"شيخ الباكالوريا".. حكاية من يؤمن أن "المطالعة صابون الدماغ"

عبد الرحيم سموكني

كان عليه أن ينتظر مرور نصف قرن، وتحديدا 51 عاما، ليقرر العودة إلى الدراسة من بابها الواسع، ويتوج مساره التعليمي الذي استأنفه سنة 2014 بنيل شهادة الباكالوريا، ويخلق الحدث كأكبر مترشح في المغرب ينجح في رهان الدراسة وهو في عمر 69 عاما...

تمثل حكاية لحسن الشاكيري، المزداد في قرية تنغير الواقعة جنوب شرق المغرب قبيل الاستقلال، درسا لكثيرين؛ "أردت أن أقدم لنفسي درسا في المثابرة، فاكتشفت أن حكايتي تمثل درسا بحد ذاتها لآخرين"، هكذا علق لحسن الشاكيري بلهجته السوسية وهو يتحدث إلى "تيل كيل عربي".

بداية "الإنعاش" والهجرة

يروي لحسن الشاكيري، الذي خلق الحدث على الصعيد الوطني، ليس لأنه نال شهادة الباكالوريا عن عمر متقدم، وإنما لأنه توج مساره التعليمي الذي استأنفه منذ 2014، عندما قرر العودة إلى الدراسة بدءا من المرحلة الإعدادية.

"في 1967 اضطررت إلى التوقف عن الدراسة بسبب الأوضاع المالية والاجتماعية لأسرتي، وأنا في سن السابعة عشرة، فاشتغلت في أوراش تابعة للإنعاش الوطني طيلة ثلاث سنوات، قبل أن أقرر الهجرة إلى الديار الفرنسية".

استقر لحسن في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، حيث تابع تكوينا في مهنة الميكانيك، قبل أن يحصل على عمل هناك، يوضح الشاكيري "في فرنسا تقوى حبي للمطالعة، فكنت أعشق أدب عصر الأنوار، الذي يرصد التحولات المجتمعية والاقتصادية لفرنسا، فتأثرت بروايات إميل زولا وبالزاك، وتوطدت علاقاتي بالمطالعة".

"الميكانيك" في تنغير

في سنة 1982، سيقرر لحسن الشاكيري العودة نهائيا إلى المغرب، ليبدأ مغامرة فتح ورشة للميكانيك في بلدته تنغير، وهو المشروع الذي لم يكتب له النجاح، ليقرر الالتحاق بإحدى الشركات المنجمية في المنطقة، والتي اشتغل فيها حتى حصوله على التقاعد.

يعزو لحسن قراره العودة إلى حجرات الدراسة إلى مشاهدته ربورطاجا صحافيا في إحدى القنوات الفرنسية حول التحصيل العلمي في اليابان، "أبهرني حب اليابانيين للعلم، فهناك حيث تنعدم الأمية، لا يمكن أن تجد مواطنا يابانيا لا يتوفر على شهادة الباكالوريا، حينها عزمت على العودة إلى الدراسة، وهو القرار الذي شجعني عليه أصدقاء كثر".

لم تحبط عزائم لحسن عندما أخبروه أن عليه تكرار القسم التاسع إعدادي إن أراد الالتحاق بالثانوي، وبالتالي الترشح لنيل شهادة الباكالوريا، يقول "في 2014 عدت إلى الإعدادية التي درست بها قبل أكثر من أربعين عاما، فنلت شهادة الإعدادي، ما خول لي الالتحاق بالمستوى الثانوي، ومن هنا بدأت الرحلة".

حكاية المثابرة لم تقف فقط عند دخول المرحلة الثانوية، فحتى عندما وصل إلى السنة الثالثة ثانوي، ورغم حصوله على معدل 9,88، لم يستسلم لحسن الشاكيري، وقرر المواصلة عبر خوض الدورة الاستدراكية، وهو ما تأتى له بحصوله على معدل 11,29 في ثانوية بومالن دادس في بلدة تنغير الصغيرة.

يقول "ما شجعني على النجاح، هو السند الذي قدمه لي أصدقائي، خاصة أساتذة الثانوية، الذين أعانوني في منهجية الإعداد للامتحان النهائي".

عشق لغة "الأنوار"

يحمل هذا الأب لستة أولاد ذكور مشاريع مستقبلية في الدراسة، فرغم تقاعده عن العمل من شركة للتنقيب المنجمي في المنطقة، يعتزم لحسن الشاكيري مواصلة دراسته العليا في تخصص الأدب الفرنسي، خاصة وأنه يقدم نفسه على أنه قارئ نهم للأعمال الروائية والأدبية الفرنسية، يقول "افترقت عن الكتب في فترة الإعداد للامتحان، أما قبلها، فكنت وفيا للمطالعة، لأنها صابون الدماغ، وأي مجتمع لا يقرأ ولا يطالع لن يكون مجتمع معرفة أبدا".

ينوي لحسن شاكيري الانتقال للدراسة في الكلية المتعددة الاختصاصات في مدينة الرشيدية، أقرب نقطة لمدينته تنغير، رافضا التسجيل في الحي الجامعي؛ إذ يفضل كراء مسكن على مزاحمة الشباب المحتاج لغرفة في حي جامعي.

ويتابع قائلا "الآداب الفرنسية أقرب إلى قلبي، بحكم نوعية الكتب التي أقرأ، إذ تتنوع بين أدب عصر الأنوار وروايات الخيال العلمي، وأغلب الكتب أقرأها بالفرنسية، كما أن التخصصات المتاحة في الرشيدية تجعلني أميل أكثر إلى هذا الخيار، كما أن لدي ثلاثة أبناء حاصلون على الإجازة في الأدب الفرنسي، وبينهم أستاذ ثانوي يشتغل في مدينة إملشيل".