تحل الذكرى الأولى لرحيل الصحافي الأديب عبد الكريم غلاب، يوم الثلاثاء 14 غشت 2018، وهي فرصة للتوقف عند مسار الرجل الذي كان بحق من "الماهدين الخالدين"، كما وصف مجموعة من الشخصيات المغربية في أحد كتبه.
حياة حافلة قضاها الراحل عبد الكريم غلاب بين الكتب ومقرات حزب الاستقلال و"العلم" لا يمكن ابتسارها في بضعة أسطر، هو الذي قضى فقط على رأس لسان حال حزب "الميزان" أربعة عقود، وانتهت بتجرؤ مقص رقابة إدارة الحزب على أحد مقالاته!
كأن كان منذورا للعمل الوطني، فبعد ولادته بفاس سنة 1919، تلقى تعليمه الأول في المدارس الحرة، ليساهم في قراءة اللطيف بالقرويين، بعد صدور الظهير البربري 16 ماي 1930، وهي الجامعة التي التي التحق بكلتها ابتداء من سنة 1932.
بعد عامين، سيساهم الشاب غلاب في المظاهرات لتفعيل مطالب الشعب المغربي لسنة 1934، وبعد سنتين سيجد نفسه وراء القضبان.
في القاهرة مع طه حسين
بعد سجنه في 1936، سيسافر عبد الكريم غلاب إلى العاصمة المصرية القاهرة في أكتوبر سنة 1937، حيث التحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وهي فترة ذهبية في حياته، لأنه هناك سيتتلمذ على يد عميد الأدب العربي طه حسين، وخصوصا في سنة 1941.
وتشاء الأقدار أن يلتقي طه حسن بتلميذه المغربي النجيب، بعد أن صار إطارا في وزارة الخارجية، وأحد مؤسسي بنياتها، بالعاصمة الرباط سنة 1959، حيث سيتم استقبال عميد الأدب العربي بمقر الدبلوماسية المغربية.
وبالعودة إلى فترة القاهرة في حياة عبد الكريم غلاب، لابد من الإشارة إلى محطة مهمة لم يتوقف عندها كثيرا كتاب سيرته، وهي نشاطه السياسي في العاصمة المصرية للتوعية بقضية المغرب واستقلاله في بداية الأربعينيات. فقد شارك مع زملائه المغاربة في تأسيس "رابطة الدفاع عن مراكش" سنة 1943، لتقدم بعد ذلك هذه الرابطة مذكرة إلى سفارات الحلفاء والحكومة المصرية تطالب فيها باستقلال المغرب في يناير 1944.
ومن العلامات المضيئة في حياة الراحل، اختياره من طرف زملائه المغاربة والجزائريين والتونسيين أمينا عاما لمؤتمر المغرب العربي الذي عقد سنة 1947 وعنه نشأ مكتب المغرب العربي الذي قاد الكفاح في سبيل استقلال المغرب والجزائر وتونس.
ولعل أبرز حدث يذكره أبناؤه ويسجّلونه بمداد من ذهب، مساهمة غلاب بمصر في تحرير الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في ماي 1947 من قبضة فرنسا وهو في طريقه من لارينيون إلى مارسليا بعد 21 سنة من الأسر مع ثلة من الزعماء، أبرزهم الحبيب بورقيبة، علال الفاسي، وعبد الخالق الطريس.
صحافة واعتقال
لما عاد غلاب إلى المغرب في دجنبر 1948، ترأس تحرير مجلة "رسالة المغرب"، وعمل محررا في جريدة "العلم" حتى تم توقيفها بقرار من الإقامة العامة الفرنسية في دجنبر 1952، وهي السنة التي سيدخل فيها إلى قيادة حزب الاستقلال، حيث سيتم تعيينه عضوا في اللجنة التنفيذية المؤقتة مع عبد الرحيم بوعبيد، محمد الدويري ، البشير بلعباس، محمد القباج ومسعود الشيكر.
ولم تمض فترة طويلة، حتى وجد نفسه وراء القضبان مرة أخرى، حيث ألقي عليه القبض في 21 غشت 1953، بعد ساعات فقط من نفي السلطان محمد بن يوسف.
وبعد الاستقلال، تم تعيينه وزيرا مفوضا، وهي درجة دبلوماسية تخول صاحبها أن يصبح سفيرا، ومن هذا المنطلق كان عضوا مؤسسا لوزارة الخارجية المغربية بعد استقلال المغرب والتي كان على رأسها أمين عام حزب الاستقلال أحمد بلافريج.
لكن العمل الدبلوماسي لم يرق للراحل، فاستقال من منصبه وعاد إلى العمل في جريدة "العلم" كرئيس التحرير في يناير 1959، وفي السنة الموالية أصبح مديرا لها حتى 2004، وهي سنة استقالته.
في هذه الفترة الممتدة على أربعة عقود، انتخب عضوا في اللجنة التنفيذية لحزب "الميزان" سنة 1960، وفي سنة 1963، تم انتخابه، باقتراح من المهدي بن بركة، كأول كاتب عام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، وعاد إلى السجن في 1969 بصته مدير جريدة "العلم" حول مقال أراد فيه أن تكون السيادة للأمة!
في هذه الفترة تقريبا (1968) تقلد رئاسة اتحاد كتاب المغرب وتركها في سنة 1976. وفي العام الموالي انتخب عضوا في مجلس النواب عن سيدي البرنوصي بالعاصمة الاقتصادية، قبل أن يعود إليه سنة 1993 ممثلا عن سلا.
الأدب أولا
طيلة مساره، لم ينس غلاب الأدب، فقد ألف أكثر من 72 كتابا في الرواية والقصة والدراسات الأدبية والإسلامية والتاريخية والفكرية والعلوم السياسية والفقه الدستوري وترجمت بعضها إلى الانجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والكطلانية والأردية. وفاز بجائزة المغرب للكتاب ثلاث مرات عن رواياته "دفنا الماضي" سنة 1968 و"المعلم علي" سنة 1974 و"شروخ في المرايا" سنة 1994.
وبعدما قدم صاحب "دفنا الماضي" استقالته من جريدة "العلم" في عام 2004، عكف على تأليف أكثر من عشر مؤلفات...