احتضنت قاعة الندوات التابعة للمعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية ندوة علمية لتقديم كتاب محمد السنوسي، الأكاديمي ورئيس المجلس المغربي للشؤون الخارجية، المعنون بـ"عالم ما بعد طوفان الأقصى: مفارقات الغرب ونهاية النظام الدولي".
هذا العمل، الذي وصفه عدد من النقاد بـ"الصدمة الفكرية"، يرصد تحول "طوفان الأقصى" إلى لحظة تاريخية كاشفة، فضحت هشاشة النظام الدولي وازدواجية المعايير الغربية، داعيا إلى إعادة بناء نظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب.
في مداخلته الافتتاحية، أوضح السنوسي أن هذا المؤلف هو ثمرة سنوات من البحث النقدي الرصين، يسائل من خلاله الأسس النظرية التي يقوم عليها النظام الدولي، مؤكدا أن الأدوات الفكرية التقليدية، كالنظرية الواقعية والليبرالية، أصبحت عاجزة عن تفسير التصدعات الجيوسياسية الراهنة، لا سيما بعد "طوفان الأقصى" الذي عرى تناقضات الخطاب الغربي، وكشف زيف الشعارات المتعلقة بحقوق الإنسان والشرعية الدولية، في ظل التواطؤ الفاضح مع الجرائم المرتكبة في غزة.
وأشار إلى أن المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، أصبحت فاقدة للشرعية، بعدما تحولت إلى أدوات لخدمة مصالح القوى الكبرى، في وقت يشهد العالم صعود قوى ناشئة، مثل الصين وروسيا وتركيا والبرازيل، تتحدى الهيمنة الغربية وتدعو إلى نظام عالمي يعكس مصالح الجنوب العالمي.
أفرد السنوسي فصلا خاصا لتحليل "طوفان الأقصى" باعتباره "زلزالا جيوسياسيا"، لم يسقط فقط أسطورة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم"، بل عرى أيضا الوجه الاستعماري للنظام العالمي، من خلال الدعم الغربي اللامشروط لإسرائيل، وتشويه نضال الشعب الفلسطيني عبر وصمه بـ"الإرهاب".
ودعا المؤلف إلى صحوة ضمير عالمية، لافتا إلى أن المظاهرات الدولية أظهرت تغيرا جذريا في وعي الشعوب، التي لم تعد تصدق الرواية الغربية المهيمنة، مشددا على أن "الدبلوماسية الشعبية" أصبحت قادرة على كسر هيمنة الإعلام المسيطر.
في الجانب الاستشرافي، يطرح الكتاب ملامح نظام عالمي جديد، يقوم على أسس العدالة والتعددية الحضارية، ويقتضي، برأي السنوسي، إصلاح منظمة الأمم المتحدة، وإنهاء نظام الفيتو، والاعتراف بشرعية النماذج التنموية غير الغربية، كالصين والهند.
وأكد أن الحق المشروع في المقاومة يجب أن يكون مكونا أصيلا في أي نظام دولي عادل، باعتباره ضمانة لتحرر الشعوب من الاستعمار، مستشهدا بنصوص القانون الدولي.
وشدد السنوسي على أن غزة أصبحت محكا لأخلاقيات النظام العالمي، وأن أي مشروع إصلاحي حقيقي لا يمكن أن يكتب له النجاح دون الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني.
وحذر من أن استمرار التواطؤ الغربي سيسرع من انهيار شرعية النظام القائم، ويفتح الباب أمام نظام عالمي بديل يعيد الاعتبار للقيم الإنسانية الجامعة.
أجمع عدد من الخبراء الذين حضروا الندوة على أن الكتاب يمثل "جرأة نادرة في تفكيك تابوهات النظام العالمي"، بينما اعتبره آخرون "رؤية فكرية ثورية" تمهد لتأسيس نظام دولي جديد يتجاوز منطق الهيمنة الغربية، ويستجيب لمتطلبات العدالة والكرامة المشتركة.