فجر تصويت فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، يوم الاثنين الماضي، على مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين جدلا واسعا في صفوف حزب العدالة والتنمية، بسبب تنصيص المشروع على تدريس المواد العلمية والتقنية بـ"اللغة الفرنسية" بدل اللغة العربية.
رغم أن الفريق النيابي لـ"البيجيدي" حاول أن يمسك العصا من الوسط بتوجيه من الأمانة العامة، حيث صوت بـ"نعم" باستثناء نائبين منه على مشروع القانون برمته مقابل امتناعه عن التصويت على المادتين 2 و31 من مشروع القانون المتعلقتين بالهندسة اللغوية، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإطفاء غضب عدد من قيادات في الصف الأول والثاني للحزب الإسلامي، الذين اعتبروا الأمر بمثابة خيانة لقيم ومبادئ الحزب.
عودة بنكيران
وجد عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق في قرار الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، بالتصويت على مشروع القانون الإطار فرصة للعودة إلى الواجهة من جديد.
في هذا الصدد، ظهر رئيس الحكومة السابق في مناسبتين الأولى كانت يوم 20 من الشهر الجاري، وذلك مباشرة بعد تصويت على لجنة التعليم والثقافة والاتصال على مشروع القانون، حيث اختار مخاطبة جمهوره وتوجيه رسائل نارية لأمانة المصباح من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أما الثانية، فكانت صباح أمس الأربعاء خلال الملتقى الوطني لشبيبة العدالة والتنمية بالقنيطرة.
ويتضح أن القاسم المشترك بين خرجتي عبد الإله بنكيران تركيزه على أمرين: تحميل الأمانة العامة للحزب مسؤولية "خيانة" اللغة العربية و"فرنسة" التعليم، والتلميح بإمكانية عودته لقيادة الحزب؛ إذ لم يتردد في توجيه رسالة مبطنة إلى رئيس الحكومة والأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني في خرجته الأولى بإمكانية التوجه لمؤتمر استثنائي، حيث أكد أن اتخاذ قرار من قبيل التصويت على مشروع قانون يؤدي لـ"فرنسة" التعليم يتطلب عقد مؤتمر، وليس دورة للمجلس الوطني فقط.
كما لم يتردد بنكيران في مخاطبة شبيبة الحزب بالقول:"اللي تيبغي شي واحد راه عارف اشنو يدير"، فيما ظلت جماهير شباب المصباح تردد "الشعب يريد بنكيران من جديد".
وإذا كانت خرجتا بنكيران قد حظيتا بمتابعة واسعة تجاوزت 400 ألف مشاهدة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك فقط، ونالت إعجاب مؤيديه من شبيبة "المصباح"، وبعض أعضاء الحزب، فإن المحلل السياسي امحمد جبرون يعتبر أن خرجتي بنكيران تشكل نوعا من الشرعنة للخروج عن ثقافة "البيجيدي".
ويرى جبرون أن بنكيران بخرجاته يشرعن للتمرد على مؤسسات الحزب، الشيء الذي لم يكن مقبولا داخله، معتبرا أن هذا الأمر سيكون له ما بعده، فإما أن يصبح سلوكا عاديا، وإما أن يستنكر من قبل مؤسسات الحزب.
وذهب جبرون إلى أن خرجات بنكيران غير مدروسة وغير محسوبة العواقب، متوقعا أن يكون له مفعول عكسي على مسيرته السياسية، مؤكدا أن شعبيته قد تظل مرتفعة وسط الشباب، لكنه خسر وسيخسر الكثير وسط مؤسسات الحزب.
وتساءل جبرون "لم يعد أحد من عقلاء الحزب يؤيد بنكيران، فمع من سيقوده إذا كان يريد العودة؟".
تباين وانقسام
لم تقتصر مهاجمة الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية على عبد الإله بنكيران، بل إن قرار التصويت على مشروع القانون الإطار خلق صدمة ورجة وسط مناضلي الحزب.
في هذا الصدد، كتب امحمد الهلالي، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تعليقا على تصويت الفريق النيابي للحزب على مشروع القانون الإطار قائلا: "الأحباب حان وقت الفراق"، معلنا نهاية مسيرته في حزب العدالة والتنمية.
من جهته، يرى أنس الحيوني، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وأحد قياديه بألمانيا، في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، أن قرار الأمانة العامة بالتصويت لـ"فرنسة التعليم" ليس سوى النقطة التي أفاضت الكأس، وكشفت عدم حرص الأمانة العامة على استقلالية قرار الحزب.
ويرى الحيوني أن العدالة والتنمية دخل في سلسلة من التراجعات والتنازلات منذ المؤتمر الوطني الأخير، الذي انتخب فيه سعد الدين العثماني، أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية.
واعتبر الحيوني أن خروج حزب العدالة والتنمية من "عنق الزجاجة" يتطلب التوجه نحو مؤتمر استثنائي وانتخاب قيادة جديدة قادرة على استعادة روح المبادرة، واستقلالية القرار الحزبي.
خلافا لذلك، اعتبر حسن بويخف، عضو المجلس الوطني لحزب "المصباح"، ورئيس تحرير يومية "التجديد" سابقا، في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، أن حزب العدالة والتنمية له خاصية أساسية ينظمها قانونه الداخلي، وهي أن "الرأي حر والقرار ملزم"، مضيفا أن الحزب هو حزب مؤسسات، ما يعني أن جميع أعضاء الحزب ملزمون باحترام قرار المؤسسات.
واعتبر بويخف أن تصويت النائبين البرلمانيين المقرئ أبو زيد الإدريسي ومحمد العثماني من حزب العدالة والتنمية ضد مشروع القانون الإطار يعتبر إخلالا بالشق الثاني من قاعدة "الرأي حر والقرار ملزم".
وأضاف بويخف "نحن لسنا حزب "مّالين الشكارة"، حيث البرلماني لا تربطه بالحزب سوى التزكية، بل إن الحزب هو الذي كان وراء وصول هؤلاء إلى البرلمان، مما يقتضي احترام مؤسساته وقراراته، ولو كانت مخالفة لأرائهم". وتابع "قوة حزب العدالة والتنمية في ديمقراطيته الداخلية ومؤسساته، وكل من لا يحترم هذه المؤسسات فهو يضعف الحزب"، داعيا إلى عدم التساهل في هذا الأمر.
من جهة أخرى، انبرى عدد من قيادات حزب العدالة والتنمية للدفاع عن مشروع القانون الإطار، وعن قرار الحزب بالتصويت عليه.
في هذا الصدد، اعتبر عزيز الرباح، الوزير وعضو أمانة "المصباح"، في تدوينة له على تطبيق التراسل الفوري "واتساب" أن معظم المعلقين على واقعة التصويت على مشروع القانون الإطار لم يكلفوا أنفسهم عناء إلقاء ولو نظرة بسيطة على مضامينه".
وأضاف الرباح "حجبت مسألة التناوب اللغوي عنهم الوقوف على مكتسبات غير مسبوقة في اللغة العربية والمجانية والبرامج والمناهج ووضعية الفاعلين والتمكن من اللغات والدعم الاجتماعي لفائدة الأسر الهشة وذات الخصاص والحكامة ونظام الجودة".
من جهته، قال سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب المصباح، في تصريح لموقع حزب العدالة والتنمية، أن انضباط نواب الفريق النيابي الحزب في التصويت لمشروع القانون الإطار بأغلبية ساحقة يؤكد أن قيم الالتزام بقرارات المؤسسات "ما تزال ولله الحمد محفوظة محصنة مصانة".
عدم الوضوح
هل كانت هناك خيارات أخرى أمام قيادة حزب العدالة والتنمية غير التصويت بالإيجاب لمشروع القانون الإطار؟
هذا السؤال نقله "تيل كيل عربي" إلى عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، فكان جوابه أن الحزب لم يكن أمامه من خيار سوى التصويت على مشروع القانون الإطار إذا كان يريد الاستمرار في قيادة الحكومة، وإلا فإن اتخاذ قرار التصويت بالرفض يتطلب الإعلان عن الخروج من الحكومة.
أفتاتي يرى أن حزب العدالة والتنمية يدرك جيدا أن التنصيص على تدريس المواد العلمية بالفرنسية هو خيار تبنته الدولة، وتمت المصادقة عليه في المجلس الوزاري برئاسة الملك، لذلك فإن أي نقاش في هذا الشأن يجب أن يكون مع الملك.
وأوضح أفتاتي أنه يختلف مع بنكيران في مقاربته، إذ أن الأمور تحتاج لكثير من الوضوح، فهذا القرار اتخذ في المجلس الوزاري، وإذا كان حزب العدالة والتنمية غير موافق عليه، فالمسؤولية تقتضي أن يعقد دورة استثنائية لمجلسه الوطني، ويعلن خروجه من الحكومة، والعودة للمعارضة.
أفتاتي، أوضح أنه من دعاة العودة إلى المعارضة، لكن ذلك يظل رأيا شخصيا، وغير ملزم لمؤسسات الحزب، التي يجب الانضباط لقراراتها التي يتم اتخاذها بالتصويت.
شعار الهوية
وإذا كان جزء عريض من شباب وأعضاء حزب العدالة والتنمية اعتبروا أن التصويت على مشروع القانون الإطار يمس مبادئ وقيم الحزب، فإن حسن بويخف يرى أن هذا الأمر يظل خاضعا للاجتهاد السياسي، ولا يمس مرجعية الحزب في شيء، مشيرا في هذا الصدد إلى تصويت الفريق النيابي للحزب خلال ولاية بنكيران على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، رغم الضجة التي أثيرت بشأن مخالفتها لمبادئ الشريعة الإسلامية.
بدوره، اعتبر جبرون أن هذه القضية تظل خاضعة للاجتهاد السياسي، ولا علاقة لها بأي مبدأ ديني، كما أن مفهوم الهوية الذي يرفعه بنكيران ليس مفهوما ثابتا، بل متغيرا، مشددا على ضرورة إخراج المسألة اللغوية من سجن الهوية إلى فضاء ورحابة المصالح والمنافع الاقتصادية والسياسية.