رِمال موريتانيا نحو المستقبل

أحمد مدياني
أحمد مدياني

"موريتانيا دولة يحدها المغرب شمالا وتحدها مالي غربا والسينغال جنوبا"، عبارة ترددت على مسامع وفد يتكون من صحافيين ومسؤولين داخل مؤسسات مالية قارية وعربية ودولية، طيلة برنامج زيارة حضرتها بصفتي مدير نشر "تيلكيل عربي"، بدعوة من الرئاسة الموريتانية.

مناسبة الدعوة كانت حضور إعلان البرنامج الرسمي لحملة ترشح الموريتاني سيدي ولد التاه لرئاسة البنك الإفريقي للتنمية، إذ اختار القائمون على تدشين حملته، تنظيم سلسلة من اللقاءات على الهامش وزيارة عدد من المؤسسات الاقتصادية الاستراتيجية لجارة المملكة المغربية الجنوبية.

التقيت خلال الزيارة العشرات من المسؤولين والمسؤولات، أغلبهم شباب، لا تتجاوز أعمارهم الأربعين، بل يكاد يكون متوسط العمر عندهم ما بين الـ25 والـ35، وأكثر من نصفهم شابات يمسكن بزمام المبادرة والقرار والتواصل.

داخل وكالة ترقية الاستثمارات الموريتانية، حيث تنتصب بنايتها بالقرب من الفضاء الرحب الذي احتضن قبل أسبوعين فعاليات الأسبوع المغربي بموريتانيا، وقفت مسؤولة التطوير الرقمي داخل الوكالة لتقديم عرض عن فرص الاستثمار بوطنها.

بدأت بعرض يظهر القارة الإفريقية. خريطة المغرب بكامل ترابها. تكرر الشابة، كما سبقها إلى ذلك غيرها ولحقها أيضا، تقديمها بعبارة:

"موريتانيا دولة يحدها المغرب شمالا وتحدها مالي غربا والسينغال جنوبا".

التقطت هذه الإشارة أكثر من مرة، وهنا، قررت الحديث مع القيادات الشابة، بتوجيه سؤال مباشرة حول الموقف من الوحدة الترابية للمغرب عندهم.

أحد الشباب المسؤولين عن برامج استقطاب الاستثمارات الأجنبية داخل الوكالة أجاب:

"جيلنا تجاوز هذا الصراع المفتعل، والذي فرض ليس فقط على المغرب بل علينا أيضا، نحن تجاوزنا هذا الأمر. للأسف الصحافة في بلادكم هي التي تستمر في تأويل مواقفنا. هناك تغيير طرأ مؤخرا، ونتمنى أن يستمر. معظم الشعب الموريتاني يقضي عطله بالمغرب، يدرس بالمملكة ويبحث عن التكوين فيها، ويرسل أبناءه وأحفاده إليها. بيننا روابط قوية، أرهقها هذا الصراع الذي أصبحنا نضعه جانبا، لأن المستقبل يجمعنا أكثر مما يمكن أن يفرقنا الماضي".

كانت هذه زيارتي الثانية لموريتانيا. وما بين الأولى والأخيرة لمست تحولات عميقة جدا في تطور العلاقات بين البلدين على كافة المستويات.

حين كنت في نواكشوط كان مسؤولون من الداخلية الموريتانية والجيش في الرباط. وحين عدت منها، حل وفد برلماني مغربي بعاصمة بلاد شنقيط. دينامية الواقع بين المغرب وموريتانيا تؤكد أنها تهزم أوهام المواقع والبلاغات التي جف حبر صياغة بؤس خطابات التفتيت عوض الوحدة.

في موريتانيا، اليوم، مليون فرصة وفرصة للاستثمار بالبلد. عندهم رغبة جامحة لأن ترافق المملكة المغربية تطورهم من موقع الشريك وليس شيئا آخر، وأكاد أجزم أن هذا ما هو كائن وسوف يكون.

الواقع اليوم، يقود لاستعارة، وإن كانت تناقض صياغتها هنا، الحاجة إلى الاستعانة بها، لكنها الحقيقة الناصعة لمن يملك البصر والبصيرة.

وهي: أن رمال موريتانيا تتحرك في اتجاه المستقبل، مقابل جمود رمال تندوف التي تجر المجبرين على البقاء فوقها نحو الأسفل.