يفصل خبير الحركات الاجتماعية وعالم الاجتماع المغربي عبدالرحمان رشيق في فك شفرات حملة المقاطعة الرائجة حاليا والمستهدفة لثلاث شركات مغربية بعينها، ويتحدث رشيق في حوار مع "تيل كيل" عن أسباب هذه الحملة وكيف كانت انطلاقتها، مصنفا المقاطعين إلى ثلاث فئات مجتمعية، كما يوضح الخلط السائد بين الدفاع عن الطبقات الاجتماعية الهشة وبين الركوب على مطالب اجتماعية لضرب أشخاص ذاتيين.
وصف بعض المعلقين حملة المقاطعة بأنها "20 فبراير اقتصادي" كيف تقيمون هذه الحركة؟
إن حملة المقاطعة هاته لا تمت بأي صلة للقيم العالمية والمواقف السياسية لحركة 20 فبراير. فالشعارات المرفوعة كانت مرتبطة بدمقرطة الحياة السياسية والعدالة والكرامة وتبني ملكية برلمانية ومحاربة الفساد. ففي حركة 20 فبراير كان الفاعلون والنشطاء معروفين وظاهرين في الفضاء العام، إذن فنحن أمام شكلين احتجاجين مختلفين تماما. وبالتالي فإننا لا يمكن أن نتجاهل التأثير الاقتصادي لحملة المقاطعة على السمعة التجارية لهاته العلامات، أو تأثيرها على المردود التجاري لهاته الشركات المستهدفة من المقاطعين.
هل يمكن القول إنها المرة الأولى التي يشهد فيها المغرب حركة اجتماعية رأت النور على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يرفض أصحابها الخروج إلى الاحتجاج في الشارع العام؟
لقد كانت كتائب إلكترونية في عام 2016، وذلك بعد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية وبعد البلوكاج الحكومي الناتج عن المفاوضات الرامية إلى تشكيل ائتلاف حكومي بقيادة عبدالإله بنكيران، كانت هذه الكتائب أول من دعا إلى مقاطعة محطات إفريقيا لتوزيع المحروقات، لأن رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ومالك المجموعة في الوقت ذاته، أصر على مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة في حين كان بنكيران يرفض ذلك بالبتة.
لكن تلك الدعوة إلى المقاطعة لم تلق صدى ولا تعاطفا كما هو جار الآن.
في اعتقادكم ما هي طبيعة أو نوعية المقاطعين؟
يمكننا أن نعرف ثلاث فئات من المحتجين أو المقاطعين: أولا هناك من نسميهم بمحترفي الاحتجاجات، والذين لديهم تصور مسبق عن الأهداف والاستراتيجيات، ولديهم مطالب محددة، كما يتوفرون على برامج أو مواقف سياسية أو إيديولوجية.
فبإمكان عشرات محترفي الاحتجاجات أن يعبؤوا مجموعات من الأشخاص، الذين نسميهم، المتعاطفين مع محترفي الاحتجاجات.
والفئة الثالثة والأخيرة هي من الناس العاديين أو التابعين، الذين يشكلون السواد الأعظم، أو الأغلبية العددية، وهم بالمناسبة من يؤمن نجاح هذا النوع من حملات المقاطعة.
فاختيار الموضوع أو الهدف، واختيار الخطاب المستعمل لإقناع الفئتين الثانية والثالثة، يتم عبر استهداف الشباب الغاضب والساخط على وضعه الاجتماعي.
الخطاب الرائج في مواقع التواصل الاجتماعي مرتبط بالدفاع عن القدرة الشرائية للطبقات الاجتماعية الشعبية، فهل هذا منطقي، علما مثلا أن المياه المعدنية لسيدي علي ليسj سلعة ولا منتوجا حيويا؟
إن الدفاع عن الفئات الاجتماعية الهشة أمر مشروع، فالاحتجاج على الرفع المتواصل لأسعار المواد المعيشية الرئيسية أمر مفهوم. ويمكنني أن أتفهم، مثلا، استنكار الزيادة في سعر العدس أو سمك السردين، والتي هي مواد غذائية مهمة في حياة الطبقات الفقيرة. لكن أن تجري مقاطعة مياه معدنية، وتحديدا ماء "سيدي علي"، فهذا يكشف عن استراتيجية دفينة تستهدف أبعد من الدفاع عن القدرة الشرائية لـ"الشعب".
فمحترفو المقاطعة ليسوا مرئيين ولا معروفين بل هم مختبؤون وراء خطاب مبسط وشعبوي لتهييج الشباب الساخط على وضعه الاجتماعي.
هناك بعض المنخرطين تلقائيا وعفويا في حملة المقاطعة، على أمل أن يشكلوا أداة ضغط على استمرار ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وهناك فئة أخرى تتبنى خطاب حقد يعتمد التشهير بأشخاص ذاتيين ويعادي النظام المجتمعي القائم.
هل هذا يعني أن هناك استهدافا مبيتا لشركات يملكها عزيز أخنوش ومريم بنصالح ؟
إذا افترضنا أن النشطاء الفايسبوكيين الواقفين وراء هذه الحملة لا يتوفرون على خلفيات مسبقة، فإن هذا يدفعنا إلى التساؤل: لماذا استهدفت الشركات الوطنية الثلاث بعينها، على حساب شركات وطنية وأجنية أخرى، والتي تنتج المواد الاستهلاكية نفسها؟ إذن فهل استهداف شركات تابعة لأخنوش ومريم بنصالح، محض صدفة؟..
كيف تجدون ردود فعل وتصريحات السياسيين من قبيل محمد بوسعيد ومنصف بلخياط بشأن المقاطعين؟
يمكننا القول إن بعض سياسيينا يتصرفون بانفعال ويدعون مشاعرهم تتحكم في ألسنتهم، ولا يحكمون عقلهم ولا منطقهم، فالتصريحات الأخيرة لم تزد الأمور إلا تعقيدا، وساهمت في تجييش الأفراد، الذين يتابعون الحملة خلف حواسيبهم أو لوحاتهم الرقمية أو هواتفهم الذكية. فالتدبير السياسي للسخط الجماعي فن تواصلي بامتياز، ولا يجب أن يولد الاستفزاز.