بوعلام صنصال، من الكتاب الجزائريين الذين لا يترددون في انتقاد نظام بوتفليقة منذ سنوات عديدة. ويرى في هذا الحوار، الذي أجري قبل قرار بوتفليقة الاستقالة، اليوم، أن رحيل الرئيس الجزائري غير كاف بل يجب كذلك إحداث تغيير عميق على الجيش وجعله تابعا للسلطة السياسية وليس قائدا لها.
إقرأ أيضا.. داود: الجزائريون لا يريدون زوال الدولة بل نهاية النظام.
- اعتبر معارضو الولاية الخامسة لبوتفليقة الإعلان عن تأجيل الانتخابات الرئاسية وعقد مؤتمر وطني مجرد مناورة هدفها ربح الوقت. هل لدى النظام بالجزائر أوراق أخرى تخول له التحكم في الوضع أمام الغضب المتصاعد للشارع؟
للسلطة بالجزائر تجربة طويلة في الاستبداد والتحكم في رقاب الناس. ولما تحس أن الوضع تجاوزها، تنتقل إلى القمع وحتى الترهيب. وقد فضل بوتفليقة، اعتمادا على الريع النفطي السخي، نهج سبل الفساد لتشكيل حاشية وفية له وشراء السلم الاجتماعي بالإعانات المالية. هذه الخطة نجحت خلال ولاياته الرئاسية الثلاث الأولى(1999-2013). ولكن انطلاقا من 2010، انهارت أسعار البترول، وأخذ معين الريع ينضب شيئا فشيئا. واضطر بوتفليقة إلى الغرف من احتياط العملة (حوالي 200 مليار دولار كان قد وضعها جانبا لتأمين نظامه)، وبعد أن استهلك هذا الاحتياط لجأ إلى طابعة الأوراق المالية لأداء أجور الموظفين وتأمين النفقات الجارية للدولة.
وجاءت الجلطة التي أصيب بها في 2013 لتعقد الأمور أكثر، إذ لم يعد هناك أي ربان لقيادة مركب الجزائر. وبما أنه مستبد حقيقي، فقد احتفظ بوتفليقة بكل السلط بين يديه، فتعثرت الآلة وأخذ المركب يترنح في غيابه. وارتفعت درجة الاحتجاجات بشكل ملموس خلال هذه الولاية الرابعة الغريبة (2014-2019) التي اختفى خلالها بوتفليقة وتوزعت فيها السلطة بين عدة مراكز للقرار، بعضها خفية تماما.
اليوم، لم تعد الجزائر، التي تعطل اقتصادها، تتوفر على الوسائل الكفيلة بشراء السلم الاجتماعي، ولم يعد اللجوء إلى التمويل غير التقليدي (طابعة الأوراق المالية) ممكنا، لأنه يتسبب في التضخم بشكل خطير. إذن لم يتبق للنظام سوى القمع والترهيب لضمان بقائه. هل سيسلك هذه الطريق؟ هل ستتبعه أجهزة الأمن (الجيش، الشرطة، المخابرات...)؟ هذا هو السؤال المطروح بإلحاح اليوم.
يثير السلوك المثالي للمتظاهرين وحسهم الإبداعي إعجاب العالم(...) هل تعتقد أن هؤلاء سيظلون متمسكين بالطابع السلمي لحراكهم أمام نظام أصم وأبكم؟
هم يواجهون معضلة حقيقية. فطالما تظاهروا بسلم، لا يخشى النظام شيئا. وسيراهن على الزمن، لأنه يعرف أنهم، كما حصل مع السترات الصفراء في فرنسا، سيتعبون مع مرور الوقت وسيفقدون ذلك الحماس الذي كان يوحدهم في بداية الاحتجاجات. ولن يتطلب الأمر كثير عناء لتفريقهم إذاك، وعزلهم وربما حتى اعتقال أولئك الذين برزوا كقائدين للحراك، ومن ثمة استعادة السيطرة على زمام الأمور بشكل كامل.
بالتالي، وأمام إحساسهم بأن جهودهم لم تلق النجاح، سيتطرف بعض المحتجين، وسيسعون إلى مهاجمة قلاع النظام: القصر الحكومي، القصر الرئاسي، البرلمان، مقر التلفزة... وخلف هذا النزوع نحو التطرف سنجد المعسكرات المنافسة لمعسكر بوتفليقة أو الإسلاميين الذين يحلمون بـ"جهاد" جديد.
في هذه الحالة، سيقوم النظام بما اعتاد القيام به لما يكون مهددا: سيقمع بشكل كبير بيد، وسيعمد بالأخرى إلى شراء كل من يمكن شراءهم حتى يبث الفرقة في صفوف المعارضين.
يجب على المتظاهرين إذن البحث عن السبيل الأكثر نجاعة، السبيل التي ستدفع النظام إلى الاستسلام دون الانزلاق إلى سفك الدماء.
سيقوم النظام بما اعتاد القيام به لما يكون مهددا: سيقمع بشكل كبير بيد، وسيعمد بالأخرى إلى شراء كل من يمكن شراءهم
في حوار لك قلت مؤخرا: "النظام لن يسقط"، لأنه "يتحكم في البلاد بشكل كامل". في هذه الحالة، كيف سيكون مآل الحراك؟
إن النظام يتوفر على الوسائل التي تخول له تنفيذ كل أشكال العنف الممكنة، وقد برهن على هذا الأمر على مر الزمن. ولا أرى اليوم كيف يمكنه القبول بإزالته من طرف حشود مسالمة وتقديمه للعدالة، وهو يتوفر على وسائل حديثة وأكثر فعالية، وعلى شرطة لمكافحة الشغب منضبطة ومدربة بشكل جيد. بالتالي، وعلى سبيل الاحتراز، لا يجب استبعاد فرضية لجوء النظام إلى استعمال القوة لما سيحس بأنه محشور في الزاوية الضيقة.
ما هو مآل الحراك إذن؟ في رأيي، يجب على المحتجين الإكثار من نشر صور الاحتجاجات لتوطيد وتعزيز موجة التعاطف التي يبديها العالم معهم، وإقناع رجال الشرطة والجنود بأن الاحتجاجات الحالية ملك لهم أيضا، لأنه يعتبرون بدورهم من ضحايا النظام، وأنا واثق من كون العديد من رجال الشرطة والجنود الشباب يؤيدون المحتجين.
يجب عليهم كذلك دعوة أحزاب المعارضة وشخصيات المجتمع المدني إلى الوقوف بجانبهم وحمل صوتهم الاحتجاجي إلى الحكومات الأجنبية، وحثها على التوقف عن مساندة الاستبداد.
إن النظام، مثل مصاصي الدماء، يخشى النور، لهذا يتعين الإكثار من الإضاءة لبث الرعب فيه وبالتالي طرده.
يجب على الصحافة المستقلة، التي انخرطت في الاحتجاجات، أن تخرج الآن المعلومات التي لديها حول رجال النظام: فسادهم، اختلاساتهم، تواطؤهم مع البلدان والمصالح الأجنبية...
إن النظام، مثل مصاصي الدماء، يخشى النور، لهذا يتعين الإكثار من الإضاءة لبث الرعب فيه وبالتالي طرده
يجمع العديد من المتخصصين على القول إن الجيش الجزائري هو صانع الرؤساء. هل هذه الصورة تعكس الدور الحقيقي الذي يلعبه الجيش بالجزائر؟
إن الجيش هو السلطة الحقيقية بالجزائر، وهذا منذ استقلال البلاد بل وحتى قبل ذلك. فهو الذي يختار المسؤولين الرئيسيين: الرئيس، الوزير الأول، الوزراء، الولاة، السفراء، النواب والمستشارون، الموظفون السامون في القطاعات الحساسة. وهو صاحب القرار في الملفات الكبرى. لهذا لا يكفي رحيل بوتفليقة فقط، بل يجب عزل رئيس أركان الجيش، والعمل على إحداث تغيير عميق بهذه المؤسسة وإبعادها عن السياسة، وجعلها تحت وصاية السلطة السياسية.
إبان الربيع العربي، ظل الإسلاميون في تونس ومصر، قابعين في الظل، حتى ينقضوا، في الوقت المناسب، على الاحتجاجات ويوظفوها للوصول إلى السلطة. هل هذا هو الوضع في الجزائر اليوم؟
(...) إن الإسلاميين الجزائريين اليوم ليسوا هم إسلاميو الربيع الجزائري في 1988، والذين رموا البلاد في مستنقع النار والدم خلال ذلك العقد الأسود. بل هم، مثل غالبية المحتجين، ولدوا بعد الحرب الأهلية.
بناء على ما رأيت وما أكده عدة ملاحظين، فالإسلاميون حاضرون وسط المحتجين ويرفعون نفس الشعارات، فهم يريدون "إسقاط النظام".
لم يرفعوا في أي لحظة الشعارات المعتادة لدى الإسلاميين. وأولئك الذين جهروا بها خلال مظاهرة 22 فبراير، تم طردهم بسرعة من طرف المحتجين الآخرين، خوفا من أن تدفع تلك الشعارات ذات النبرة الجهادية السلطة إلى قمع الجميع.
ولكن الإسلاميين حاضرون بقوة على الشبكات الاجتماعية وعلى وسائلهم الإعلامية، وهم من أشرس مهاجمي النظام. أما الإسلاميون المتشددون فهم يفضلون العيش في السر وينظمون أنفسهم للاستفادة من الفوضى إن حلت بالبلاد.
بما أن السلطة تبدو غير مبالية بغضب الشارع، هل يمكن أن تتحول حركة الاحتجاجات إلى ثورة حقيقية؟
طبعا ممكن، ولكن، بكل صراحة، مازلنا بعيدين عن هذا المنعطف. إذ يجب أولا أن ينضم المثقفون بكثافة إلى الحركة الاحتجاجية، ثم يتعين وضع التصورلمشروع مجتمعي مبتكر ومعه قاداته، وإرساء الأليات الضرورية لترجمته على أرض الواقع.
ولكن ما أنتجته الثورات في العالم يدفعنا إلى مناشدة المحتجين والمثقفين الحالمين بالثورة، أن يتريثوا. فالخطر كبير اليوم في بلد راكم، رغما عنه ومنذ زمن طويل، الكثير من الغضب، والضغائن، والأحقاد، والرغبات في الانتقام...
في نظري، يجب في هذه المرحلة الاكتفاء بقلب النظام، وإنشاء آلية للحقيقة والعدالة (كما فعل المغرب وجنوب إفريقيا، اللذين تمكنا من القيام بانتقال سلس للسلطة)، ثم بعد ذلكبناء دولة عصرية تقوم على الحق والقانون. الثورة يمكنها أن تنتظر، يجب أولا بناء دولة تشتغل بطريقة سليمة.
ترجمة عن "تيل كيل"