عبد الله إبراهيم.. عودة مثقلة بالهواجس (9)

تيل كيل عربي

بعد أربع سنوات قضاها في جو مفعم بالثقافة التحصيل العلمي، سيعود عبد الله إبراهيم إلى المغرب، ليستأنف نضاله وانتقاداته الشديدة للكسل الفكري والتدجين الثقافي.

بعد بضع سنوات من التحصيل العلمي والعيش في كنف حياة ثقافية نشيطة بالعاصمة الفرنسية، حل موعد العودة إلى الوطن.

"هل تمت المناداة على عبد الله إبراهيم؟ هل اعتقد أن من واجبه الرحيل بعد أربع سنوات مليئة ومكثفة بباريس؟ من أين جاء قرار العودة وكيف تمت؟

حسب بعض الشهادات لم يرجع إلى البلاد سوى لأخذ بعض الوثائق والعودة سريعا إلى العاصمة الفرنسية. وسيعترف ابنه فيما بعد أنه ما إن وطأ أرض المغرب حتى استبدت به الرغبة في العودة إلى أوروبا. وقال إنه تألم كثيرا لعدم تمكنه من إتمام دراسته. صحيح أنه تعلم الكثير ولكنه كان يتمنى الحصول دكتوراه في علم الجمال أو الأدب. بل كان يسعى إلى الاهتمام بالرياضيات، هذه اللغة القريبة جدا من المنطق(...)

في تلك الأيام أوشك عدد الطلبة العرب بفرنسا على بلوغ الـ30 ألف طالب، أي أنه تضاعف ثلاث مرات منذ 1944. كان يتمنى لو يكون واحدh منهم، وكان يسعى للعودة إلى باريس... بيد أنه سيرحل عنها دون رجعة. فقد استولى عليه النضال من جديد، وعليه أن يقوم لوحده بالتوليف بين كل الأشياء التي تعلم والتي لم يهضم بعد كليا، في إطار سعيه الدؤوب لبلوغ تلك العقلانية المأمولة، والتوفيق بين مختلف الثقافات التي تشرَّبَ. بعبارة أخرى، عاد ليستأنف مسار حياته حيث تركها.

كلفه الحزب بالقطاع النقابي لأن كل القوى بالمغرب تريد الاعتماد على هذا القطاع الناشئ، الذي يعد رمزا للتحول السوسيو سياسي الجاري بالبلاد. ولكن لما طلب منه عبد الرحمان اليوسفي استئناف إشرافه على تنظيم الخلايا العمالية بالدار البيضاء، رفض العرض.

وفي نهاية المطاف تكلف عبد الرحيم بوعبيد بتعويض اليوسفي والقيام بهذه المهمة. وحسب المؤرخ مصطفى بوعزيز، فقد التقى عبد الله إبراهيم بعلال الفاسي في طنجة ولكنه رفض السير خلفه. بالمقابل عكف على تمكين حزب الاستقلال من قاعدة عمالية انطلاقا من خلايا المركزية النrابية الفرنسية "الكونفدرالية العامة للشغل" (CGT).

وعلى سبيل الشهادة على حالته النفسية والذهنية بعد عودته من فرنسا، لدينا مقالين له منشورين مؤخرا، يؤكد فيهما رفضه التام للتدجين الفكري الذي يعتبره توجها قائما للتعبير عن إرث وعبقرية الأمة. إنها إدانة شديدة اللهجة من طرفه للكسل الفكري، الناتج، حسب رأيه، عن عقدة النقص.  فالرغبة في مجاملة الشعب، تدفع العديدين، حسب اعتقاده، إلى العودة إلى التاريخ، ولكن بدون أي حس إبداعي(...)وفي نظره، فأصحاب هذه النصوص التي تعود إلى التاريخ بهذه الطريقة يحسون بالعجز عن إنتاج أي جديد، ويبحثون بسلوكهم هذا عن رضى الحاكمين.

من جديد، وكما كان حاله في 1936 و1938، يدين عبد الله إبراهيم الكسل الفكري، ويستلهم مرة أخرى من يعتبر في نظره "الفيلسوف الأعلى": هيغل. ويوظف هذا الفيلسوف للتنديد ليس فقط بالكسل الفكري بل كذلك بنوع من التفكير القومي في علاقته بالغرب والثقافة العربية الإسلامية. كما انتقد بشدة الكتاب المحليين المتواضعين مقارنة مع الكتاب في كل من فرنسا وألمانيا"(...)

في ظل هذه الأجواء، عاد عبد الله إبراهيم إلى مراكش.