في طنجة يعيش عدد من الشيعة المغاربة، الذين اختاروا التوشح بعباءة الحسين، وممارسة طقوسهم ومعتقداتهم المذهبية سراً، منها حسب ما ستكشفه "تيلكيل عربي"، تسهيل زواج المتعة بينهم، وكيف يناورون لزيارة مقام كربلاء عبر دولة أوروبية، وكذا حديثهم عن إمام شيعي يؤم المصلين دون إشهار مذهبه، فضلاً عن إقامتهم لصلواتهم جماعة داخل مساجد يكشفون أسماءها.
لقاءات كثيرة تبوح بأسرارها في طنجة، ففي عروس الشمال يلتقي المتوسط والأطلنطي في انسجام كبير على ضفاف "كاب سبارطيل"، ويلتقي كذلك الشيعة بالسنة في مختلف الشوارع، دون مشاكل توقظ أماني شيعية تقوم على بعثة شمس المهدي التي يريدونها اشراقة من المغرب الأقصى.
سنة 2012، كانت شاهدة على أقوى خرجات الشيعة التي أعلن فيها الحسينيون عن أنفسهم بالمدينة، عقب جنازة دفن الإمام المغربي الشيعي عبد الله الدهدوه بعد مقتله على يدي سلفي حرقا ببلجيكا، لكن الدولة سرعانما حولت الزاوية الحادة التي أطل منها "أتباع أل البيت"، إلى دائرة استكان فيها 5000 شيعي مستقر بطنجة إلى السرية.
"تيلكيل عربي"، زارت بعضا من شيعة طنجة، وأوضحت لكم على لسانهم علاقة بعضهم بالخارج؟ وطقوسهم التي يحيون بها مختلف شعائرهم الدينية؟
عاصمة التشيع المغربي
جولة داخل المدينة القديمة بطنجة يوم الجمعة، بعد صلاة العصر، تطرب مسامع المار بمديح يأتي من مختلف أرجاء الفضاء، لكنه أكثر قوة بمقربة الزاوية الصديقية ذات الصيت الكبير في شمال المغرب، بمرشدها الحافظ محمد الصديق، الذي ولد سنة 1295 هجرية، وكان معروفا بانتقاده الشديد لمعاوية بن أبي سفيان في العديد من كتبه، ما شكل أرضية للنقاش حول صراع معاوية وعلي ومكانة آل البيت، في مجموعة من مدن الشمال المغربي، كما يوضح مصدر من داخل الزاوية لـ"تيلكيل عربي".
مصدر "تيلكيل عربي"، أضاف أنه رغم سنية الزاوية، التي كان الشيخ عبد الباري الزمزمي آخر أبناءها المعروفين، إلا أن كسرها لإرث معاوية ورمزيته، إلى درجة أن الحافظ محمد كان يحمل دائما وردا يلعن فيه بطش معاوية، جعل تشيعها المحمود إلى أل البيت، ينقلب إلى مدخل من أجل نشر التشيع بالمنطقة، مطلع تسعينيات القرن الماضي.
من جهته، حمزة، مغربي متشيع منذ ما يقارب 6 سنوات، يرى أن "المغاربة ليسوا حديثي العهد باتباع الحسين، حيث جاء ذلك على فترات، فإدريس الأول كان من آل البيت ومناصرا لهم، لكن الارتدادات التي شهدتها البلاد من توالي الأسر الحاكمة جعل المغاربة يتأثرون بتسنن الشرق".
حمزة الذي التقى "تيلكيل عربي"، بالخاتم الشيعي المعروف، ويخص "أهل البيت والمقربين من الملائكة"، كما يعتقد الشيعة، أضاف أنه إلى حدود "السبعينيات من القرن الماضي، لم يكن التشيع يشكل أدنى إشكال بالنسبة للمغاربة، فالعديد من الأحياء الشمالية تحمل أسماء شيعية مثل زقاق كربلاء وعلي زين العابدين وجعفر الصادق، وإلى وقت قريب كان أذان صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء يرفع في كل ساعة نظرا لغياب وقت مضبوط له، وهذا يعتبر من عوائد الشيعة التي استمرت بكل مساجد الشمال، ولا تزال إلى حدود اليوم في مدينة شفشاون".
عادات وطقوس
في مقامها بمدينة طنجة، التقت "تيلكيل عربي"، بمصدر معروف من شيعة المدينة، وتحدث عن تواجد أزيد من 5000 شيعي بالشمال، يتمركز الأغلبية منهم بطنجة، ويمارسون الطقوس بسرية في منازل الأفراد في مختلف أحياء المدينة القديمة، لكن الطقوس هنا لا تشبه ما يسوقه الإعلام في كربلاء من لطم وضرب، حسب المصدر ذاته، فالناس يجتمعون بشكل عادي ويمارسون شعائرهم من إنشاد وأذكار، ويصلون صلاتهم التي تختلف في بعض الجزئيات البسيطة عن صلاة أهل السنة والجماعة، عبر الصلاة على تربة كربلاء التي يتم استقدامها عبر بلجيكا، والصلاة بالسدل عوض القبض.
الشيعي الذي رفض ذكر اسمه "تلافيا للمشاكل" حسب قوله، أوضح أن "أغلبية شيعة طنجة يعملون بفتاوى سماحة السيد الحسين فضل الله اللبناني، التي لا تعتقد كثيرا بالطقوس، فهم يخوضون معركة الحسين كل يوم، لأنه كما خرج الحسين لنصرة الدين، شيعة المغرب كذلك يخرجون لنصرة الدين".
المصدر ذاته، قال إنه رغم "المضايقات"، فـ"شيعة طنجة، يصلون بشكل دوري الصلاة الجماعية، خصوصا بالجامع الكبير وجامع القرية بمرشان، وجامع القصبة، ويحاولون ألا يلفتوا النظر، فعوض تربة أو حجر كربلاء، يكتفون بسجادة، كي لا يضعوا جباههم على ما هو اصطناعي"، حسب إيمانهم.
"تيلكيل عربي" استفسرت المصدر، عن "بعض الأمور التي يسمح بها المذهب الشيعي، لكنها صعبة التنفيذ ولو بشكل سري هنا بالمغرب، مثل زواج المتعة، وأكد لنا أن العديد من أصدقائه الشيعة هنا بطنجة، يتزوجون زواج المتعة ببنات شيعيات أو من لدن أباء شيعة يقبلون تزويج بناتهم، لكن الأمر لا يتم بسهولة فشروط زواج المتعة معقدة جدا، وليس في استطاعة أي كان أن يقوم به".
العلاقة بالخارج
في الحديث عن العلاقة بالشرق، بدا حمزة أكثر تحمسا للحديث، وكشف أن "كربلاء عرضت عليه زيارتها غير ما مرة لإحياء الذكرى الحسينية، لكن الظروف حالت دون ذلك، مضيفا أن الذهاب إليها أمنية العديد من الشيعة المغاربة الذين يزورونها لإحياء ذكرى الحسين بشكل سنوي، لكن عبر بلجيكا، التي يتمركز بها عدد كبير من العائلات المغربية الشيعية، وتوفر لهم ظروف سفر جيدة نحو العراق، مقارنة بالمغرب، الذي يضع إجراءات مشددة للمسافرين إلى بلاد الرافدين".
حمزة سجل أن "جميع المتشيعين المغاربة حتى الذين ذهبوا عبر بلجيكا إلى كربلاء، تعرضوا لجلسات استنطاق وتحري عندما وجد طابع الدولة العراقية على جوازات سفرهم، من أجل معرفة كل المعلومات المرتبطة بالشيعة المغاربة، عددهم؟ وانتماءهم؟".
في السياق ذاته، لا ينفي حمزة أنه "حتى ولو كانت هناك محاولات لتوغل التشيع الإيراني في المغرب، فالأمر بالنسبة له عادي، فكما ينشر المغرب فهمه للدين بإفريقيا، تعمل إيران كذلك على نشر فهمها، فالعالم لم يعد قرية صغيرة من أجل إيقاف الأفكار، إضافة إلى أن الشيعة ليسوا فتنة كما تصفهم الفضائيات، فالعديد منهم يتواجد ببلدان الخليج كالبحرين والكويت التي يتقلدون فيها مناصب وزارية هامة في حضرة ملك سني".
شيعة بنفحة علمانية
سألنا حمزة عن ما إذا كان شيعة طنجة، يعتبرون علمنة الدولة حلا من أجل فضاء أرحب يعيش فيه الجميع، فأجاب بأن أغلبية شيعة طنجة لا يعتقدون بالتصور الشيعي القديم، فالكلاسيكيون منا بعد مأزق غيبة الإمام ركنوا إلى جنبات التاريخ، لذلك علينا أن نتحرك ونكون فاعلين في المجتمعات التي نكون فيها كثر أو قلة رغم أن الشيعة لا يعتبرون أنفسهم قلة، بل جزء من الأمة".
المصدر ذاته ختم جلسته مع "تيلكيل عربي"، بـالقول "إن المغاربة عليهم أن يدركوا، أن ما يؤمن به شيعة طنجة مختلف، فمنا الأستاذة الجامعيون والمحامون، بل وحتى إمام مسجد يصلي بالناس هنا يخفي تشيعه، وهذا يوضح حجم السلم الذي نحمله في نفوسنا، فإذا كانت الولاية شأنا إلهيا لدى الإيرانيين فنحن لا نبحث سوى عن تكريم الله للإنسان، بعيدا عن العقل البدوي الذي دمر الفكر لدى المسلمين، ومحو التشنج الطارئ بين الشيعة والسنة، والذي نرده إلى المصالح السياسية التي تخاف التشيع الخارج من جوانب التاريخ ليصنع التاريخ، ويهدد دولهم المبنية بالملح كما يقول الأديب عبد الرحمان منيف، مع قليل من التصرف".