جرادة - أحمد مدياني
من "انتفاضة الشارع" إلى "انتفاضة الصناديق". عنوان ملحمة قادها شباب وشابات جرادة، حصدوا وحصدن خلالها أغلبية المجلس البلدي للمدينة، بـ27 مقعدا من أصل 30، والتقدم في النتائج على مستوى الدوائر، بفارق كبير على منافسيهم، بـ23 دائرة انتخابية من أصل 25.
"تيلكيل عربي" حل حيث كانت عاصمة الفحم الحجري، هنا لاتزال أحياؤها تعيش ارهاصات أحداث يناير 2018، زيارة الغرض منها نقل تفاصيل الحكاية كاملة. فهل ينقذها من اعتقلوا خلال انتفاضتها وأخرجوا الناس إلى الشوارع من معاناتها بعدما وصلوا إلى كراسي المسؤولية؟
الجواب سيأتي بدون لغة الخشب على لسان صناع هذا التغيير غير المرتقب وغير المسبوق في التجارب الانتخابية بالمغرب، حسب ما حققه من نتائج.
بالإضافة إلى أجوبة عن أسئلة أخرى طرقت أبواب البحث عن كيف جاءت الفكرة؟ ومن عبـأ لها؟ ولماذا تم اختيار حزب التقدم والاشتراكية دون غيره؟ وكم كلفتهم الحملة الانتخابية ماليا؟ وكيف استقبلت السلطات المحلية ترشحهم للانتخابات؟ وما هي مشاريعهم المستقبلية للوفاء بما التزموا به مع من منحوهم ثقتهم وأصواتهم؟
جرادة على حالها
قبل الخوض في أصل حكاية التجربة الفريدة، من الأمانة القول بالوصف وما باح بهم الذين التقاهم "تيلكيل عربي"، إن جرادة تبدو على حالها.
على طول الطريق المؤدية إليها، قادماً من جهة العيون الشرقية، تخبرك أطلال البنايات القديمة ومدخنة المركب الحراري المقفل، أن التغيير عصي هنا. المدينة لم تحركها الأحداث التي شهدتها قبل أزيد من أربع سنوات، نحو انتشال ساكنتها من جحيم كسب قوت اليوم بمشقة.
إيقاع رتيب طوال اليوم، وحدها أسواق الخضر والفواكه من تكسره، لا فرق هنا بين وسط المدينة وأحيائها الهامشية، فمظاهر التحضر والتمدن لا تتجاوز حدود بنايات منتصبة على طول بعض الشوارع الرئيسية، وكأنها شيدت هنا من أجل العرض لا غير.
المدينة لم تحركها الأحداث التي شهدتها قبل أزيد من أربع سنوات، نحو انتشال ساكنتها من جحيم كسب قوت اليوم بمشقة
فجأة، يمكن لكل هذا أن يتغير. لكن كيف؟ سؤال طرحه "تيلكيل عربي" على صاحب محل لبيع المواد الغذائية، وكان جوابه: "اخترنا التصويت على الشباب الذين قادوا احتجاجات جرادة، ومن وضعوا فيهم ثقتهم، وأتمنى أن يشتغلوا على تغيير حال المدينة، لكن مهمته صعبة، ويجب أن يصفوا الأجواء مع السلطات المحلية، ليوفقوا في ما جاؤوا لأجله".
أصوات الغضب الشعبي في الشارع تحولت إذن إلى أصوات انتخابية داخل الصناديق، ووجب الإشارة إلى أن لسان حال ساكنة جرادة، يكرر لازمة أن "لا شيء تغير" منذ انطلاق شراراة الاحتجاجات وما ترتب عنها، فهل يغيرها من قادها اليوم؟
أصوات الغضب الشعبي في الشارع تحولت إذن إلى أصوات انتخابية داخل الصناديق
تكاد ثقة ساكنة المدينة أن تكون منعدمة، وهم يتحدثون عن كل المشاريع التنموية التي وعدت بها السلطات والمجالس المنتخبة السابقة. وفي نفس الوقت، يعلقون آمالهم على 27 شابا وشابة، أوصلتهم صناديق الاقتراع إلى مقر المجلس البلدي.
"التوجه العام": الأمل
اعتاد المغاربة قبل كل استحقاقات انتخابية متابعة صراع الأعيان و"صحاب الشكارة" ومن لهم امتدادات في السلطة على التزكيات لخوضها. في جرادة الصورة اختلفت هذه المرة، وحملت مرشحين اختارتهم خمس مناطق عن طريق لجان شعبية استمرت في تحركها واشتغالها رغم مرور سنوات على الاحتجاجات.
سعيد مرزوكي، قاد اللائحة التشريعية لشباب المدينة، حصد 8956 صوتاً على مستوى الإقليم، من بينها 6993 صوتاً على مستوى مدينة جرادة وحدها، ورغم خسارته للمقعد البرلماني بفراق بسيط مع مرشحي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة، استطاع الفوز بمقعد رفقة رفاقه بالمجلس البلدي.
يوم توجهنا إلى مقر العمالة لوضع ترشيحاتنا، أخبرتنا السلطات بأنها مبادرة جيدة، لكن أفقها لن يتجاوز كسب مقعدين أو ثلاثة
بمقر حزب التقدم والاشتراكية بحي الرازي، حركية كثيفة، أمامه وداخله، وتهاني المارة مستمرة. يوم الثلاثاء 14 شتنبر، استقبلنا صانعوا التغيير في جرادة، يتقدمهم سعيد مرزوكي، والذي اعتبر أن ما حققوه فاجأ الجميع.
"يوم توجهنا إلى مقر العمالة لوضع ترشيحاتنا، أخبرتنا السلطات بأنها مبادرة جيدة، لكن أفقها لن يتجاوز كسب مقعدين أو ثلاثة على الأكثر، بل هناك من المسؤولين من قالوا لنا إننا سنتدرب على الانتخابات خلال هذا العام، لنعود سنة 2026 من أجل تجريب حظوظنا"، يقول مرزوكي.
ويضيف: "أنا بدوري لم أكن متحمسا لخوض الانتخابات. عندما اقترح عليا الرفاق الفكرة، اعتذرت، ولم أساهم معهم خلال مراحلها الأولى، لكن بعد الحاح منهم قررت خوض هذه المغامرة، ورغم علمنا بأن اللجان الشعبية هي من اختارت المرشحين، إلا أننا تفاجأنا بحجم الاحتضان الشعبي، ليس فقط داخل المدينة، بل حتى بالأحواز المحيطة لها، والتي منحتنا أكثر من 2000 صوتاً".
وخلال حديثه عن نشأة فكرة خوض هذه التجربة، يكرر مرزوكي الجالس فوق كرسي بلاستيكي داخل مقر PPS الإقليمي، بنبرة تواضع لا ترافقه طيلة الجلسة معه، (يكرر) عبارة "التوجه العام".
أمين لمقلش، الفنان المسرحي وأحد معتقلي انتفاضة جرادة، يروي لـ"تيلكيل عربي" كواليس "التوجه العام"، وكيف حسم دخولهم للانتخابات.
تم التأسيس لفكرة التوجه العام والاشتغال عليها ثمانية أشهر قبل موعد الانتخابات، وكانت جميع السيناريوهات مطروحة أمامنا
داخل مقهى أكبر فندق بمدينة جرادة، حيث الوافدين عليه على طول السنة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، جالس "تيلكيل عربي" الفنان أمين لمقلش، وبحس الدعابة الذي لا يفارقه، والابتسامة المرسومة على شفتيه، يشرع في شرح "التوجه العام".
يقول أمين: "تم التأسيس لفكرة التوجه العام والاشتغال عليها ثمانية أشهر قبل موعد الانتخابات، وكانت جميع السيناريوهات مطروحة أمامنا، إما المشاركة أو المقاطعة، أو دعم مرشحين تختارهم اللجن الشعبية، لكننا اخترنا خوض غمار التجربة بأنفسنا".
ويشرح المتحدث ذاته، ما معنى "التوجع العام" بالقول: "طيلة فترة النقاش، طرحنا على اللجن الشعبية الخيارات الممكنة لترجمة قناعاتنا خلال الاستحاقات الانتخابية، وقمنا بصياغة ورقة تتضمن استطلاعاً للرأي، فيها أسماء مجموعة من الأحزاب التي يمكن أن ندعم أو نترشح باسمها، وتحمل أيضاً فقرة خاصة بخيار المقاطعة، وأخرى بإمكانية التقدم بلائحة لامنتمية".
وخلال النقاش، يضيف الفنان المسرحي، تم التأسيس لما نصفه بـ"التوجه العام" والذي يجب أن ينضبط له من يؤمنون بالمبادئ والقناعات التي أخرجتنا إلى الشارع للاحتجاج، وهو ضرورة المشاركة في الانتخابات.
السلطات بعثت لهم إشارات قوية ومباشرة، توصل هو بها بشكل شخصي، مفادها تحذيرهم من اختيار مقاطعة الانتخابات والتعبئة لذلك داخل المدينة
متى خرج "التوجه العام" إلى العلن داخل المدينة؟ الجواب دائما على لسان أمين لمقلش، ويسرد هنا، أنهم اختاروا شهر رمضان، لتنظيم مجموعة من اللقاءات داخل المنازل والأحياء وأحيانا يتم نقل بعض اللقاءات إلى الجبال المحيطة بالمدينة، تفاديا لتدخل قوات الأمن بسبب ظروف الحجر الصحي.
ويتابع في السياق ذاته، أن "السلطات بعثت لهم إشارات قوية ومباشرة، توصل هو بها بشكل شخصي، مفادها تحذيرهم من اختيار مقاطعة الانتخابات والتعبئة لذلك داخل المدينة".
بدوره، يرى مصطفى دعنين، المعتقل السابق، وأحد أبرز وجوه احتجاجات جرادة بخطاباته القوية وسط الحشود، أنه "دعم التوجه العام، من أجل ترجمة مطالبهم على أرض الواقع"، واسقاط من يصفهم بـ"وجوه الفساد في المدينة"، عبر "قطع الطريق عليهم للوصل إلى المجلس البلدي".
دعنين يدافع عن هذا الاختيار، ويشدد على أنهم "يبحثون أولاً عن ترجمة الإرادة الشعبية لساكنة جرادة والإقليم إلى أصوات داخل المؤسسات، رغم أنهم حرموا من الترشح بعد التشطيب عليهم بسبب الأحكام القضائية التي صدرت في حقهم، وكانت وراءها تهم جنائية ثقيلة".
خطة العمل لتنزيل "التوجه العام".. وكم كلفت؟
"بعد حسم قرار المشاركة في الانتخابات تحت يافطة حزب سياسي، شكلنا لجنة مكونة من الشباب، توجهت إلى الرباط، وكانت مهمتها لقاء قيادات مجموعة من الأحزاب السياسية، لشرح مقترحنا، والعودة بما اقترحته هي علينا"، يروي أمين لمقلش ما سبق فترة حسم أسماء من سيرشحون وتحت يافطة أي حزب سياسي.
"تم تقسيم المدينة إلى خمس مناطق، بنفس التقسيم الذي كانت عليه خلال احتجاجات مارس 2017. وتم تشكيل لجنة قيادة مركزية تقوم بتتبع سير الحملة الانتخابية"، يشرح سعيد مرزوكي.
ويسترسل في شرح خطة عملهم بالقول: "بما أن المرشحين تم اختيارهم من طرف اللجان الشعبية، ومنهم من حسمت القرعة ترشحهم بعد تساوي عدد الأصوات في ما بينهم، قررنا الاستمرار على نفس النهج، وذلك بتركيز كل مرشح لحملته على المنطقة حيث يشتغل، مع ضرورة التواصل بطرق الأبواب مع الساكنة التي لم تساهم معنا في صياغة التوجه العام، وهذه الطريقة هي التي مكنتنا من حصد أكثر من 6000 صوت في الانتخابات التشريعية على مستوى مدينة جرادة، والحزب الذي حل ثانيا حصل على 1203 صوتاً، أما الحزب الثالث فحصل على 1087 صوتاً".
صدق المرشحين، وعدم إطلاقهم لوعود فضفاضة، واشراك اللجن الشعبية في القرار طيلة مراحل تنزيل التوجه العام، هي العوامل التي حسمت النتيجة
كم كلفتكم الحملة الانتخابية؟ يجيب مرزوكي: "50 ألف درهماً فقط !"
الشاب الفنان لمقلش، يرى أن "ما منحهم القوة للحملة الانتخابية، هو الاستمرار على نفس النهج في التعبئة والتواصل مع الساكنة".
فيما يعتقد مصطفى دعنين أن "صدق المرشحين، وعدم إطلاقهم لوعود فضفاضة، واشراك اللجن الشعبية في القرار طيلة مراحل تنزيل التوجه العام، هي العوامل التي حسمت النتيجة على مستوى المجلس البلدي لصالحهم".
ويشدد المتحدث ذاته، على أن "اختيار حزب التقدم والاشتركية، أعطى بدوره قيمة وشحنة إضافية للمرشحين، لأنه ومن وجهة نظره، رغم مجموعة من العيوب التي تشوب الحزب واختياراته، إلا أنه يبقى حزبا وطنياً، وله مجموعة من المواقف المشرفة، بالإضافة إلى أنه وقع لنا على ورقة بيضاء لاختيار وتنزيل كل ما نؤمن به".
لكن، كيف وقع الاختيار على حزب "الكتاب" بالضبط. تلك حكاية مشوقة أخرى، سيسترسل "تيلكيل عربي" في حكيها على لسان من عاشوها.
لماذا الـPPS؟
يتذكر القارئ لتفاصيل حكاية شباب جرادة هنا، والتي بدأت بـ"انتفاضة الشارع" سنة 2018 لتتحول إلى "انتفاضة الصناديق" يوم الـ8 من شتنبر، طرحهم لورقة تتضمن استطلاعاً للرأي.
هذه الورقة، كانت تحمل أسماء سبعة أحزاب، وهي: تحالف فيدرالية اليسار، والتقدم والاشتراكية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وجبهة القوى الديمقراطية، والاستقلال، والحركة الشعبية بالإضافة إلى الديمقراطيين الجدد.
تم استبعاد 5 أحزاب أما بسبب عدم حصولها على ثقة اللجن الشعبية، أو بسبب فرض قياداتها الوطنية والمحلية لمجموعة من الشروط
وحول النتائج التي أفرزها استطلاع الرأي لاختيار اللون السياسي لمغامرة شباب وشابات جرادة نحو حصد كراسي المجلس البلدي، يقول أمين لمقلش: "الاختيار حسمته القرعة في الأخير".
كيف؟ يسترسل المتحدث ذاته في حكي تفاصيل التجربة، بأنه "تم استبعاد 5 أحزاب أما بسبب عدم حصولها على ثقة اللجن الشعبية، أو بسبب فرض قياداتها الوطنية والمحلية لمجموعة من الشروط، من بينها فرض أسماء نصف المرشحين على مستوى الدوائر، وأيضاً رفض تجديد هياكلها الإقليمية من طرفنا".
في الأخير، يتابع لمقلش "وقع الاختيار على حزبين، وهما تحالف فيدرالية اليسار والتقدم والاشتراكية، رغم أن أعضاء التحالف أظهروا نوعاً من الممانعة بخصوص التحاقنا بهياكلهم الحزبية وتجديدها، وتفهمنا هذا الأمر، لكون أنه مشكل من حزبين وهما المؤتمر الوطني الاتحادي والطليعة الديمقراطي الاشتراكي".
لتختار اللجن الشعبية طريقة فريدة تحسم هذا الجدل في اللون السياسي الذي سندخل بها غمار الانتخابات، وذلك بإجراء قرعة، وطريقتها، يصف لمقلش، كتابة رمزي "الرسالة" و"الكتاب" على عشرة أوراق، ثم سحبها، لتأتي النتيجة 3 لصالح التقدم والاشتراكية و2 لصالح تحالف فيدرالية اليسار.
كان تدخل نبيل بن عبد الله حاسماً، وجدد في أكثر من مرة توجيهاته بترك التجربة مستقلة في جميع اخياراتها
وحول الدعم الذي منحه الحزب لشباب وشابات جرادة، ينتقل "تيلكيل عربي" لسؤال عماد قاسيمي الكاتب الإقليمي الجديد لحزب "الكتاب" بجرادة، وهو مقاول شاب، يبلغ من العمر 32 سنة.
ويقول في تصريحه، إن "الأمين العام للحزب نبيل بن عبد الله، تواصل معهم باستمرار، وكل ما وعدهم به تم تنزيله على أرض الواقع".
ويضيف: "كانت ستنسف التجربة، بعدما تدخلت قيادات محلية للحزب، محاولة فرض مرشح لم يستطع الحصول على تزكية حزب التجمع الوطني للأحرار، لكن كان تدخل نبيل بن عبد الله حاسماً، وجدد في أكثر من مرة توجيهاته بترك التجربة مستقلة في جميع اخياراتها".
ويعد الكاتب الإقليمي الجديد لرفاق الـPPS، والذي للإشارة تقرر انتخابه من خارج دائرة الذين فازوا بمقاعد في المجلس البلدي، بأنهم "دشنوا سلسلة من اللقاءات مع الفاعلين في المدينة، وعلى مستوى الإقليم، من أجل تجديد الهياكل، وإحياء مجموعة من التنظيمات الجمعوية والنقابية الموازية".
ويشدد السياسي الشاب على أنهم "لن ينهوا التجربة عند محطة ربح المقاعد فقط، بل يطمحون لحصدها كلها خلال الانتخابات القادمة، بالعمل والتجاوب مع انتظارات الساكنة".
ما ختم به عماد قاسيمي الكاتب الإقليمي لحزب التقدم والاشتراكية هو التحدي الحقيقي. والمطالب في الواقع من داخل المؤسسات، تختلف عن ما يرفع من شعارات خلال الوقفات والمسيرات الاحتجاجية. خاصة وأن التحديات كبرى، بمدينة مواردها المالية تكاد تكون شحيحة، ويثقل كاهلها ارث خلفته المجالس السابقة.
تحديات حصد الكراسي
سعيد مرزوكي مؤمن ومقتنع بأن مهمتهم لن تكون سهلة، وأن ما تحتاجه المدينة من مشاريع تنموية واقتصادية وثقافية واجتماعية، يحتاج لموارد مالية ضخمة.
مصطفى دعنين، بالنسبة له، أهم ما تحقق خلال هذه المرحلة، هو: "القطع مع الوجوه السابقة التي توالت على رئاسة المجلس البلدي"، وإغلاق ما يصفه بـ"سقاقي (نافورات) الفساد وتبذير المال العام".
نحتاج أن تكون السلطة خاصة في شخص العامل على قدر المسؤولية. أن تكون مسهلة لعملنا لا معرقلة
ويضيف: "نعرف جيداً أن التحدي ليس سهلاً، وسوف نعمل مع الناجحين لكي يتم تنزيل برنامجهم الذي سنشرك الساكنة في صياغته".
وبالعودة إلى وجهة نظر مرزوكي، حول ما يمكن أن يقدموه للمدينة والإقليم من موقع المسؤولية، يرى أنه "لا يمكن أن تنجح التجربة بدون موارد مالية، وسوف نقول الحقيقة كما هي للمواطنين. نحتاج أن تكون السلطة خاصة في شخص العامل على قدر المسؤولية. أن تكون مسهلة لعملنا لا معرقلة. كما نحتاج دعم المجلس الجهوي، وأن تنال مدينة جرادة نصيبها من الوعود التنموية التي أطلقت ابان الاحتجاجات وبعدها".
الفنان أمين لمقلش، يعتبر أن ما سوف يحصن هذه التجربة، هو "قرار تشكيل مجلس موازي للشباب، سوف يسهر على تتبع عمل المجلس البلدي، والحرص على مساعدة أعضائه في ما يحملونه من مهام جسام تجاه التزامتهم مع الساكنة".
وفي مقابل كل هذه الطموحات، طرح "تيلكيل عربي" سؤال التحديات التي سوف تواجه المجلس البلدي الجديد بقيادة شباب جرادة، على مصادر جيدة الاطلاع على ما ورثه من مشاكل.
المجلس الجديد سوف يصطدم بواقع ضعف الموارد المالية والبشرية، وأيضا ملفات ثقيلة، منها ما هو رائج أمام المحاكم
ولخصت الوضع بالقول: "فعلاً تنتظرهم تحديات صعبة جدا. أهمها ملف الإنارة وضعف شبكات الطرق بالأحياء الهامشية وقنوات الصرف الصحي وتسوية أوضاع من يشتغلون في الإنعاش الوطني، بالإضافة إلى تسديد مجموعة من ديون المجلس، دون أن نغفل ضعف التجهيزات اللوجستيكية التي يجب أن يتوفر عليها، خاصة الجانب المرتبط بالنظافة وجمع الأزبال".
وتشدد مصادر "تيلكيل عربي" على أن "المجلس الجديد سوف يصطدم بواقع ضعف الموارد المالية والبشرية، وأيضا ملفات ثقيلة، منها ما هو رائج أمام المحاكم".
ورغم هذا الواقع الصادم والذي لا يرتفع. يجدد الفنان المسرحي أمين لمقلش أن هناك أملاَ في المستقبل، ويمكن على حد ثقته في من اختارهم أن يتم الربط ما بين جرادة الماضي حين كانت عاصمة للفحم الحجري وجرادة الحاضر التي تواصل حفرها حصد أرواح شبابها وشيوخها، وذلك بتحويل "انتفاضة الصناديق" هذه المرة إلى "انتفاضة التنمية" على أرض الواقع.
مع إنهاء هذه الزيارة لشباب وشابات آمنوا بالتغيير واستطاعوا تجرمته إلى فعل سياسي، تم اختيار عبد الله درويش رئيسا للمجلس البلدي، وهو أستاذ بالسلك الابتدائي من مواليد سنة 1984.
اسم أمام فرصة تاريخية، ليكون رفقة فريقه محطة استثنائية في حاضر جرادة ولأجل مستقبلها. أو سوف يكون مصيره كما الذين سبقوه على رأس المجلس، ويتحول بذلك من حازوا شرعية الشارع إلى أعداء له. والكل سينتظر مع ساكنة إقليم جرادة ماذا ستفرز هذه التجربة.