رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان يُنقذ معرض الكتاب بلغة الإشارة

محمد فرنان

يجلسُ منتبها، واضعا يديه فوق صدره، يُوجه اهتمامه إلى جهة واحدة، ولم يبرح مقعده إلاّ بعد انتهاء ندوة حديث عن كتاب "امرأة في بلاد الفقهاء" بالفرنسية، لمؤلفته نزهة جسوس، التي كانت عضوا في اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة (2001-2004)، وذلك برواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

في الجهة الأخرى من الندوة، تلميذة، تدرسُ في الثانية باكالوريا، تجلس قُرب مسؤول عنها، جاءت من زاكورة للمشاركة في تعابير فنية للرواق، يوم السبت الماضي، (04 يونيو 2022). طيلة الندوة تُحرك يديها مثلما يفعل محمد الكتاني، مترجم الأنشطة الملكية، والقناة الأولى، الذي كان يوصل كلام الحاضرين إلى فئة الصم والبكم، ويتناوب على هذه المهمة معه ثلاثة متخصصين في هذه اللغة، هند أهلاو، ومروان دراز، ومحمد الشرادي.

تصوير: زليخة أسبدون

أكون حزينا حينما لا تكون لغة الإشارة 

طارق بوغابة، قال لـ"تيلكيل عربي": "أنا كشخص أصم، حينما أجد لغة الإشارة، أحسُ بشعور مبهج، لأنها لغتي الوحيدة للتواصل، وإذا لم تكن الندوات مرفقة بها لا يمكن لي فهم ما يروج، وأكون حزينا حينما لا تكون لغتي".

وأضاف المتحدث ذاته، في تصريحه، الذي أدلى به، بمساعدة الخبير في لغة الإشارة، محمد الكتاني، أنه "سعيد بحضوري إلى ندوات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي فيها مترجمين إلى لغة الإشارة، واي كلام يقال في الندوات تتم ترجمته".

تصوير: زليخة أسبدون

وتابع إلى أنه "أشكر المجلس الوطني لحقوق الإنسان على مبادرته الطيبة، لأنه توجد عدة أروقة هنا فيها مواضيع هامة، وليس فيها لغة الإشارة، وإذا أردتُ القيام بجولة، والجلوس في أي ندوة اخرى، لن أستطيع لأنه لا توجد لغة الإشارة".

ولفت الانتباه إلى أنه "يوجد أصدقاء يريدون الحضور لكن عدم وجود لغة الإشارة يجعلهم يفضلون عدم القدوم إلى المعرض، هذا يجعل إقبال الصم والبكم على المعرض ضعيفا، وعلى المؤسسات أن تقتدي بالمجلس، وتقوم بتوفير لغة الإشارة، لتحقيق المساواة بين السامع وغيره".

تصوير: زليخة أسبدون

نتلقى انطباعات جيدة من فئة الصم والبكم

محمد الكتاوي، مترجم الأنشطة الملكية، والقناة الأولى، أوضح للموقع، أن "الحق في الوصول إلى المعرفة من أحد الأمور المنصوص عليها في حقوق الإنسان، لذلك الشخص الأصم والأبكم مواطن، مثلنا مثله، ومن حقه الحصول على المعرفة، منها ما يروج في الندوات واللقاءات".

وشدّد على أن "المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بادر إلى هذه العملية، باعتماد لغة الإشارة، في ندواته، وليس هذه السنة، بل سنوات سابقة، ونحن نشتغل مع المجلس، طبعا، في "كورونا" كان توقف اضطراري بسبب الإجراءات الاحترازية". 

وأكد رئيس الرابطة الأخوية للصم والبكم، أن "هذه المبادرة تتلقى انطباعات جيدة من فئة الصم والبكم، لأنه بفضل لغة الإشارة المتوفرة، يفهمُون ما يروج، لذلك يُحسون بالمواطنة، وفريق الترجمة مكون من أربعة أشخاص يتناوبون على إيصال ما يقال عبر لغة الإشارة". 

ونبه إلى أن "جميع المؤسسات يجب عليها احتضان لغة الإشارة، والاقتداء بالمجلس، حتى تمكن هذه الفئة زيارة المعرض، ويختارون أي رواق ويجلسون لمعرفة ما يروج، ضروري من لغة الإشارة، وهم يريدون التواصل".

تصوير: زليخة أسبدون

(تنبغي) لغة الإشارة 

زهرة بنميضا، تبلغ من العمر 17 سنة، ثانية بكالوريا آداب، من إقليم زاكورة، قالت لـ"تيلكيل عربي"، بحضور مشرف عنها، إنه "(تنبغي) لغة الإشارة، ولو لم أكن أحبها لما حاولت تقليد محمد الكتاني في الندوة".

وتابعت: "لما رأيته استرجعت لما كُنت أراه على التلفاز، وكنت أحاول القيام بنفس حركاته، وفرحت كثيرا لما رأيته".

وبخليط بين اللغة العربية والإنجليزية، لفتت إلى أنه "ربما لدي موهبة في لغة الإشارة، وعلى الإنسان معرفة مواهبه، وأودُ تعلم لغة الإشارة إلى جانب مساري الدراسي".

وأكدت أن "لغة الإشارة ممتعة وجميلة، ولا تجعلنا نمل لإيصال أي فكرة، وأحيانا تكون الإشارة أفضل من الكلام، شعور جميل لما قلدته على المباشر، وعندما تحدثت إليه، وشرح لي عدد من الأمور".

الرغبة

هند أهلاو، مترجمة محلفة في لغة الإشارة للصم والبكم، ومدربة في لغة الإشارة، صرحت لـ"تيلكيل عربي": "أشارك للمرة الثالثة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل تقديم لغة الإشارة، ويُسعدني ذلك، وأحس أنني أوصل رسالة لمن يفهم لغة الإشارة، ونحن وسائل لكي تعرف فئة الصم والبكم، ماذا يجري من حولهم، ولكي تصلهم المعلومة كما هي".

وأوردت ابنة مدينة أكادير، أن "لغة الإشارة تعلمتها بحُب، لأن أختي من هذه الفئة، كانت تكبرني بخمس سنوات، يعني منذ فتحتُ عيني على الحياة، رأيت هذه اللغة، ولما تكون في هذه الوضعية، تكتسبُ لغة الإشارة بشكل فطري، مثل أي لغة أخرى".

وأبرزت: "هذا مكنني من معرفة ثقافة الصم والبكم التي تكون مغايرة على من يسمع ويتكلم، وطبعا، اجتهدت عبر التكوين في الجمعيات، وتعلمتُ لغة الإشارة البلجيكية والفرنسية، لأن لغة الإشارة ليست موحدة، يُمكن الإصطلاح عليها كأنها لهجة، كل مدينة وثقافتها، إذن لها إشارتها".

وتابعت: "ما نطلبه ممن يريدون تعلم لغة الإشارة، هو الرغبة، فإذا كانت يمكن بها تحطيم الجبال، ومن غير  لغة الإشارة، درست التسويق، لذلك أنا متعددة المعارف، وعملت في أعمال مختلفة، منها التدريس، وهذا يساعد كثيرا المترجم، و يمكنني الترجمة من اللغة الفرنسية واللغة العربية بما فيها (الدارجية)، والأمازيغية، من ثلاث لغات إلى لغة الإشارة".

ونبّهت المتحدثة ذاتها إلى أن "الصم والبكم لهم فكرة أنهم مهمشين، وبفضل المجلس ذاع صيت وجود لغة الإشارة وسط فئة الصم والبكم، ونحن لا نقوم بلغة الإشارة إلا إذا كان شخص من هذه الفئة بل نترجم حتى لو لم يكن أي أحد".

الفضاء الوحيد

آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قالت لـ"تيلكيل عربي": "حسب جولتي في المعرض الدولي للنشر والكتاب، فرواق المجلس هو الفضاء الوحيد، الذي يُوفر لغة الإشارة".

وأضافت الرئيسة السابقة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن "زوار المعرض من الأشخاص في وضعية إعاقة، لذلك نريد من الجمهور الذي يزور فضاء تعابير الحق أن يجد الجو متوفرا، منها أن تكون لغة الإشارة، وكما ترى حرصنا على وضعه  سهل الولوج إليه للجميع، وكذلك بالنسبة للأشخاص في وضعية إعاقة".

وأكدت العضوة في اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور المغربي لسنة 2011 أن "الجميع لديه مسؤولية لإدماج فئة الصم والبكم في نقاشاتنا، ولا يجب أن يكون موضوعا على جانب الرف بل مشارك وفاعل".

وشدّدت على أنه "دائما نستعمل لغة الإشارة، منذ 2019 إلى اليوم، ونوفرها في تصريحاتنا التي نبثها طريق الفيديو وفي ندواتنا الدولية أو الوطنية".

تصوير: زليخة أسبدون