في هذا الحوار، يسلط أوليفي روا، الباحث الفرنسي المتخصص في العالم العربي والإسلامي، الضوء على "صفقة القرن" وما تمثله بالنسبة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين والأمريكان، كما يتحدث عن حظوظ نجاحها.
بدا واضحا أن الكفة في "صفقة القرن" تميل لصالح إسرائيل، ولم يستسغها أبدا الفلسطينيون ولا من يدعمهم. هل يمكن لنا مقارنة هذا الإعلان بالنكبة؟
علينا الانتباه إلى أمر مهم: هذه ليست حربا، وإن كان هذا المسلسل يسير وفق المنطق الذي قامت عليه أحداث 1948، إبان طرد الشعب الفلسطيني من فلسطين.
ولكن هذه المرة لا يتعلق الأمر بطرد ذي طبيعة ديمغرافية، فالهدف هو تقليص، بل والقضاء على التمثيلية السياسية للفلسطينيين. حاليا، لا يجري أي طرد لهم، ولكن يمكن لنا أن تساءل إن لم تكن هذا الهدف هو المرحلة الأخيرة في هذا المسلسل برمته.
ما هو تقييمك لهذا المخطط؟
كان من المتوقع ألا يشير دونالد ترامب إلى الدولة الفلسطينية، وتبني وجهة نظر اليمين الإسرائيلي الذي يعتبر أن على الفلسطينيين الذهاب إلى الأردن إن كانوا يريدون الحصول على حقوق سياسية. ولكن مع هذا المخطط، تم الحفاظ على "وهم" الدولة الفلسطينية. والواقع أن المشكل ليس فيما يقترحه المخطط اليوم، بل في الدينامية التي خلفه.
هذه الدولة الفلسطينية، كما تقدمها إدارة ترامب، ليست سوى واجهة إذن...
تماما. والواقع أننا في مرحلة "البانتوستان"، أي النموذج الذي طبقته جنوب إفريقيا إبان حقبة الأبارتايد. فقد عمد النظام هناك إلى خلق دول شبه مستقلة على هامش جهورية جنوب إفريقيا. وفرضوا على السود أن يصبحوا بشكل آلي مواطنين في تلك "الدول"، وليس مواطنين جنوب إفريقيين. إن الدولة الإسرائيلية تتجه إلى اعتماد هذا النموذج. وسيشمل هذا الأمر في مرحلة أولى الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، وأظن أن الإسرائيليين سيقومون، على المدى الطويل، بإعادة النظر في الجنسية الإسرائيلية التي يحملها عرب إسرائيل.
لن تكون هناك حاجة إلى عمليات طرد للسكان، ولكن سيكون للفلسطينيين مواطنة من الدرجة الثانية، تبعا لنموذج "البانتوستان"، أي الانتماء إلى مجال ترابي صغير سيكون خاضعا بالكامل للحماية الإسرائيلية. والهدف طبعا هو الحؤول دون أن يكون للفلسطينيين ممثلين في "الكنيسيت" (البرلمان الإسرائيلي).
إذ لو سارت الأمور وفق منطق إلحاق الفلسطينيين بإسرائيل، فإن كل مقيم سيصبح مواطنا، وستكون في الكنيست أغلبية عربية أو على الأقل سيكون مقسما بين العرب واليهود، وهذا بطبيعة الحال ليس هو مبتغى اليمين الإسرائيلي.
ألا يعتبر الحديث هنا عن "مخطط سلام" وسيلة لضرب مصداقية المطالب الفلسطينية؟
طبعا. فخطة ترامب تتبنى مفردات اتفاقات أسلو، وحل الدولتين، والسلام، والأمن... ولكن دون أن تمنح للفلسطينيين الضمانات التي توفرها لهم هذه الاتفاقات.
إنها مناورة من مناورات العلاقات العامة تضع الفلسطينيين في مأزق صعب للغاية، لأنهم إذا رفضوا هذه الخطة فسيعطون الانطباع بأنهم يرفضون حل الدولتين.
وماذا يغير هذا كله في ملف الاستيطان الإسرائيلي؟
لا شيء تقريبا. فالإسرائيليون لديهم السيطرة الفعلية على الموارد، ولكن لفظة "الضم" لها علاقة بالوضع القانوني وستضفي الشرعية على هذه السيطرة الفعلية. فالأمريكيون والحكومة الإسرائيلية يضربون القانون الدولي بعرض الحائط، ويتجاهلونه بالكامل. إنه عملية فرض للواقع يتمنى أصحابه أن يتحقق مع مرور الوقت.
ما رأيك في مشروع بناء نفق بين الضفة الغربية وقطاع غزة.. وهو المشروع الذي يقترحه الأمريكان؟
إن هذا النفق دليل على أنهم لا يرغبون في إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. فالدولة لا يمكن أن تقوم على الأنفاق، خاصة وأنها طرق يمكن قطعها بكل سهولة. هذا جزء من استراتيجية القضم (المتبعة من طرف إسرائيل)..
هل يمكن أن تنجح هذه الخطة؟
الخطة ستمر لأنه لا يوجد أي شخص على المستوى الدولي له الرغبة أو يتوفر على وسائل معارضتها. نحن نعرف منذ مدة طويلة أن الأمريكان نسجوا روابط مميزة مع السعوديين، وبأن هؤلاء أبعد ما يكونون من جعل مصير الفلسطينيين أولوية في سياستهم الخارجية.
وعلى أي، فإلى حدود عهد الملك فهد بن عبد العزيز، كان السعوديون يحرصون على الحفاظ، ولو ظاهريا، على نوع من التضامن العربي والإسلامي. لقد انتهى هذا العهد الآن. لم تعد هناك أي جبهة عربي.. هذه الجبهة التي لم تكن قط قوية في الماضي، وكانت بلاغية أكثر منها حقيقة. إن الأولوية الاستراتيجية للإماراتيين والسعوديين هي التصدي لإيران، السيطرة على الخليج، أو منع إرساء الديمقراطية.
هل يمكن أن نخشى اندلاع الأوضاع من طرف الفلسطينيين من جديد؟
نعم، لأن هذه الخطة غير متوازنة بالمرة، كما أنه لا توجد سلطة سياسية شرعية تمثل الفلسطينيين وتكون قادرة على التفاوض.
وإذا كان الأمر يتعلق بمسلسل يروم تحقيق إسرائيل الكبرى، كما أعتقد، وأن هذه الخطة مجرد مرحلة مؤقتة، فمن الواضح أن اليمين الإسرائيلي سيبذل كل جهوده لنزع المزيد من الأراضي من الأسر الفلسطينية.
سيمارسون المزيد من الضغوط على الحياة اليومية للفلسطينيين، في سياق يظل فيه النمو الديمغرافي قويا وإن انخفض كثيرا (...)
هل بلغنا نقطة اللاعودة؟
لقد تم الوصول إليها منذ زمن طويل. ففي 1993، فصلت اتفاقات أوسلو القضية الفلسطينية عن القضية العربية بجعلها رهانا ثنائيا بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وبعد عمليات 11 شتنبر 2001، والحرب على الإرهاب، وغزو العراق في 2003، تمت إعادة النظر في جيوستراجية الشرق الأوسط ما أدى إلى مزيد من تهميش النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. ولما أخذت المستوطنات في التكاثر بصفة غير عادية مع نهاية العقد الأول من هذه الألفية، أصبح الأمر لا رجعة فيه، ولم يفتأ الوضع يزيد سوءا.
هل تعكس هذه الخطة منعطفا رمزيا يجسد عجز الأمم المتحدة عن حل النزاعات الدولية؟
هذا الوضع ليس جديدا، ولكن بطبيعة الحال للقضية الفلسطينية حمولة رمزية كبيرة، ولو من باب أن إنشاء دولة إسرائيل جاء بقرار من هيأة الأمم المتحدة.
الأمر هنا لا يتعلق بنزاعات قديمة تحاول الأمم المتحدة التحكم فيها. بل إن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من أكثر النزاعات التي صدرت بشأنها العديد من قرارات مجلس الأمن التي لم يكن لها أي أثر. ونحن ندرك جيدا أنه لن يصدر أي قرار عن هذا المجلس (بخصوص صفقة القرن)، لأن الأمريكيين يملكون حق الفيتو، ولا أعتقد أن روسيا والصين لهما نية التدخل في النزاع. فالروس لديهم علاقات براغماتية مع إسرائيل. كما أن قضية حق الشعوب في تقرير مصيرها لا تعد أولوية جيوستراتيجية في أجندة الصين. فالقوى الكبرى الثلاث حاليا متفقة على فسح المجال لموازين القوى، وعدم إقحام القانون في القضية.
عن "تيل كيل"