في هذه الحلقة من كتاب "عبد الله إبراهيم.. تاريخ الفرص الضائعة" لزكيا داوود، سنتعرف على الظروف التي اعتقل فيها عبد الله إبراهيم لأول مرة، وسنطل على الأوضاع المتوترة في المغرب وبداية الكفاح الوطني عبر إنشاء "كتلة العمل الوطني".
تعرض عبد الله إبراهيم للاعتقال لأول مرة في 1933 ولم يتجاوز عمره 15 عاما بعد أن تظاهر ضد الباشا الكلاوي والحماية. "وتم عرضه على الباشا الذي حذره وهدده قبل أن يطلق سراحه، وقد أذهله هذا الفتى الخجول الذي قال عنه مساعدوه إنه محرض خطير يتمتع بالقدرة على التأثير في الناس وتأطيرهم.
وكان عبد الله إبراهيم يؤطر بالفعل الشباب والحرفيين وحتى المتسولين. كان يعرف كيف يحادثهم، ويعلمهم. كان يختلط بهم في حيه وفي المدارس التي يلقي فيها الدروس، وأخذ يتقاسم معهم حماسه النضالي وروح التضحية من أجل تحرير الوطن (...)
كانت 1933 سنةً مفصلية، إذ طفت خلالها إلى السطح أولى المطالب بالاستقلال. وأخذ الوطنيون الشباب يسمعون أصواتهم أكثر فأكثر. هكذا التقى الطلبة المغاربة بباريس في 19 ماي من هذا العام النواب الاشتراكيين الفرنسيين. وشرع بعضهم في مخالطة الحزب الشيوعي الفرنسي، مثل حسن الوزاني، الذي دعي من طرف هذا التنظيم إلى بروكسيل". كما جرت تحركات أخرى من طرف الوطنيين بكل من باريس وفاس.
في خضم هذا الجو المتوتر نوعا ما "تم إنشاء 'كتلة العمل الوطني' التي كان لديها 3 آلاف عضو بفاس، و1500 عضو بالرباط وسلا، 800 عضو آخرين بمكناس و700 بالدار البيضاء. ولم يحدد عدد المنتسبين إليها في مراكش(...). بعد عام، وبالضبط في 1 دجنبر 1934، أعدت 'كتلة العمل الوطني' برنامج الإصلاحات المغربية، وتم تقديمه إلى السلطان محمد بن يوسف، والمقيم العام، بل وتم إرسال نسخة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية. وجرى نشر هذا البرنامج على نطاق واسع خاصة بالقاهرة وباريس. ولقي دعما من مختلف القوى السياسية وشخصيات اليسار واليسار المتطرف بفرنسا. وأثار العديد من المظاهرات بالخصوص في فاس. ومن المرجح جدا أن الوطنيين بمراكش نقلوا نسخة من هذا البرنامج إلى الكلاوي"
والواقع أن النص الذي أعده الوطنيون "كان ذكيا ومتقنا إذ ذكر بمعاهدة الحماية لسنة 1912 حرفيا، وطالب بتطبيقها. بمعنى آخر، عارض النص انتقال السلطات الفرنسية إلى الإدارة المباشرة وانتقد وضع البلاد تحت الوصاية(...) وشدد على أن معاهدة الحماية كانت مؤقتة وتروم مساعدة المغرب على تحديث هياكله. وبالتالي فالمغرب ليس مستعمرة ولا يمكن التعامل معه كمستعمرة(...)"
واقترحت وثيقة "كتلة العمل الوطني" عدة إجراءات منها "فصل السلط، وحدة الإدارة، الحفاظ على الوحدة الترابية، وبالتالي إلغاء الجوازات للمرور بين مختلف مناطق البلاد، مشاركة المغاربة في ممارسة السلطة سواء في مجلس تمثيلي وطني يجب تكوينه أو في المجالس البلدية، إنشاء غرفة للتجارة، حماية الحرف، تشجيع التمدرس، وحماية اللغة العربية.
ثارت ثائرة السلطات الاستعمارية، ونفذت عدة اعتقالات، كما تم في باريس حظر مجلة "MAGHREB"، ورفعت قضايا ضد الوطنيين. في خضم هذا الاحتقان جرى اعتقال عبد الله إبراهيم من جديد ولم يتجاوز السادسة عشر من عمره.