أعلنت جمهورية غانا، اليوم الثلاثاء، تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية" الوهمية، بعد قرابة 45 عاما من الاعتراف بهذه الأخيرة، وذلك من خلال وثيقة رسمية لوزارة الشؤون الخارجية والاندماج الإقليمي لجمهورية غانا موجهة إلى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج للمملكة المغربية.
وأعربت جمهورية غانا، في الوثيقة الرسمية ذاتها، عن دعمها "للجهود الصادقة التي تبذلها المملكة المغربية من أجل التوصل إلى حل مقبول من جميع الأطراف".
وفي هذا السياق، حاور "تيلكيل عربي" الخبير السياسي، محمد شقير، لكشف أسباب اتخاذ هذا القرار، وعلاقته بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهل كان من السهل على غانا التخلص من قوة تأثير جنوب إفريقيا.
-في نظرك، ما الذي جعل غانا تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية" الوهمية، بعد 45 عاما من الاعتراف؟
الجدير بالذكر أن هذا القرار الغاني ليس وليد اليوم. ففي إطار اجتماع لجنة مشتركة عليا عقد، في عام 2015، ما بين المغرب وغانا، برئاسة وزير الخارجية السابق، صلاح الدين مزوار، تم التوقيع على بلاغ مشترك بهذا الخصوص، غير أنه لم يُنشر، وقتها، لتتم الإشارة إليه، اليوم، بعد اتصالات تمت بين وزيري خارجية البلدين.
وما حث على تسريع العملية هو الانتصارات التي حققتها الدبلوماسية المغربية، خاصة بعد اعترافين مركزيين بمغربية الصحراء؛ هما الاعتراف الأمريكي والاعتراف الفرنسي.
وما يعطي أهمية لهذه الخطوة الغانية أن غانا كانت الدولة الثانية التي اعترفت بـ"الجمهورية" الوهمية، سنة 1979، بعد مدغشقر، لتليها الجزائر في المركز الثالث، كنوع من التمويه.
أما الأهمية الثانية؛ فهي أن غانا من الدول الأنجلو سكسونية أو الأنجلو إفريقية، التي كانت، دائما، معروفة بمناهضتها لمغربية الصحراء؛ بمعنى أنها ستخترق، بقرارها هذا، دولا أخرى في المنطقة مازالت متحفظة ومتشككة، وتقنعها باتباع نفس المسار.
-ما الذي أجل الإعلان عن البلاغ المشترك من عام 2015 إلى عام 2025؟
ربما هي مماحكات داخل الأجهزة الدبلوماسية المغربية، بسبب رغبة بعض الوزراء في نسب المكاسب إليهم.
يجب أن نشير إلى أن قضية الصحراء تدخل فيها الطموحات الشخصية، بدليل أن ناصر بوريطة يحاول، الآن، تضخيم إنجازاته.
لكن هناك سياق لا يجب نسيانه؛ إذ منذ عام 2020، كانت هناك حركية كبيرة يشهدها الملف، والتي يتم استغلالها، حاليا.
-تحدثت عن الطموحات الشخصية للوزراء، لكننا نتحدث هنا عن الملف الأول للبلاد. كيف يمكن لقراراتهم أن تعلو على القرارات السيادية للدولة؟
هناك ما يسمى باتخاذ القرار وتنفيذ القرار.
وفي إطار تنفيذ القرار، يمكن لوزير ما أن يؤجل الإعلان عنه، أو لا تتم تغطيته إعلاميا، في انتظار ما يراه هو وقتا مناسبا.
الوزير هنا لا يتجاوز قرار الدولة، لكن عملية تنفيذه وأجرأته تبقى مسألة مرتبطة بحساسيات وطموحات ورهانات وتقديرات أشخاص معينين.
-هل كانت هناك مؤشرات تنبئ بهذه الخطوة الإيجابية، خاصة حينما نستحضر صدور البيان المشترك بينها وبين جنوب إفريقيا، في مارس 2024، والذي تضمن بندا نص على "تكثيف الدعم للصحراء الغربية من أجل تقرير المصير والحرية والعدالة"؟
ربما هذا هو أهم معطى يمكن التركيز عليه. ما الذي حصل حتى استطاعت غانا تجاوز هذا الأمر؟ ربما اتصالات وزير الخارجية، ناصر بوريطة، ومحاولته إقناع الغانيين بهذه المسألة، وربما إدراك غانا للمكاسب الكثيرة التي يمكن أن تحصلها من التقارب مع المملكة، خصوصا مع الدينامية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية، والمبادرات الاقتصادية المغربية. يمكن أن كل هذا أُخذ بعين الاعتبار من طرف الغانيين؛ بحيث ظهر لهم أن العلاقة معنا مُربحة، خاصة إذا استحضرنا مشروع الغاز النيجيري-المغربي.
كل هذه المعطيات جعلت القادة الغانيين يتجاوزون البيان المشترك مع جنوب إفريقيا؛ لأن الأمر تم في إطار المجاملات، وليس ركيزة أساسية في السياسية الخارجية لبلادهم. فكما نعلم، السياسة الخارجية قائمة على تبادل المصالح، بالدرجة الأولى.
-هل سيخلق هذا القرار عداوات لغانا مع جنوب إفريقيا؟
لجنوب إفريقيا وضع خاص، الذي يتجاوز مسألة الاعتراف بمغربية الصحراء إلى التنافس الاقتصادي والسياسي الكبير بين دولة في دولة إقليمية في جنوب إفريقيا ودولة إقليمية في شمالها. إنها نقطة بالغة الأهمية يجب أن تتم الإشارة إليها، بالرغم من أنه حتى داخل جنوب إفريقيا، هناك خلاف بين نخبها، وبالتالي، هذه الخطوة الغانية تزعزع الوضع في البلاد أكثر؛ بحيث سيتم التساؤل عن المكاسب التي يمكن أن تحصلها من العداوة المتواصلة مع المملكة المغربية.
لكن ما سيحمي غانا من أي صدام مع دول أخرى، بما فيها جنوب إفريقيا، هو أن زعيمة الدول الأنجلو إفريقية هي الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تشكل أحد الركائز الأساسية داخل مجلس الأمن، وتملك حق "الفيتو"، أو ما يمكن تسميته بـ"دولة القلم"؛ الشيء الذي سيدفع باقي الدول في المنطقة إلى النظر، بشكل مغاير، فيما يخص قضية الصحراء المغربية، خصوصا وأن هذه الأخيرة بدأت تتقادم، وبدأت تشكل أحد رهانات هاته الدول، سواء سياسيا أو اقتصاديا.
غانا في وضع مريح يسمح لقادتها بالتأكيد على قرار سحب الاعتراف بـ"الجمهورية" الوهمية، دون وجود أي مقاومة من طرف دول أخرى، خصوصا أنه جاء في سياق يتسم بفتح العديد من الدول لقنصلياتها في الأقاليم الجنوبية المغربية، وتزايد سحب الاعتراف بالكيان الانفصالي، ليس فقط في إفريقيا، وإنما حتى في أمريكا اللاتينية، التي تعتبر معقل البوليساريو.
-هل كان من السهل على غانا التخلص من قوة تأثير جنوب إفريقيا؟
لجنوب إفريقيا قوة تأثير كبيرة على الدول المحيطة بها، وتخلص غانا منها يبين أن هاته القوة بدأت في التراجع، بحكم اعتراف أكبر دولة بمغربية الصحراء، والذي خلق كل هاته الحركية. تأثير أمريكا كسر شوكة جنوب إفريقيا، والدليل هو الخلافات التي باتت قائمة داخل الحزب الحاكم لهذه الأخيرة، وبدء إعادة النظر في أيهما أكثر فائدة لبلادهم، هل التحالف مع المغرب أم التحالف مع الجزائر؟
كما لا يجب أن ننسى اعتراف فرنسا، التي تمتلك هي الأخرى الحق في تقرير المصير، وربما إن انضافت بريطانيا، ستصبح كفة المغرب هي المرجحة، بامتياز.