شغل عبد الوهاب المعلمي، منصب سفير المغرب لدى الفاتيكان بين 1997 و2001، حيث تعرف عن قرب على رهانات العلاقات بين أصغر دولة في العالم والمغرب، وبينها وبين العالم الإسلامي.
المعلمي، الذي يدرس العلاقات الدولية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، اهتم مبكرا بمفهوم التأثير في العلاقات الدولية، وقضايا الأمن ودور منظمة الحلف الأطلسي في البحر الأبيض المتوسط والحوار بين الأديان. يتناول هذا الحوار مع المعلمي طبيعة السياق الذي جاءت فيه تأتي فيه زيارة بابا الفاتيكان فرانسوا للمغرب ورهاناتها.
كيف يمكنكم تقييم العلاقات بين المغرب والفاتيكان منذ التقارب الذي تم في سنة 1976؟
حصل هذا التقارب بإقامة علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء في 1976، ومنذ ذلك الحين والعلاقات بين الطرفين آخذة في التطور والتحسن،. بدأت بزيارة الملك المرحوم الحسن الثاني للفاتيكان سنة 1980 وتوجت بزيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى المغرب سنة 1985، وها هو البابا فرانسيس يزور بدوره المغرب في متم هذا الشهر.
ما هي الأهمية التي تكتسيها العلاقات بين المغرب والفاتيكان؟
يمكن أن نتحدث عن أهمية هذه العلاقات على مستويين: مستوى عام يتعلق بالعلاقات بين المسيحية والإسلام، ومسألة القدس، ومستوى ذو طابع ثنائي يهم العلاقات الثنائية بين الطرفين.
على المستوى الأول أصبح المغرب منذ الثمانينيات أحد المخاطبين الأساسيين للفاتيكان في البحر الأبيض المتوسط، بعد مصر وتركيا في ما يتعلق بحوار الأديان، بالإضافة إلى قضية القدس التي تهم الأديان السماوية الثلاث، والتي يتولى ملك المغرب متابعتها والدفاع عنها برئاسته للجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي.
أصبح المغرب منذ الثمانينيات أحد المخاطبين الأساسيين للفاتيكان في البحر الأبيض المتوسط
ويهم المستوى الثاني تعزيز العلاقات الثنائية المتعلقة بالحوار بين المسيحية والإسلام، وبوضع الكنيسة الكاثوليكية القانوني الفريد في المغرب منذ اعتراف المرحوم الحسن الثاني لهذه الأخيرة بهذا الوضع في تبادل لرسائل بينه، والبابا يوحنا بولس الثاني في سنتي 1983-1984، وكذا الحرية الدينية، وقضايا أخرى ظرفية كالهجرة وقضية اللاجئين.
ما الفرق بين زيارة البابا للإمارات العربية مؤخرا وزيارته للمغرب في السياق الحالي؟
هو نفس السياق، سياق إعادة الدفء للعلاقات مع العالم الإسلامي بعد الأزمة التي عرفتها هذه العلاقات مع البابا السابق بيندكت السادس عشر. أما الاختلاف فيتمثل في أن زيارة البابا للإمارات، هي الأولى من نوعها لدولة من دول الخليج، لأنها أكثر هذه الدول انفتاحا على العالم وأكثرها استقبالا للمسيحيين.
الكنيسة الكاثوليكية تعي أن دستور المغرب يعترف بحرية كل واحد في ممارسة شؤونه الدينية
أما المغرب فله علاقات عريقة مع الفاتيكان، تعود إلى القرن الثاني عشر، وأول سفارة من المغرب إلى الفاتيكان كانت سنة 1888 في عهد مولاي الحسن الأول، وفي عهد الحسن الثاني، تم ربط العلاقات الدبلوماسية الدائمة بين المغرب والفاتيكان على مستوى السفراء سنة 1976، وتمت أول زيارة لبابا الفاتيكان إلى المغرب سنة 1985.
ما هي المواضيع التي ستشغل البابا الحالي، مقارنة بالبابا الراحل جول بول الثاني الذي زار المغرب خلال الثمانينات من القرن الماضي؟
البابا الحالي يريد أن يمشي على خطى البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، وبالتالي فهي نفس المواضيع التي كان يطرحها هذا الأخير، ولكن في سياق دولي وإقليمي مغاير.
هل يمكن أن يكون تأكيد الفاتيكان على الحرية الدينية سببا لسوء تفاهم كبير مع السلطات العمومية بالعالم الإسلامي، خاصة بالمغرب؟
لا أعتقد أن الأمر سيثار على هذا المستوى أو بهذا الشكل في هذه الزيارة، نظرا لحساسيته الشديدة بالنسبة للمغاربة. والكنيسة الكاثوليكية تعي أن دستور المغرب يعترف بحرية كل واحد في ممارسة شؤونه الدينية، والقانون المغربي لا يحرم ولا يعاقب، إلا أعمال الإغراء التي تهدف إلى تحويل مغربي مسلم عن دينه، وكذا الأعمال ذات الطابع الديني التي تخل بالنظام العام، كالأكل علنا في شهر رمضان من طرف مسلم، أو البوح بتغيير دينه أمام الملإ. وهذا هو الإطار الذي يتعين على الكنيسة الكاثوليكية وكل الكنائس المسيحية الأخرى أن تحترمه في المغرب، في ما يتعلق بأنشطتها التبشيرية.
هذه هي حدود الحرية الدينية في المغرب، وهو ما قد يعكر فعلا، من حين لآخر صفو العلاقات بين الفاتيكان أو الكنيسة الكاثوليكية بشكل عام والمغرب.
هناك بلدان إسلامية متشددة أكثر في هذا الباب، من ثمة كان دوما من بين المواضيع المستعصية على الحوار بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي، مسألة الدعوة والتبشير وعلاقاتهما بالحرية الدينية.
المهاجرون سيكونون على رأس اهتمامات البابا فرانسوا خلال زيارته للمغرب. من أين يأتي اهتمام البابا فرانسوا بهذا الموضوع؟
هذا فعلا ما راج بخصوص هذه الزيارة، خاصة في الأوساط الإعلامية الغربية. ولكني أنا شخصيا لا أرى هناك مشكلا في ما يتعلق بالمغرب، وهو الذي أصبح من المدافعين عن حقوق المهاجرين. وقد عقدت في مدينة مراكش، في شهر دجنبر الفائت، قمة دولية برعاية أممية تم فيها تبني "الميثاق العالمي لهجرة آمنة ومنظمة ومنتظمة".
اهتمام البابا بموضوع الهجرة نابع أولا من كونه موضوعا إنسانيا
إذن المغرب يقوم بدوره في هذا الباب. لكنه قد يستعين بالبابا للضغط على البلدان الأوروبية لإيجاد حل لهذه المعضلة دون أن يكون ذلك على حساب بلدان الجنوب. أما اهتمام البابا بموضوع الهجرة فهو نابع أولا من كونه موضوعا إنسانيا، ثم لكون جزء من المهاجرين مسيحيين.
ما الذي يميز البابا فرانسوا على مستوى التقارب مع العالم الإسلامي؟
البابا فرانسوا من العالم الثالث، واحتك في بلده الأصلي الأرجنتين بالمسلمين، ومن ثمة انفتاحه على العالم الإسلامي، ودعمه للحوار مع الإسلام، كما كان سلفه البابا يوحنا بوبس الثاني. وهذه الزيارات التي يقوم بها البابا الحالي للعالم الإسلامي منذ توليه رئاسة الكنيسة عام 2013 يضعها البابا ضمن الذكرى الثماني مائة للقاء القديس فرانسوا الأسيسي والسلطان الأيوبي الملك الكامل في عز الحرب الصليبية.
هل يمكن أن تشكل القدس عنوانا لمبادرات بين بابا الفاتيكان والملك باعتباره رئيسا للجنة القدس؟
قضية القدس تشكل بالطبع من الجانب المغربي المحور الأساسي لهذه الزيارة، خاصة بعد قرار الرئيس ترامب نقل سفارة بلده إلى القدس الغربية واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. ماذا سينتج عن هذه الزيارة بهذا الخصوص، هذا ما يصعب علي التكهن به.