بينما تتابع أنظار العالم الحدث الفني الأشهر في أوروبا "Eurovision"، تبرز خلف الكواليس مفارقة أخلاقية صارخة: شركة تحمل اسم "Moroccanoil" ترعى المسابقة، مستخدمة الهوية المغربية كقناع تجميلي لتبييض صورة الاحتلال الإسرائيلي.
نكهة مغربية وروح إسرائيلية
للوهلة الأولى، قد يظن المتابع أن "Moroccanoil" شركة مغربية تصدر منتجات التجميل القائمة على زيت الأركان، الذهب السائل القادم من جنوب المملكة. إلا أن الحقيقة تكشف أن الشركة، التي تأسست سنة 2007، على يد سيدة تشيلية تُدعى كارمن تال، اتخذت من إسرائيل قاعدة للانطلاق والتوسع.
وتروي تال أنها اكتشفت الفوائد الجمالية لزيت الأركان خلال زيارة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهناك أطلقت الشركة التي سرعان ما نمت لتشحن منتجاتها إلى أكثر من 80 دولة.
لكن في الوقت الذي تروّج فيه لمنتجاتها باسم "المغرب"، تُتهم "Moroccanoil" بالمشاركة في مشاريع صناعية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقا لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، ومنظمات؛ مثل "كنديون من أجل السلام والعدالة في الشرق الأوسط" (CPJME).
من الأركان إلى الأبارتهايد
وفي سياق عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، منذ أكتوبر 2023، والتي خلّفت أكثر من 50 ألف قتيل، كثير منهم أطفال، تجد شركات مثل "Moroccanoil" نفسها في دائرة الضوء، ليس فقط بسبب علاقاتها التصنيعية بإسرائيل، ولكن أيضا بسبب استخدامها للرموز الثقافية المغربية كستار تجميلي يغطي ممارسات الاحتلال.
ويطرح هذا واقعا أخلاقيا صادما: كيف يمكن لمنتج مرتبط بثقافة محلية أصيلة، من شجرة الأركان في تافراوت وسوس، أن يتحوّل إلى وسيلة دعائية ضمن استراتيجية إسرائيلية تستغل الجمال والثقافة لتلميع سجلها الحقوقي الملطخ بالدماء؟
"Eurovision" وصمت التواطؤ
ورغم الجدل المتصاعد، يواصل اتحاد البث الأوروبي (EBU)، المنظّم لـ"Eurovision"، تجاهل الأسئلة المتعلقة برعاية "Moroccanoil"، بل ويرفض الكشف عن تفاصيل الدعم المالي المقدم من الشركة، وفقا لصحيفة "Público" الإسبانية.
واللافت أن المسابقة نفسها كانت قد استبعدت روسيا، سنة 2022، بسبب غزوها لأوكرانيا، معتبرة أن "الفن لا ينفصل عن الأخلاق". فكيف يُبرّر استمرار التعاون مع شركة مرتبطة بدولة متهمة دوليا بارتكاب جرائم حرب في غزة؟
تبييض عبر الجمال
وفي جوهر المسألة، لا يتعلق الأمر فقط بشركة تجميل أو عقد رعاية، بل بـ"الغسيل الثقافي" (Cultural Whitewashing)؛ أي استخدام عناصر ثقافية تراثية من بلدان عربية أو إسلامية لتسويق شركات إسرائيلية، وبالتالي، تجنب الغضب الشعبي وفتح أسواق جديدة.
وتستغل "Moroccanoil" اسم المغرب، دون أن تكون مغربية، وتستغل زيت الأركان، دون أن تعود أرباحه إلى أهله، وتستغل صورة الجمال لتسويق أجندة سياسية خفية تتجاوز إطار التجميل.
أسئلة مشروعة
زيت الأركان مُصنف كمؤشر جغرافي محمي (PGI) في المغرب، منذ سنة 2011، ويُعد من المنتجات التراثية الفريدة المرتبطة جغرافيا بمنطقة سوس ماسة. وقد حصل على حماية قانونية دولية ضمن اتفاقية لشبونة واتفاقية الاتحاد الأوروبي-المغرب.
ويُعد استغلال هذا الاسم خارج السياق المغربي، سواء تجاريا أو سياسيا، انتهاكا معنويا لهوية جماعية وثقافية، ويفتح بابا لتساؤلات حول مدى فعالية حماية هذه المؤشرات أمام الاستغلال الدولي من كيانات غير مغربية. فأين تقف الدولة المغربية من هذه الممارسات؟ وهل تراقب السلطات استخدام رموزها الثقافية في سياقات تُضر بصورتها؟ وألا تستحق شجرة الأركان، المصنفة ضمن التراث الإنساني من طرف "اليونسكو"، حماية قانونية من هذا النوع من الاستغلال؟
وفي عصر تُستخدم فيه كل وسيلة للتأثير الناعم، يصبح الصمت نوعا من التواطؤ. ومن حق المستهلك المغربي، كما العربي والدولي، أن يعرف من يقف خلف العلامة التي يستخدمها على بشرته وشعره، وما إذا كان هذا الجمال يُستغل لتلميع وجه نظام استعماريّ يستفيد من صمت العالم، وتواطؤ العلامات.