رغم إعفاء عبد الله إبراهيم، فإن كلا من حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية سيفوزان بأغلبية المقاعد في الانتخابات البلدية نظمت ستة أيام فقط بعد رحيل الحكومة. ولكن هذا لم يكن كافيا للتصدي للهيمنة المتصاعدة للقصر على الساحة.
"بعد صدمة الإعفاء، بدا عبد الله إبراهيم غاضبا، وسيقول بمرارة إن الجهاز الحكومي تحول إلى ديوان ملكي !. وبعد مرور بضعة أيام على رحيله من الحكومة، سيقول خلال مهرجان جماهيري بالرباط، برفقة عبد الرحيم بوعبيد "يجب الاختيار بين الديمقراطية والفاشية."(...) ودعا إلى تكثيف نضال القوات الشعبية، لأن الانتخابات البلدية والجماعية كانت على الأبواب، وقد رمى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بكل قواه في هذه المعركة "حتى يخرج الشعب منتصرا" من هذا الاستحقاق الانتخابي(...)
ستنظم الانتخابات في 29 ماي 1960، أي ستة أيام فقط بعد إعفاء الحكومة، وستجري بالاقتراح الفردي الأحادي بدل نظام اللائحة الذي دعا إليه الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وقد تم إعداد هذه الانتخابات من طرف إدريس امحمدي، الذي كان وزيرا للداخلية في حكومة عبد الله إبراهيم، وظل وزيرا بعد إعفائها، وتولى حقيبة الخارجية في الفريق الحكومي الملكي، إسوة بحسن الزموري الذي أصبح وزيرا للفلاحة. وقد أعد امحمدي تقطيعا انتخابيا سريعا بمساعدة الفرنسيين.
وكانت نتيجة هذه الانتخابات مثيرة للغاية. فرغم الظروف غير الملائمة جراء إعفاء حكومة عبد الله إبراهيم، ورغم الخروقات الواضحة التي تم رصدها والتنديد بها، ورغم عودة القياد والمتعاونين السابقين مع الاستعمار إلى مجموعة من الأقاليم، ورغم الإعفاء المنتظم للمتعاطفين مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالإدارات، انتزع حزبا الحركة الوطنية (الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية) 63% من المقاعد المتبارى عليها، 40% للاستقلال و23% للاتحاد الوطني، الذي حصد كل المدن الكبيرة بالبلاد، بما فيها الرباط العاصمة.
كانت هذه النتيجة صدمة حقيقية بالنسبة إلى القصر، الذي سيتذكر ما حدث له جيدا. ورغم هذا الانتصار الانتخابي، فإن القادة المتبصرين لم يستسلموا لأي أوهام.
كان عبد الله إبراهيم متعبا جدا، إذ بالكاد كان يسرق لحظات للنوم طيلة شهور بأكملها(...)وصلته دعوة من ألمانيا، فانتقل إليها رفقة صديقه سيناصر بلعربي، مدير ديوانه السابق وزميله في الدارسة منذ الحقبة الباريسية. وتتذكر فاطمة زوجته أنهما ظل هناك لمدة ثلاثة أشهر كاملة !
في ألمانيا، لم يلتق فقط أصدقاءه "ويلي برانت" و"هلموت شميت" و"فيشنسكي"، بل خضع كذلك للعلاج من التعب الشديد الذي ألم به، بمدينة كولن تحت إشراف البروفيسور "كنوف" الذي سيصبح واحدا من أصدقائه (...)
للإشارة، ربط عبد الله إبراهيم، خلال رئاسته للحكومة، علاقات متينة مع ألمانيا الغربية وأرسل إليها خبراء لدراسة نظام الضمان الاجتماعي هناك، ووقع اتفاقيات مع شركات ألمانية مثل "سيمانس" و"AEF". وكان على العموم منجذبا إلى النموذج والفكر الألمانيين(...)
بعد الانتكاسة التي عرفها كرئيس للحكومة، فهم عبد الله إبراهيم أنه لا يكفي تغيير الأشياء ليتغير الناس. فتغيير العقليات أعمق وأصعب بكثير، فلا يمكن بتاتا القفز عن المسار الثقافي والحضاري