هذا وقت طرح الأسئلة المزعجة، عوض إعادة صياغة البلاغات الجافة. أسئلة نابعة من دروس الماضي، كي لا نعيد طرحها، أسئلة خطتها هذه المؤسسة حين كان لسانها العربي يحمل عنوان مجلة "نيشان" قبل أن تأخذ اسم "تيلكيل عربي".
الأسئلة طرحت شهر فبراير من العام 2007 ، أي بعد ثلاث سنوات من فاجعة زلزال الحسيمة، وكانت تحمل عنوانا لا يقبل أي تأويل: "فلوس الزلزال فين مشات؟!" و"لماذا تعثرت مشاريع إعادة الإعمار؟" بالإضافة إلى "شبهات طالت جزء من عملية صرف الدعم للمتضررين".
مقال كان "الساس ديالو" تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بخصوص ما صرف من دعم للمتضررين وإعادة إعمار المنطقة.
يوم أمس الخميس 14 شتنبر، أصدر الديوان الملكي بلاغا عقب جلسة عمل ترأسها الملك محمد السادس، حمل بشرى سارة لكل الأسر والأفراد الذين طالهم ضرر الزلزال. وتحدث البلاغ عن توجيه دعم لإعادة إعمار 50 ألف مسكن تضرر بشكل كلي أو جزئي، وتوجيه دعما ماليا مباشرا لأجل غرض إعادة الإعمار.
خطوة يحسب لها أنها جاءت سريعة من أجل طمأنة المنكوبين، وإخبارهم بأن مصيرهم لن يكون الاستمرار في المبيت تحت الخيام لفترة طويلة. لكن الخطوة تدفع لطرح الأسئلة التي لا يجب أن تؤجل، خاصة في ما يتعلق بسرعة إحصاء المنازل التي تضررت.
وأمام ما هو نابع من الواقع المعاش في الأقاليم التي تضررت، ومتابعة ما يذاع من أخرى كان من الصعب الوصول إليها خلال هذه الفترة، بالنسبة لـ"تيلكيل عربي" وتغطيته لما خلفه زلزال المغرب، فإن الأضرار طالت أيضا دواوير بأقاليم أزيلال وورزازات وجزء من تلك التي تجاور الحدود الترابية ما بين الصويرة وشيشاوة.
فهل كانت ستة أيام كافية لإجراء الخبرات الهندسية على المنازل المتضررة وإعلان عددها بالضبط؟ كما ورد في بلاغ الديوان الملكي.
من تكلف بإجراء هذه الخبرات؟ ما هي المعايير التي اعتمدت للتمييز ما بين منزل مدمر وآخر متضرر؟ من كلف بإعداد التقرير الذي رفع للملك؟ ومن هي الجهات التي حُملت مسؤولية التواصل مع المتضررين لتشرح وتبسط لهم ما جاء به بلاغ الديوان الملكي؟
50 ألف فقط!
بالنظر إلى عدد الدواوير والجماعات والمراكز وحتى المدن على سفوح الجبال التي تضررت فيها المنازل بفعل الزلزال، يبقى الرقم الذي أعلن في بلاغ الديوان الملكي محط تساؤل. هل شمل الإحصاء وبهذه السرعة كل شبر من المناطق المنكوبة كليا أو جزئيا؟
حسب إحصاء المندوبية السامية للتخطيط للعام 2014 وصل عدد ساكنة إقليم الحوز 571.999 نسمة، أما إقليم شيشاوة فقد بلغ عدد سكانه 369.494 نسمة، أما إقليم إقليم تارودانت فوصل إلى 834.907 نسمة حسب الإحصاء ذاته، دون إغفال تضرر منازل ودور أخرى بأقاليم الصويرة ووزارات وأزيلال وعمالة مراكش أيضا.
وإذا أخذنا إقليم الحوز مثلا، فإن ثلث أرباع مساحته تشكل الجبال مجمل تضاريسها، بل إنها تشكل أيضا مكان إقامة للسواد الأعظم من الناس، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي الأقاليم دون القفز على معطى مهم، وهو أن من يقطنون المناطق المتضررة ورغم اشتغال عدد منهم بالمدن، يبقى لديهم ارتباط لا مشروط بمسقط الرأس، حيث توجد عائلاتهم ومنازلهم وحتى ممتلكاتهم.
ودائما بلغة الأرقام، وحسب معطيات رسمية لوزارة الداخلية، فهذه هي أعداد الدواوير التي تضررت بالزلزال وهؤلاء أعداد ساكنتها، وذلك بالنظر إلى مسافة قربها من مركزه (ثلاث نيعقوب وإغيل):
من صفر إلى 10 كيلومتر: تضرر 55 دوارا يقطنه 14 ألف و665 نسمة.
ما بين 10 و30 كلم: تضرر 652 داورا يبلغ عدد ساكنتها 64 ألف و99 نسمة.
ما بين 30 و50 كلم: تضرر 1239 دوارا يقطنها 170 ألف و811 نسمة.
ما بين 50 و100 كلم: تضرر 5035 دوار بساكنة تبلغ مليون و50 ألف و862 ألف نسمة.
أي أن مجموع الدواوير التي تضررت بفعل الزلزال بلغ عددها 6981 دوارا بعدد ساكنة يصل إلى 1 مليون و300 ألف و437 نسمة.
وهذه الأرقام للإشارة تخص الدواوير فقط. دون حساب حجم الأضرار التي طالت المنازل أيضا في عمالة مراكش مثلا ومدينة تحناوت وغيرهما.
فهل قرار دعم إعادة إعمار نحو 50 ألف مسكن بالأقاليم الخمسة المتضررة يتناسب مع أعداد الدواوير المتضررة وساكنتها؟
الرقم سوف يضاعف
منذ ليلة وقوع الزلزال يوم الجمعة 8 شتنبر، صدرت تعليمات مباشرة من القصر الملكي لتتبع كل صغيرة وكبيرة بخصوص ما نجم عن الكارثة.
"تيلكيل عربي" اتصل بمصادر موثوقة ساهمت في إعداد التقرير الأولي - كما وصفته - لتقييم حجم الأضرار التي لحقت بالمساكن:
"أؤكد لكم أن العدد سوف يتضاعف. ما طرحتم من أرقام بخصوص أعداد المساكن المتضررة مقارنة بما تم إعلانه بخصوص إعادة الإعمار صحيح، لكن هذا القرار يبقى إلى حدود اللحظة مؤقتا، لأننا اشتغلنا على معالجة عاجلة لحالة دواوير تضررت بنسبة 90 في المائة"، يقول مصدر كان ضمن اللجنة التي كلفت برفع التقرير مباشرة إلى اللجنة الملكية التي شكلت لتتبع الكارثة وتدبيرها.
وأضاف: "توصلنا بتعليمات مباشرة من القصر الملكي، من أجل إعداد تقرير مفصل. اشتغلنا 24 على 24، قضينا ليالي بيضاء لتسريع رفع التقرير من أجل التدخل المستعجل لإعطاء الأمل في جدية إعادة الإعمار".
مصدر آخر صرح لـ"تيلكيل عربي" أن "تعليمات ملكية مباشرة، أمرت بتجميد تسويق الآلاف من شقق السكن التي شيدتها شركة العمران، وكلها يمكن أن توجه لصالح الأسر والأفراد المتضررين من الزلزال، إن هم اختاروا الاستقرار بعيدا عن دواويرهم".
المصدر ذاته قال: "نشتغل على تقرير ثاني، سوف يرفع مباشرة إلى الملك".
"متى سوف يرفع؟"، سؤال طرحه "تيلكيل عربي".
الجواب على لسان مصدر الموقع الموثوق: "على أبعد تقدير إما يوم الأربعاء أو الخميس من الأسبوع القادم". أي إما يوم 20 أو 21 شتنبر الجاري.
من يتكلف بالإحصاء؟
كلمة السر في تحديد من سوف يستفيد من تمويل إعادة الإعمار والدعم الاجتماعي هي: "من سوف يتكلف بالإحصاء".
وحسب شهادات من ساكنة دواوير مر بها "تيلكيل عربي" طيلة أسبوع ما بعد فاجعة الزلزال، فإن أعوان سلطة الداخلية هم من يقومون بالمهمة، وهناك شكايات استقيناها من المناطق المنكوبة بخصوص تقدير المقدم والشيخ والقائد لحجم الأضرار التي طالب المنازل ومن يستحق الدعم من عدمه.
وفي السياق ذاته، وحسب مصادر "تيلكيل عربي" من الذين أشرفوا على إعداد التقرير الذي رفع للملك، هناك لجنة تتكون من كافة المؤسسات المعنية بتدبير الفاجعة.
مع ذلك يبقى عدم الإعلان عن من يشكلون هذه اللجنة، للعموم، شائبة من شوائم المحاسبة بشفافية مستقبلا.
وأضافت: "اعتمدنا بالأساس على تقرير أعوان السلطة في ما يخص جانبا واحدا، وهو تحديد هوية من يقطنون المنازل المتضررة كليا. وتم تحيين هذه المعطيات بتنسيق مع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب".
كيف؟
تجيب مصادر "تيلكيل عربي"، حول السؤال: "أغلب الدواوير مرتبطة بشبكة كهرباء المكتب. طلبنا لائحة مفصلة عمن يؤدون فواتير هذا الربط، وبناء عليها حددنا اللائحة الأولية للاستفادة".
هل يمكن أن تقع تجاوزات أو اختلالات في الإحصاء ومن يستحق الاستفادة؟
المعطيات التي حصل عليها "تيلكيل عربي" شددت على أن "التوجيهات الصارمة تؤكد على عدم وقوع أي تجاوز".
هذا وقد باح أحد من ساهموا في رفع التقرير للجنة الملكية، بالقول: "يطلب منا منذ وقوع الفاجعة رفع ما ننجزه من تقارير مباشرة للملك، دون المرور عبر قنوات وزارة الداخلية".
هذا المعطى، أكده مصدر وزاري أيضا، وقال: "الملك محمد السادس في هذه الفاجعة اتصل أكثر من مرة بوزراء القطاعات المعنية مباشرة بالفاجعة، دون وساطة رئيس الحكومة".
ورفض المصدر ذاته، التفصيل في هذا الجانب.
إقبار نعمة التواصل
منذ صدور بلاغ الديوان الملكي يوم أمس الخميس، تواصل "تليكيل عربي" مع العشرات من ساكنة الدواوير التي حلّ بها بعد الزلزال.
جلهم صرحوا وإلى غاية مساء اليوم الجمعة، أنهم لا يعرفون أي شيء عن تفاصيل ما سوف يستفيدون من ما جاء به بلاغ موقع بإسم الديوان الملكي.
من هم مكلفون اليوم بالمهمة، أعوان السلطة، والإعلام الرسمي، والمستقل في حدود ما تفرضه مهام الإخبار الصحفي، أما محترفوا التواصل لأجل رصيدهم الشخصي اختفوا!
ولو كانت المبادرة والقرارات صادرة عمن يتنفعون من السلطة في المغرب، الأكيد أن "كتائب" آلاتهم الإعلامية وتطوير ما جاء به دون تطبيل، فيبدو أنه ليس من اهتمامات من يعيشون على الغنائم على حساب الوطن والمواطنين.