كان عبد الله إبراهيم ينشد تغيير البلاد بعمق بعد تكليف بقيادة الحكومة، ولكنه وجد أمامه الكثير من الصعوبات.
"طالب عبد الله إبراهيم بحكومة عمل، وسيقول فيما بعد 'جئت بمشروع مجتمعي كنت أعددته على مدى سنوات، أثناء زياراتي إلى الأنظمة الشيوعية'.
وسعيا وراء تحقيق النجاعة الاقتصادية والاجتماعية، طالب رئيس الحكومة الجديد بتمكينه من السلطات الكافية التي تخول له تحرير المغرب اقتصاديا وعسكريا (القواعد الأجنبية) من فرنسا وإسبانيا، وإعداد الانتخابات الجماعية، وتخفيف التوتر خاصة بالريف. ووضع شرطا أساسيا لقبول هذه المهمة:" أن تكون له الصلاحيات في كل القطاعات الوزارية. وكان يريد أن يسترجع محمد عبد الكريم الخطابي ممتلكاته، ويسعى إلى مواصلة الإصلاحات التي أطلق عبد الرحيم بوعبيد إبان حكومة أحمد بلافريج، وأخيرا كان يصبو إلى وضع المغرب على السكة الصحيحة، مع رفضه الشامل والدائم لأي تسويات، ولكن كذلك مع أقصى درجات الصرامة وأعلى مستويات الإقدام.
سيتحدث فيما بعد عن الإصلاح الذي كان يريد إدخاله على الجهاز الحكومي ليصبح مسؤولا. كما تحدث عن تغيير جذري للوضع، وإنشاء حكومة ديمقراطية.
وأوضح أنه بدل أن يطالب عبثا بإرساء الديمقراطية في قمة الدولة، حاول زرعها على أرض الواقع، بالمجالس الجماعية والبلدية التي يمكن أن تصبح أدوات لتكريس الوعي، لأنه 'لا يكفي التلويح بالشعارات !' على حد تعبيره.
كان واعيا بالصعوبات التي تعترض طريقه، ويدرك حجم السلطات التي تركت له، ويعرف رأيه في الوعود الملكية، وتقييمه للوضع برمته، والإهانات التي سيتعين عليه تحملها، وحتى المعارضات والخيانات، والمناورات المعادية.
ومع ذلك، بدا مقتنعا – مدفوعا من طرف المحجوب بن الصديق والمهدي بن بركة، دون إغفال محمد الخامس نفسه- بقيم التطوع، وواثقا من الدعم الشعبي ومن المساندة المطلقة للنقابات، دون نسيان حماس شعبي عارم(...)
أراد تجاهل كل الصعوبات التي تعترضه حتى ينهض بهذه المهمة التي تعتبر اللحظة الأكثر أهمية في حياته.
كان المهدي بن بركة موافقا، وقال 'إننا نطالب بتمتيع هذه الحكومة بكل السلطات حتى نجعل انقلاب الأمير مستحيلا، هذا الانقلاب ليس ممكنا فقط بل صار اليوم محتملا'.
سيبرهن عبد الله إبراهيم عن تصميم صادق لا هوادة فيه، وسيؤكد أنه يستحق مكانة رجل الدولة. وبدا مقتنعا أنه قادر على توظيف وسائل جهاز الدولة لقلب الاتجاه الذي تسير فيه الأمور، وفرض التغييرات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية التي ناضل من أجلها منذ كان يافعا.
(...) وجد عبد الله إبراهيم نفسه أمام بلد في حالة تبعية اقتصادية، وبالتالي سياسية.. بلد به أربعة جيوش: القوات المسلحة الملكية، بقايا جيش التحرير، الجيش الإسباني والجيش الفرنسي. إذ كان بالمغرب أكثر من 10 آلاف عسكري فرنسي، فضلا عن رجال الشرطة وعدد مهم من الموظفين في كل الوزارات، وكذلك 6 آلاف معمر يملكون حوالي مليون هكتار من الأراضي، وعدد من المصانع والمقاولات التجارية، أي أربعة أخماس النشاط الاقتصادي بالبلاد. كما كانت البنية العقارية، التي تغلب عليها التفاوتات، على وشك الانفجار، والبطالة مستشرية، والتجارة الخارجية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمستعمر السابق.
ينضاف إلى كل هذا الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، مشاكل الحدود (بسبب حرب الجزائر ومصير موريتانيا)، وثورة الريف التي تتعاظم وتتحول إلى حرب أهلية حقيقية بعد اعتقال عدد من قادة التمرد، والمحجوبي أحرضان وعبد الكريم الخطيب. سيتم سحق هذا التمرد بطريقة دموية من طرف الأمير مولاي الحسن والجنرال أوفقير بعيدا عن الحكومة.