أخذت تظهر الخلافات العميقة بين عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد، ولكنهما واصلا الاشتغال معا لتطبيق الإصلاحات الكبيرة. بينما كان الخناق يشتد أكثر فأكثر على الحكومة.
"لم تكن الخلافات عقدية فقط، حتى وإن كان عبد الرحيم بوعبيد يسخر من عبد الله إبراهيم ويقول إنه لم يهضم الماركسية(...) بل كانت كذلك وبالخصوص ثقافية وتحولت بالتالي إلى خلافات سلوكية.
والواقع أن الانقسام كان أوسع بكثير من الاختلافات بين الرجلين، وكان يشمل كل الطبقة السياسية المغربية، بما فيها القصر، بين محمد الخامس وابنه.
كانت المواجهة بين أصحاب التكوين الغربي، الذين يميلون بالتالي إلى أوروبا، وبين أصحاب التكوين التقليدي.
بكل بساطة لم تكن لدى هذين الفريقين الطريقة نفسها في التفكير، وتصور الأشياء، وفهم الأشخاص، واستيعاب الأحداث، وبالتالي لم يكن لديهم نفس الأسلوب في العمل.
باختصار، إنها مواجهة بين عالمين متعارضين تمام التعارض ومتناقضين أشد التناقض، خاصة وأن الفريق الأول كان – في هذه المرحلة الأولى لما بعد الاستقلال- يحتقر الفريق الثاني. ويقول أحمد بنكيران إن تلامذة المدارس الفرنسية كانوا ينظرون بنوع من الترفع إلى تلاميذ المدارس التقليدية. كانوا يشكون من عقدة التفوق(...)
لم يكن للعنصرين المهمين في الحكومة تكوين وتاريخ وطابع مختلف فقط، بل لم يكن لديهما حتى نفس السلوك(...) فعبد الرحيم بوعبيد كان نوعا ما متهورا، يريد التحرك بسرعة حتى وإن كان ذلك سيؤدي إلى خلخلة كبيرة، بينما عبد الله إبراهيم كان محترسا وهادئا، بل وشديد الحذر.
وأمام سحر بوعبيد وحيويته، وقوة وسرعة المهدي بنبركة ووزنه السياسي، كان عبد الله إبراهيم يبدو بطيئا، باهتا، وتعوزه الحيوية(...) ولكن رغم تعارضهما، ظل الرجلان يشتغلان معا، مؤمنين باستعجالية الإصلاحات، وحاملين لنفس الإحساس بالخطر الداهم وضيق الوقت(...)
ستتميز سنة 1960 بعنف شديد. فقد غادر المهدي بن بركة البلاد، وسيقر في "الخيار الثوري" بأن المعارك تخاض بعيدا عن الشعب الذي لا علم له بشيء.
وكان محمد الخامس يصارع المرض، وبما أن الأزمة كانت وشيكة، فقد كان الجميع يزورونه في إقامته السويسرية.
من جهته، كان "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" يهدد بمقاطعة الانتخابات المقبلة إن تواصلت الضغوط، كما أن "الاتحاد المغربي للشغل" أعلن خوض إضراب عام في 20 مارس، احتجاجا على تأسيس نقابة حزب الاستقلال (الاتحاد العام للشغالين بالمغرب)، وتنديدا بعرقلة عمل الحكومة، وهو الإضراب الذي أيده عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد، بينما عمدت الشرطة إلى توقيف عدد من النقابيين.
وأعلنت "الحرب" مع القصر، وتم حل جيش التحرير، وانخرطت صحيفة "Les Phares"، لصاحبها أحمد رضا كديرة، في حملة شعواء ضد الحكومة واصفة إياها بـ"غير المسؤولة".
وفي 3 أبريل، دعا المجلس الوطني لـ"الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" إلى تشكيل مجلس تأسيسي، والمطلب ذاته عبر عنه "الاتحاد المغربي للشغل" في استعراضات فاتح ماي.
في 8 ماي، أجريت أولى الانتخابات، وكانت تتعلق بغرف التجارة والصناعة، وجاءت نتائجها في صالح الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
استغل عبد الله إبراهيم هذا التوفق وشن هجوما مضادا بوضع حد لمهمة 300 شرطي فرنسي، يوصفون بـ"المساعدين التقنيين"، وكانوا يشتغلون في الأجهزة الأمنية المغربية. ووضع على الطاولة بشكل صريح قضية وزارة الداخلية ووَضْع جهاز الأمن، الذي طالب بإعادة تنظيمه.
ولم يتردد في إثارة موضوع صلاحيات الداخلية و"الأمن الوطني". بل ورفض إعارة الكومندان "بلير"، وهو ضابط أمريكي، للديوان العسكري للأمير مولاي الحسن، وطالب بترحيله إلى واشنطن.