في الحكومة الثانية لمبارك البكاي سيشغل عبدالله إبراهيم منصب وزير الشغل والشؤون الاجتماعية وسيعتمد تشريعا اجتماعيا متطورا جدا مقارنة مع تلك الحقبة. كل هذا بالموازاة مع تعمق الخلافات داخل حزب الاستقلال.
لم تدم الحكومة الأولى بعد عودة السلطان سوى عشرة أشهر. إذ "في 27 أكتوبر 1956، ستتشكل الحكومة الثانية لمبارك البكاي التي سيشغل فيها حزب الاستقلال أغلبية الحقائب (10 من أصل 16 حقيبة وزارية).
وقبل عبد الله إبراهيم أن يتولى وزارة الشغل والشؤون الاجتماعية. عندما تسلم مهامه، في ظل أزمة مالية خانقة بسبب مغادرة رؤوس الأموال للبلاد وإغلاق المؤسسات الصناعية والتجارية وانتشار البطالة، قال إنه يواجه مهمة جليلة وصعبة : خلق قيم جديدة داخل المجتمع وإرساء مفاهيم ومبادئ قادرة على إيصال المواطن الى الكرامة والإنسان إلى الازدهار وتنمية شخصيته.
وسينخرط دون جدوى في محاولة لتوحيد الأجور بين منطقتي الجنوب والشمال بالبلاد، كما سيحاول جعل المغرب ينظم إلى عدة معاهدات واتفاقيات دولية. وسيناضل كذلك من أجل حصول المغاربة على مراكز المسؤولية في المؤسسات الصناعية والتجارية.
كان الاتحاد المغربي للشغل يتحدث عن 600 الف عضو. لم يكن عدد العمال يتجاوز 200 ألف ولكن عدد العاملين في القطاع الفلاحي كان يصل إلى 300 الف، فضلا عن كون عدد من التجار اختاروا الانضمام الى المركزية النقابية الحديثة.
رغم وعيه بالقوة التعبوية للاتحاد المغربي للشغل وأهمية حشوده، فإن عبدالله إبراهيم لم تكن لديه أوهام بخصوص وعيه الطبقي. بالنسبة إليه ليس كافيا أن تكون الطبقة العاملة مهيمنة بل كان يجب كذلك خلق أيديولوجية عمالية.
سيسمح بهجرة قوية للشباب من سوس نحو فرنسا لأن القطاع الصناعي الضعيف بالمغرب لم يعد قادرا على استيعاب كل هؤلاء العمال، كما اشتغل على إعداد ظهير حول الحق النقابي، وساهم كذلك في إعادة تنظيم الاتحاد المغربي للشغل.
وكانت له يد في إخراج ظهير آخر حول 25 ثم 90 اتفاقية جماعية كما نظم العمل بالقطاع الفلاحي وطبق ظهيرا حول ملائمة الأسعار مع مستوى الأجور.
باختصار، اعتمد تشريعا اجتماعيا طلائعيا مقارنة بتلك الحقبة. وقد دعم الباطرونا هذه الإصلاحات إذ كانت الكنفدرالية العامة لمقاولات المغرب (CGEM) التي تجمع ارباب المقاولات، تقول: يمكن القيام بكل شيء مع الاتحاد المغربي للشغل، ولكن لايمكن القيام باي شيء من دونه.
وحسب محمد بنسعيد ايت ايدر، فإن عبدالله إبراهيم كان يرفض أن تكون النقابة مجرد قناة لتمرير قرارات الحزب ولعل الخلافات بينه وبين أعضاء المكتب التنفيدي للاستقلال قد ظهرت في هذه الفترة.
ويقول أبوبكر القادري إن الرجل كان يتموقع في معسكر النقابة والمقاومة ضد الحزب، ويشدد القادري على التوجهات الفلسفية والعقدية اليسارية، وحتى البعثية في بعض الأحيان، لعبدالله إبراهيم.
ويقر ايت يدر ان الرجل كان ثوريا ولكنه كان إنسانا مسالما قبل كل شيء إذ كان يرفض اللجوء إلى العنف ويفضل النضال السياسي (...) ومع مرور الوقت ستتعمق خلافات داخل الاستقلال وستتكرس خلال ممارسة السلطة.