قال الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، إن "التكوين التأهيلي للمسؤولين القضائيين الجدد في الإدارة القضائية، بالمعهد العالي للقضاء 19 دجنبر 2022، أن "الكثيرون من بينكم يتقلدون مسؤولية التسيير القضائي والتدبير الإداري للمحاكم لأول مرة، رغم التجربة المهنية الطويلة لبعضهم، كقضاة للحكم أو للنيابة العامة، ولا بدَّ أن تعلموا أن تسيير المحاكم والنيابات العامة لا يتوقف فقط على التمَيُّز في ممارسة المهام القضائية، رغم أن هذا التمَيُّزَ يساعدُ المسؤول في بعض جوانب التأطير المهني والمواكبة العملية للقضاة والنواب. ولكن الإدارة القضائية تتطلب مهارات أخرى، ربما لم تتعلموها في معهد القضاء".
وأضاف عبد النباوي، في الدورة التكوينية لفائدة المسؤولين القضائيين الجدد، بالمعهد العالي للقضاء، اليوم الثلاثاء، إن "مهام مختلفة ومتنوعة، بعضها جديد عن البعض منكم ممن لم يكتب له ممارسة مهام المسؤولية القضائية من قبل. وهي مهامٌ مؤثرة جداً في مهمتكم الأساسية، باعتبار كل منكم قائداً لفريق، لن يفلح أداؤه إلاَّ بتحقيق الانسجام الكامل والتام بين أعضاء الفريق، وتعبئتهم لإخراج كل ما في طاقتهم من جهد، وبذله في تنفيذ برنامج محكم الصياغة واضح المعالم، يؤدي إلى بلورة الهدف الأساسي وهو دعم الثقة في القضاء".
وأبرز أنه "أجدني اليوم مضطراً لتذكيركم أنكم تمثلون مؤسسات السلطة القضائية في دوائر نفوذكم، وأن القضاء أمانة في أعناقكم في مناطقكم. وأن نجاحه منسوب لكم، وإخفاقاته قد تلصق بكم. فأنتم بحكم صلاحياتكم تضطلعون بأدوار التنظيم والتأطير بالمحاكم، كما تُشْرِفُون على سير العمل بها، وتراقبون أداء القضاة والموظفين المنتسبين لها، بما تملكونه من ملكات التحسيس والإرشاد والتوجيه نحو الأهداف العادلة، وترسمونه من توجهات ناجعة وأهداف صالحة، أنتم عَيْنُ السلطة القضائية التي ترصد الخير وتُعَظِّمُه، وتتابع الإخلالات فتقوِّمُها وتُصْلِحها؛ وأنتم الرقباءُ على التطبيق العادل للقانون، والمسؤولون عن نجاعة الإجراءات القضائية؛ وأنتم حماة النظام العام، ورعاة الحقوق والواجبات، وحَرَسُ المنظومة القضائية".
وأورد أنه "أنتم المسؤولون الأوائل على حسن سير القضاء بدوائر نفوذ المحاكم التي تشرفون عليها. وعلى تنفيذ استراتيجية المجلس الأعلى للسلطة القضائية في الحفاظ على استقلال القضاء والرفع من النجاعة القضائية، وتحديث المنظومة العدلية وضمان شروط المحاكمة العادلة، وتأهيل الموارد البشرية، والمساهمة في تخليق القضاء"، وإنني اليوم ما زلت على اقتناع تام بأنكم بمثابة رؤساء "مقاولات"، يتعين عليكم أن تسعوا إلى التدقيق الداخلي لأداء "مقاولاتكم"، حتى تتعرفوا على مستوى أدائها ومنسوب الثقة فيها، وتتدخلوا لتقويم ما ينبغي تقويمه، وتحسين ما يجب تحسينه، حتى يكون التدقيق الخارجي لمحاكمكم إيجابيا".
وأكد أن "تشبيه المحكمة التي تسيرونها بالمقاولة، يراد به أن تتصرفوا أنتم المسؤولون القضائيون، بعقلية رؤساء المقاولات، يسعون دائما نحو الربح وضمان الاستمرارية، ورغم اختلاف المهام، وتباعد الصورة بين المحكمة والمقاولة، فإن مؤشرات نجاح المسؤول عن كل منهما واحدة، كلاهما يبحث عن تسويق منتوجه والحصول على فائدة مستمرة".
وشدد على أن "المسؤول عن المحكمة مسؤول عن أداء خدمات للمتقاضين تتم بمستوى من الجودة والنجاعة والشفافية، يرضى عنها المتقاضي. كما أن المسؤول عن المحكمة يسعى لزرع الثقة لدى المتقاضين ليحقق لهم الاطمئنان إلى العدالة والرضى بأحكامها. كما أن تحقيق رضى المتقاضين، يتطلب تحقيق جودة الخدمات القضائية، وأدائها في وقت معقول، وفي إطار إجراءات شفافة وواضحة، والوصول إلى هدف أساسي هو التطبيق العادل للقانون".
وأبرز أنه "مدعوون إلى قيادة محاكمكم نحو أهداف العدالة والإنصاف، وتجهيز الملفات حتى يتم البت فيها في آجال معقولة. وهو ما يستدعي منكم القيام بجهود كبيرة للتغلب على إشكاليات التبليغ والتنفيذ، كي تصدر الأحكام في وقتها المعقول، وتصل الحقوق إلى أصحابها في أسرع الآجال. كما أنكم مدعوون لبذل أقصى الجهود في التأطير والتكوين وفي عقد حلقات للدرس والنقاش حول اجتهادات محكمة النقض، وتقديم مطالبكم المتعلقة بحاجيات القضاة في التكوين إلى المجلس لبرمجتها بما يخدم الاحتياجات الحقيقية لمنظومة العدالة".
أورد، "كما أنكم مطالبون بدعم استقلالية القضاة في إصدار الأحكام في آجال معقولة، لا يكون فيها سلطان عليهم، إلا لصوت الضمير وقوة القانون. والمساهمة في تطوير العمل القضائي بدوائركم وتوحيده في انسجام مع المبادئ الراسخة المستخلصة من قرارات محكمة النقض. كما أننا ننتظر منكم التأسيس لأسرة قضائية تنصهر فيها كل المشاكل بالحوار والتواصل والثقة والنية الحسنة والاحترام المتبادل. وهي نفس القيم والتقاليد التي ستكون الحصن الحصين لحماية هذا البيت الوقور من الانزلاقات والتجاوزات التي لن نُطَبِّعَ معها أو نقبل بها أبدا داخل المنظومة القضائية".