دعا أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، إلى استحضار منظومة "القيم البانية" أثناء وضع تصور النموذج التنموي الجديد.
واعتبر عبادي، الذي كان يتحدث أمس الثلاثاء أمام أعضاء لجنة النموذج التنموي الجديد، بحضور رئيسها شكيب بنموسى، أن "توحيد التصور يقتضي الإجابة عن الأسئلة الكبرى حول الوجود والكينونة انطلاقا من تغذيته بالعلوم"، مشيرا، في هذا الصدد، إلى أن الجغرافيا بدورها تضع تصورا للعالم والوجود.
وقال عبادي "الجغرافيا هي تصور للعالم في نهاية المطاف، فتصور الجغرافيا في إطار الحركة الميركنتيلية وضع أوروبا في مركز العالم، مقابل تهميش دور إفريقيا وآسيا". "ومن تم، فإن أي نموذج يقوم على رؤية كلية تضع تصورا للذات وللآخر والغايات المراد تحقيقها"، يؤكد عبادي مشددا على أن هذه الرؤية الكلية هي التي تستمد منها القيم والمعالم والمقاييس التي يقيم بها الناس ويأخذون منازلهم الاجتماعية"، معتبرا أن قيمة ومكانة الأفراد تقيم بمدى تعزيزهم لقيم المجتمع. وضرب عبادي مثلا بالفروسية وقال "إن الفروسية والشجاعة كانت تعتبر قيمة، بالنظر لوظيفتها التوسعية أو الحمائية انطلاقا من رؤية كلية للذات والوجود".
ويرى عبادي أن "القوانين تحمي القيم لأنها مستمدة منها، فلا يمكن أن نفهم القاعدة القانونية والنظام القانوني إذا لم نعرف القيم السائدة"، مشيرا إلى أن القوانين التي لا تستحضر قيم المجتمع تواجه بالرفض عكس القوانين المنحوتة في تصور المجتمع وتمثلاته.
وتابع "لهذا نجد إنسانا عاميا يردد عبارة 'أنا معك بالله وبالشرع، لأن له تصور يقوم على وجود حساب وإله مالك، وأن هناك شرعا يحمي القيم المشتركة".
"الحداثة السائلة"
وإذا كانت القيم هي تمثلات المجتمع حول الذات والآخر، فإن هذه القيم أصبحت في مواجهة المؤثرات الخارجية، أو "الحداثة السائلة"، بتعبير زجمونت باومان"، يقول عبادي.
ويضيف عبادي "قديما كانت القيم موحدة لغياب التأثير الخارجي، أما اليوم، فأصبحت القيم عابرة للحدود بسبب الأنترنت، مما يؤدي إلى مصفوفة قيم غير ثابتة"، معتبرا أن كل من يكتسب قيمة جديدة عبر الأنترنت ينشرها وسط مجموعته.
مؤسسات إنتاج القيم
في هذا الصدد، يرى عبادي أن المجتمع ليس كتلة موحدة يمكن مخاطبتها بلغة واحدة، فالمجتمع يضم الأسرة والطفولة واليافعين والشباب والمؤثرين والمؤثرات بمختلف مشاربهم، والفنانين والشعراء، والحكام. وتابع "هذه الفئات بدورها ليست نموذجا موحدا، بل تنتمي لمشارب مختلفة".
واسترسل عبادي "إن الأسرة الممتدة كانت تلعب دورا في زرع القيم، أما اليوم فنجد أسرة صغيرة في شقة يتم تكوينها دون استعداد ولا أهلية ، ولا يستطيع فيها الأبوان استثمار وقتهم مع أبنائهم، إذ أن جل الوقت يخصص للكسب"
وأضاف "مؤسسة الأسرة اليوم فيها كلام، فهي تبني قيم لكنها لا تعرفها، ولا تعرف مناهج تلقينها إلا من خلال ما يتم الاطلاع عليه في الأنترنت"، مما فتح الباب أمام الأطفال لأخذ القيم من الكبسولات المرئية.
ويعتبر عبادي أن ضعف مؤسسات إنتاج القيم وحمايتها تسبب في ظهور عدد من الظواهر كـ"التشرميل" والاعتداء على الأساتذة.
مرصد القيم
الحديث عن القيم، بحسب عبادي، يقود إلى ضرورة معرفة القيم التي تروج في المجتمع، وتلك التي يراد زرعها، وهو ما يتطلب إنشاء مركز لرصد وتتبع القيم، داعيا إلى إنجاز دراسة حول أهداف ووظائف هذا المركز.
واعتبر عبادي أن إنشاء مركز لرصد وتتبع القيم سيمكن من معرفة القيم الإيجابية والسلبية في المجتمع، محذرا من التسرع في إصدار قوانين دون معرفة نموذج القيم، لأن ذلك يؤدي إلى رفضها، داعيا المشرع إلى أخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار.