عاكفا بمكتبه، يُوزع ابتسامته الهادئة ونظراته الثاقبة، على زوار ورشته برواق وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، بهواية مختلفة عن أبناء جيله، تناسق عمره مع رقم دورة المعرض بالرباط.
أقلام وأوراق ولوحات من أحجام وأنواع مختلفة محيطة به، تشدُ انتباه أي زائر من مختلف الفئات، الصغار والكبار، والنساء والرجال، يقضي وقته في الشرح والتوضيح حول الخط المغربي، يخُط بأنامله أسماء زواره فتسرُ الوافدين.
أسعى إلى ابتكار أسلوب خاص بي
الخطاط إسماعيل حنيف، يروي لـ "تيلكيل عربي"، قائلا: "كل إنسان له شغف، يلازمه منذ الصغر، أنا لدي ميول نحو الحرف منذ أن عرفته، أبهرني، ولم أجد الوسائل للتعلم، ولما أتيحت الفرصة بوجود أكاديمية الفنون التقليدية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء لدراسة الخطوط، لم أتردد".
ويضيف ابن مدينة الصخيرات: "كان مشوارا رائعا، وتعلمتُ جميع الخطوط، على يد أساتذة أكفاء، ليس على الصعيد الوطني بل الدولي، وفازوا بجوائز عالمية في الخط، وأتمنى سلك هذا المشوار".
وحول طموحاته المستقبلية، أورد المتحدث ذاته، "أسعى إلى ابتكار أسلوب خاص بي، وهذا يتطلبُ إتقان جميع أنواع الخطوط، وأرغب أن أشرف المغرب دوليا في المسابقات العالمية، وفي الجانب الفني، أود أن أركز على الخطوط المغربية، لكي أعطيها لمستي الفنية، وإدخالها في تراكيب جديدة، وإخراجات فنية".
وعبّر عن رغبته في "المساهمة في كراسة من كراريس تعليم الخط، وهذا مبتغى أي خطاط ترك بصمته، مع العلم أن وتيرة تطور الخط تكون بطيئة، إلا عبر خطاطين يُحدثون نقلة نوعية، ويذكرهم التاريخ، وذلك ما أرجو".
الخطوط المغربية ليست صعبة القراءة
وأكد إسماعيل حنيف، أن "الخط المغربي يتميز على الخطوط المشرقية، بكون حروفه ليست مقيدة بمقياس معين، بل مضبوط بصريا، والمغاربة يعرفون خطوطهم من خلال النظر إليها، وكانت هناك محاولات لتقعيد الخط".
وشدّد المتحدث ذاته، على أن "الأكاديمية تُساهم في مشوار الخط المغربي، عبر إخراج طلبة يتقنون الخطوط المغربية، وهذا سيؤدي إلى اتساع قاعدة ممارسي الخط، مما سيمكن من مواصلة عملية التطوير بالممارسة، إذن التطور سيكون تحصيل حاصل".
وأبرز الخطاط أن "الخطوط المغربية ليست صعبة القراءة، كما يقال، يكفي فقط معرفة قواعده وأسسه وخصائصه، مثل الرسم القرآني وأصل الخط الذي هو الخط الكوفي، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تقوم بمجهود كبير للتعريف بالخطوط المغربية".
وأشار إلى أن "الخطوط المغربية مشتقة من الخط الكوفي، هو أول خط عرفه المغاربة، في بدايته (الخط الكوفي) لم يكن منقطا، والمغاربة حافظوا على سمة عدم التنقيط، خصوصا في الخط المبسوط والمجوهر".
وتابع: "الخط المغربي حافظ على هذه السمة، مثلا الفاء والقاف والنون في نهاية الكلمة، لا تُنقط، لأنها بقيت لحدود الساعة على شكلها الأصلي".
تدريس الخط المغربي منذ الصغر
وأكد على أن "الوزارات أخذت بعين الاعتبار مسألة إدراج علم الخط بالمقررات الدراسية، وبعد إنشاء الأكاديمية ظهرت مبادرات أخرى، فهناك برامج تلفزية حول الخط، وهذا لم يكن من قبل، ولاحظت في كراريس تعلم التربية الفنية، وجود إدراج للحرف المغربي، هذه خطوة إيجابية، طبعا، يجب أن تتلوها خطوة إدماج الخطوط المغربية في مسار التعلم".
ولفت لـ"تيلكيل عربي" إلى أنه "من خلال المعارض والورشات، لاحظت وجود إقبال على الخط المغربي، ويتساءلون عن مكان تعلم الخط، ونرشدهم إلى الأكاديمية التي درست فيها، أو لمراكز تعلم الخط، وهذا يعبر عن انتشار هذه الثقافة".
وشدّد على أنه "من يريد التعلم، الأمور ميسرة، وأوصي بالبحث عن خطاط، لأنه يقال الخط مخفي في تعليم الأستاذ، وإذا لم يجد قد يقتني كراسة لتعليم الخط فيها المقاييس، يبقى الإشكال في ضرورة متابعة مدرس، الذي يختصر عليك الطريق، ويمكن الاستعانة بالوسائل المتاحة عبر الوسائط الرقمية".
ونبه إلى أن "الخط المغربي فيه خمسة أنواع، خط المصاحف وهو المبسوط، ثم الخط المجوهر، والخط المغربي، والكوفي، والزمامي أو المسند، والخطوط مثلها مثل أي علم إذا لم يعلم يندثر".
الخط المغربي يمثل ثقافتنا
هشام بلهيسي، طالب ماستر التربية الجمالية وتدبير مهن الفن والثقافة بكلية علوم التربية بالرباط، قال لـ"تيلكيل عربي": "كنا في زيارة للمعرض الدولي للنشر والكتاب، صراحة تفاجأنا بهذه الورشة، للخطاط الكبير، إسماعيل حنيف، ونتمنى له التوفيق في مشواره".
وتابع خريج مسلك علوم الإعلام والتواصل بكلية الآداب سايس - فاس: "ما أحوجنا للعناية بالخط خصوصا الخط المغربي الأصيل، وكثير منا يهمل هذا النوع من الفن، الذي يُمثل ثقافتنا".
وأكد ابن مدينة فاس، أنه "يجب تدريس مبادئ الخط منذ الابتدائي، ويكون مرافقا للتلاميذ في جميع المسارات التعليمية، واعتبر الخط له حس روحاني".
رسام.. أريدُ تحسين خطي المتدهور
محمد آل الشيخ العلوي، رسام، وخريج المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، أورد أنه "في الأصل أنا رسام، اعتمد على الواقعية القصوى (Hyperréalisme)، وأرغب في التخصص في المنشآت الفنية (installations artistiques)".
وتابع متحمسا لـ"تيلكيل عربي": "أرغب في تعلم الخط المبسوط لكي أكتب الرسائل الرسمية بنفسي، وشخصيا الرسائل الرسمية التي أكتبها بخط يدي تكون جيدة، ولكن أريد تطوير مستواي، ربما أكون في حالة تركيز فأرسم الخط ولست خطاط، وأود أيضا تعلم الخط الزمامي، لكي أحسن خطي المتدهور".
وحول استعمال الخط المغربي في لوحاته، أبرز الطالب في ماستر التربية الجمالية وتدبير مهن الفن والثقافة بكلية علوم التربية، أن رغبته في تعلم الخط، ليست مرتبطة باستعمالها في لوحاته، إنما "قصدي شخصي، هو تحسين خطي، كمهارة، وغاياتي من تعلم الخط مختلفة على المقاصد الجمالية، علما أنني أتجه نحو الفن المفاهيمي L'art conceptuel".
وأكد على أن "هذه الورشة إضافة جيدة للمعرض، لأنها تُعرف بموروثنا الحضاري، وللآسف طغت مواريث حضارية أخرى، تنافسه، وسطنا".
الناشئة خطها رديء
وأشار محمد آل الشيخ العلوي إلى أن "ثقافة الخط يجب أن تكون حاضرة، وكانت لي تجربة تدريسية، الناشئة لها خط رديء (فالصو) و(زيرو)، لذلك مع الابتدائي (خص) تعليم الخط، مثلا جيل الخمسينات، أي خط والدي أو أفراد عائلتي جيد جدا، مقارنة معنا أو مع الجيل الصاعد".
وحول طريقة التعلم التي سيسلكها، أفاد المصدر ذاته، أن "التعلم الذاتي مع الوسائط الرقمية متاح حاليا، ولكن سألجأ إلى معهد صهريج بفاس التابع لجامعية القرويين إذا تم التساهل معي في مسألة السن، لأنني سأبلغ ثلاثين سنة، وهذا أحد شروط الولوج إلى المعهد".
نشر ثقافة الخط
وأبرز سفيان ماهل، طالب في ماستر التربية الجمالية بكلية علوم التربية بالرباط، وأستاذ للتعليم الإبتدائي، أن "تخصيص وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ورشة للخط في رواقها بالمعرض الدولي للنشر والكتاب ستساهم في نشر ثقافة الخط".
وأورد أنه "نحن كشباب ليست عندنا ثقافة في هذا الجانب، الخط جميل، خصوصا الخط المغربي، الذي كانت له مكانة كبيرة، له قيمة ورمزية، ويعبر عن ثقافة وهوية، هو محاكاة الواقع لا من حيث شكله أو في اللوحات الفنية، له ميزة جمالية تعبيرية".