيف كانت بدايتك الأولى قبل الانتماء لتنظيم القاعدة؟
في السبعينيات كنت في الجامعة أنتمي لجماعة "الجهاد" التي تأسست بعد نكبة 67 بعام تقريبا، من طرف إسماعيل طنطاوي ومصطفى علوي. وبإزاء ذلك، انتشر فكر جماعة "التكفير والهجرة"، مع منظرها مصطفى شكري. وكنا في احتدام دائم مع هذه الأخيرة حول أفكار التكفير. وبما أنني كنت أحاول تثنية من معهم عن جماعتهم، قرروا قتلي، فتعرضت لضربة بالسيف في ذراعي ورأسي.
جراء هذا، وبعد خروجي من المستشفى، دلني أحد الأصدقاء من جماعتنا التي كنت من قيادييها بمصر، على طبيب جراح ليتابع حالتي. وكان هذا الشخص هو الدكتور أيمن الظواهري. كان هذا أول لقاء لي معه، والذي ستستمر صداقتي معه إلى غاية الآن.
دلني أحد الأصدقاء من جماعتنا التي كنت من قيادييها بمصر، على طبيب جراح ليتابع حالتي. وكان هذا الشخص هو الدكتور أيمن الظواهري
بعد سنة تقريبا من الغزو السوفياتي لأفغانستان في سنة 1979، سافر الظواهري إلى أفغانستان من أجل الجهاد، فلحقت به بعد مدة. لكن وفي تلك المراحل لم يكن المجاهدون التحقوا بعد، ولم تكن أي مساعدات أو مؤونة وعتاد عسكري؛ فكانت الظروف قاسية جدا بين الجبال، حيث كنا نأكل الذرة فقط لعدة شهور. ولصعوبة هذه الأوضاع، عاد الظواهري إلى مصر بعد 6 أشهر، وأنا مكثت هناك حوالي 10 أشهر، ثم عدت لمصر.
ما الذي حصل بعد رجوعك؟
في سنة 1981، قتل الرئيس المصري أنور السادات، قتم اتهامنا في تنظيم "الجهاد" بالضلوع في اغتياله، فاعتقلت إلى جانب أيمن الظواهري وقضيت معه فترة داخل السجن في زنزانة واحدة. وبعد خروجه، عاد هو إلى أفغانستان، ثم لحقت به وأسسنا تنظيم القاعدة، ومكثنا لبضع سنين.
هل كنت مشاركا في قتل السادات، ولماذا تم اغتياله؟
أنا الذي تكلفت بإحضار ذخيرة السلاح، وذلك عبر معارفي في الجيش آنذاك. المجموعة العسكرية التي كانت ستقتل السادات وقدمت العرض أمام الرئيس لم تكن معها ذخيرة، إذ كان ممنوعا عليهم الاستعراض بسلاح مشحون. فقمت بتزويد هؤلاء الأشخاص الذي كانوا تابعين لنا من تنظيم "الجهاد" بالذخيرة اللازمة.
أنا الذي تكلفت بإحضار ذخيرة السلاح، لاغتيال السادات، وذلك عبر معارفي في الجيش آنذاك.
لو رجع بنا الزمن لن نقوم بذلك. لكن ففي تلك الفترة كان السادات وقع على اتفاقية "كامب ديفيد" المعروفة بمعاهدة الصلح، وكان العداء حينها لإسرائيل مشحونا، وبالتالي أذكى هذا الأمر حماسنا بما فيها المعارضة السياسية.
وفي الحقيقة وبإزاء صلح السادات مع إسرائيل كان هناك سبب آخر أقوى لقتله؛ وهو قيامه بإحداث قانون التحفظ، والذي أدى إلى اعتقال كل المعارضة، بما فيها نحن، فتبادر إلى اعتقادنا حينها أنه إذ اعتقلنا فلن نخرج من سجونه أبدا، ولهذا ارتأينا قتله قبل اعتقالنا. وبررنا فعلنا هذا من فتوى كان أصدرها الشيخ عمر عبد الرحمن، كذريعة وحجة دينية (نتلكك يعني).
ماذا بعد؟
سجنت على إثر اغتياله 5 سنوات، وكنا داخل السجن نعيش بكل أريحية تقريبا، في أول حكم حسني مبارك. لكن وابتداء من التسعينيات انقلبت الأوضاع داخل السجن.
خرجت بعد قضاء سنوات السجن، والتحقت مباشرة بأفغانستان، أي تقريبا ما بين 1986 إلى غاية 1990، قضيتها مع أيمن الظواهري. ثم رجعت إلى مصر بأوراق مزورة. وتم اعتقالي لأن بعض العائدين من أفغانستان اعترفوا وكشفوا للأمن قصتي وكيفية رجوعي إلى مصر. اعتقلت مع بداية التسعينات، بدون أي محاكمة أو تهمة.
ما الذي كنت تقوم به في أفغانستان؟
كنت من قادة القاعدة في أفغانستان، وأقوم بترحيل المصريين ومساعدتهم على السفر من أجل الالتحاق بأرض "الجهاد"، حيث بلغ عدد الذي رحلتهم ما بين 80 إلى 100 مصري تقريبا، بينهم محمد عاطا الذي فجر برجي التجارة العالمي بأمريكا سنة 2001.
كان بن لادن يبعث لي الأموال إلى مصر لكي أدبر أموري؛ مثلا أقول لأيمن إننا بحاجة إلى تسفير 5 أشخاص، فيقولها لابن لادن فيرسل لنا 10 آلاف دولار. ساعدت الكثير منهم على شكل مجموعات، لكن دون أن أعرف تفاصيل عن حياتهم.
كنت من قادة القاعدة في أفغانستان، وأقوم بترحيل المصريين ومساعدتهم على السفر من أجل الالتحاق بأرض "الجهاد"
لذا سجنت بدون محاكمة إلى أجل غير مسمى. وقضيت 10 سنوات في زنزانة انفرادية في مساحة لا تتعدى 3 أمتار مربع، لا أرى أحدا ولا أحد يعرف عني شيئا. وفي سنة 2003 أخرجوني من الحبس الانفرادي إلى السجن الجماعي، لكن بدون أي محاكمة أو تحديد مدة السجن. وظل الأمر إلى غاية ثورة 2011، حيث أفرج عني بعد سقوط حسني مبارك مباشرة. أي حوالي 17 سنة داخل السجن.
كيف كانت علاقتك بزعيمي القاعدة أيمن وبن لادن، وكيف كانا يخططان؟
قضيت مع أيمن في بيت واحد بأفغانستان، تقريبا 4 سنوات، وبحكم أنه طبيب جراح فقد كان يعتبرني مرجعا دينيا له. كما لم تكن له ناصية بالمسائل الفقهية، لذا كان يستشيرني في بعض المسائل الدينية. الظواهري رجل خلوق وذكي جدا، لكن مشكلته أنه تربى على الفكر القطبي (نسبة إلى الأخوين سيد ومحمد قطب)، فاكتسب بعض التزمت والتشدد.
وبهذا الخصوص أتذكر نقاشا جمعني بأيمن الظواهري وسيد إمام، في أفغانستان، إذ قلت لهما إن الشعب الذي يختار حكامه بكل حرية، فما حكمه، فاحتدم النقاش بينهما بلغت أن كفّر سيد إمام أيمن الظواهري.
كنت كلما سافرت إلى السعودية من أجل العمرة، أمكث عند بن لادن في فيلا العزيزية، وعشت معه لفترة في السودان
بن لادن أيضا كان تشدده متقاربا من فكر الظواهري، كلاهما على نفس المنوال. من جهة، درّس محمد قطب في جامعات السعودية تقريبا لمدة 40 سنة، فكان سببا لإخراج جيل من المتشددين ينهلون من فكره، بمن فيهم أسامة بن لادن.
التقيت لأول مرة مع بن لادن في أواخر الـ 80 وبداية 90 تقريبا، كان أيمن زكاني عنده فنشأت علاقة طيبة بيننا. وكنت كلما سافرت إلى السعودية من أجل العمرة، أمكث عنده في فيلا العزيزية. كما أنني عشت معه بالسودان لفترة قصيرة.
أيمن الظواهري كان مثقفا، ويرى أنه يجب محاربة أمريكا لأنها سبب مشاكل الوطن العربي. في تلك الفترة كان الرجلان يعتقدان بهذا ولم يخططا بعد. كنا نقاوم ونحارب الروس في أفغانستان.
ما المعارك التي شاركت فيها، وماذا كان دورك؟
شاركت في عدة معارك في قندهار وجلال أباد ومزار شريف. وفي بادء الأمر كنت أحارب بمدافع الهاون. كانت خبرتي ضعيفة نوعا ما في هذا المجال، فقد تدربت كمتطوع في السبعينات، مع منظمة التحرير في لبنان لفترة وجيزة على حمل السلاح، وذلك بغرض محاربة إسرائيل، لكن في أفغانستان تعلمت أكثر.
بهذه الأخيرة كنت مسؤولا عن معسكر ثم مسؤول جبهة... وقد أصبت بشظايا قذائف في أغلب المعارك التي وقعت في منطقة خوست.
سجنت ما بين 94 إلى غاية 2011 في مصر، لكن إطلاق سراحك جاء مفاجئاً، كيف ذلك ومن اتخذ القرار؟
في فترة سجني كان أمن الدولة يريد إخراجي، لكن حسني مبارك كان معترضا. وعند سقوطه في سنة 2011، جاء ضابط بأمن الدولة إلى زنزانتي وقال لي غدا سأخرج، دون أي محاكمة أو قرار قضائي.
كيف استفدت من فترة السجن رفقة من كنت معهم وهل قمتم بمراجعات؟
لم أكن متطرفا يوما ما، وداخل السجن، أي بعد خروجي من الزنزانة الانفرادية في سنة 2003، كنت مسؤولا عن مجموعة من المراجعات مع بعض المتطرفين. حصل بعضهم أن اعتنقوا الفكر الوهابي وتشددوا في الدين، مما أدى بفكر التكفير إلى الانتشار داخل السجون.
وما يحصل الآن في السعودية هو تمرد على الفكر الوهابي. فمحمد بن سلمان، ولي العهد، لا ينشر الفسق في السعودية، بل كشف فقط حقيقة المملكة. ولي العهد هذا له شعبية كبيرة في السعودية لأن أغلبهم موافقون ومتمردون. في السعودية هناك جيل متمرد.
ما يحصل الآن في السعودية هو تمرد على الفكر الوهابي. فمحمد بن سلمان، ولي العهد، لا ينشر الفسق في السعودية، بل كشف فقط حقيقة المملكة
كنا نتناقش ونقوم بحوارات ومناظرات طويلة داخل السجن، بين مختلف معتنقي الفكر الديني، مما أدى بنا إلى القيام بمراجعات فكرية، لمدة سنتين تقريبا.
أهم نقطة تم التركيز عليها في النقاشات داخل السجون، هي مسألة الحاكمية (حسب الآية: من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). إذ كان تيار يقول أنه لا يوجد حاكم يستطيع أن يحكم بمفرده ولكن له أعوان، هم الشرطة والجيش والقضاء، وبالتالي فهم كافرون في اعتقاد هذا التيار.
بحكم معرفتك بتنظيم القاعدة، ورغم مكوثك لفترة طويلة بالسجن، ماذا تعرف عن أبو مصعب الزرقاوي؟
أذكره كان صغيرا بيننا في افغانستان، لكن لما ذهب إلى العراق خالف تعليمات بن لادن، إذ في إحدى المرات فجّر مسجد الحسينية (التابع للشيعة). هذا الأمر أقلق بن لادن لأنه بعثه لقتال أمريكا وليس الشيعة، فمنع إرسال المال إليه.
أبو مصعب الزرقاوي كان صغيرا بيننا في أفغانستان، لكن لما ذهب إلى العراق خالف تعليمات بن لادن
الزرقاوي قام في تلك الأثناء بالتحالف مع حزب البعث، وهو ما خول وسهل ظهور داعش بعد مقتله.
وكيف تنظر إلى الجيل الجديد من الجهاديين، وإلى الإسلام السياسي؟
للأسف الشديد التكفيريين قتلوا المسلمين، وفجروا المساجد. كيف يعقل أن يقتلوا أناسا يصلون، كما يفعل "أنصار بيت المقدس". نفس الأمر أتأسف عليه هو تفجير الكنائس، فهذا ليس جهادا؛ المسيحيون كانوا هنا قبل الاسلام، ولم يذبحهم أو يقتلهم أي أحد.
أنا أرى أن الوسطية التي ينشرها الأزهر هي المناسبة لمصر، فالكل يفعل ما يشاء ولا نحتاج لا إلى الإخوان المسلمين ولا إلى حزب النور أو الأحزاب والجماعات الأخرى التي على شاكلتهم.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن "داعش" كتنظيم ستنتهي، لكن كظاهرة ستستمر؛ لأن أسبابها المجتمعية والدينية قائمة، والتي منها ما يتعلق بالبطالة والفقر.
كيف ذلك؟
لمعرفة حالة كل من يفجر نفسه من الجهاديين، يجب الأخذ بعين الاعتبار أوضاعه الاجتماعية، وإلى جانب بعض النصوص الدينية، يصنعون منه انتحارياً. يجب النظر إلى نفس الحالة التي كان عليها البوعزيزي قبل أن يشعل في نفسه النيران. هكذا أرى الأمور بشكل عام.