بالموازاة مع مواصلة تعليمه العتيق للحصول على درجة "العالِمية"، حاول عبد الله إبراهيم توسيع ثقافته الحديثة.
هكذا بعد أن تعلم الفرنسية، أخذ يتلقى المبادئ الأولى للإنجليزية على يد قس بريطاني، كما حرص على الاطلاع على التيارات الفكرية والسياسية الحديثة بكل أوروبا والعالم. ولم يكن يخفي رغبته في الانعتاق من التقاليد البالية.
بخصوص التطورات التي عرفتها حياة عبد الله إبراهيم في ثلاثينيات القرن الماضي، يقدم أبوبكر القادري، القيادي الاستقلالي المعروف، شهادة تبرز المكانة التي كان يتمتع بها الشاب عبدالله بمراكش في تلك الفترة.
ويقول القادري، المزداد في سلا إنه قام "انطلاقا من 1932، رفقة صديقه سعيد حجي، بجولة في المغرب للقاء جماعات الوطنيين.
وشملت الجولة في مرحلة أولى الوطنيين بالرباط ثم فاس". ولم يصل القادري وصديقه إلى مراكش سوى في 1935، وهذا "دليل آخر على بعد هذه المدينة الجنوبية مقارنة مع المعاقل الأخرى للوطنيين.
ويحكي القادري أنه التقى نخبة الشباب الوطنيين، مثل الملاخ، وعبد القادر الحساني، الذي سيتزوج فيما بعد خديجة إبراهيم، و أحمد المنجرة، وعبد الله إبراهيم وآخرين.
ويتذكر أن هذا الأخير كان يتجول بين الحاضرين وهو يستظهر أشعار تتغنى بفصل الربيع خلال الاجتماعات. ولاحظ القادري أن عبد الله إبراهيم كان 'نجما وسطهم'، وكان يحظى بتقدير كل من يحيط به.
وزار الوفد السلاوي بمعية عبد الله إبراهيم عددا من المآثر والأضرحة فضلا عن مدرسة المختار السوسي. وبعد هذه الزيارة شرع الشاب المراكشي في نشر بعض المقالات في مجلات وصحف سعيد حجي، وبالخصوص تحاليل أدبية وتاريخية.
وتبرز شهادة القادري مدى الاحترام والتقدير الذي كان يحظى بهما عبد الله إبراهيم رغم حداثة سنه"(...)
ورغم الإعجاب الذي كانت تحظى به ثقافته، يقول أبوبكر القادري إن هذا الشاب لم يكن راضيا عن مستواه المعرفي، وكان يحس نفسه محدودا.
وأضاف القادري أنه كان يصبو إلى التغيير، إلى التجديد، إلى آفاق ثقافية حديثة لا تنحصر في شعب محدد أو منطقة جغرافية معينة، بل كان ينشد ثقافة عابرة للحدود.
"ولتطوير معارفه التي كان يدرك نقصانها، انخرط عبد الله إبراهيم، الذي أخذ الفرنسية عن أشخاص التقاهم في المدينة العتيقة، في تعلم المبادئ الأولى للغة الإنجليزية لدى كتبي من ويلز (بريطانيا) يدعى 'نيهرم' وهو قس بروتستانتي استقر في المدينة الحمراء. بالمقابل تكلف الشاب المراكشي بتعليمه اللغة العربية(...)
وحرص عبد الله إبراهيم على الاطلاع على التيارات الحديثة بالعالم، وخاصة بأوروبا، في عقد الثلاثينيات، الذي شهد انبثاق التفكير السياسي الحديث.
كان يحرص على إثراء معارفه بجدية ويصرح بانه يسعى إلى التحرر من التقاليد" بالموازاة مع ذلك، كان هذا الشاب يستعد لاجتياز امتحان "العالِمية" المتمثل في تقديم تفسير لآيات القرآن أمام ثلاثة علماء.
وسيجري هذا الامتحان بالرباط بطلب من السلطان محمد بن يوسف الذي تدخل لدى سلطات الحماية. وقد انتقت الإدارة الفرنسية 66 مرشحا لاجتياز هذا الامتحان، من بينهم الشريف الشفشاوني صديق عبد الله إبراهيم، و عبد العزيز بن ادريس... أما لجنة التحكيم فكانت تتألف من الشفشاوني الجد والفقيه الكبير بلعربي العلوي، الوحيد الذي استوعب، حسب بعض الشهادات، بعمق دقة وبراعة التفسير الذي قدمه عبد الله إبراهيم.