أكد محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، اليوم الخميس، في كلمة ألقاها بمناسبة المؤتمر الدولي السادس عشر للقاضيات، حول موضوع: "النساء القاضيات: الإنجازات والتحديات"، المنظم بمراكش، أن "المرأة المغربية استطاعت أن تكتب اسمها، وتفرض حضورها إلى جانب الرجل، في الانتماء إلى السلك القضائي مبكرا، سنوات قليلة بعد استقلال المملكة؛ حيث انتمت أول النساء إلى القضاء، في بداية ستينيات القرن الماضي، وهو مشهد قل نظيره في تلك الفترة، في المجال الإقليمي العربي".
وقال عبد النباوي: "وإذا كانت عقدية الثمانينات قد شهدت وصول أول القاضيات إلى محكمة النقض، فإن بروز النساء القاضيات في المشهد القضائي الوطني قد انطلق، منذ منتصف التسعينات؛ حيث تم تعيين نساء قاضيات في مناصب المسؤولية بالمحاكم، وسرعان ما اقتحمت القاضيات المغربيات مختلف مجالات القضاء ومراكز القرار فيه؛ كرئيسات غرف بمحكمة النقض، ورئيسات لمحاكم الاستئناف، ورئيسات محاكم، ووكيلات للملك بالنيابة العامة".
وسجل الرئيس الأول لمحكمة النقض أن "عدد النساء القاضيات حاليا يناهز 26 في المائة من مجموع الجسم القضائي الموحد، الذي يشمل قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة"، مضيفا أنه "في الوقت الراهن، تتولى 20 قاضية مغربية مناصب تسيير بمحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية والنيابات العامة لديها، فضلا عن تولي قاضية واحدة لرئاسة غرفة بمحكمة النقض، وتولي خمس قاضيات أخريات رئاسة أقسام بنفس المحكمة".
وتابع أن "القاضيات المغربيات استطعن بجدارة وكفاءة عالية الوفاء لالتزامات وطنية ودولية انتدبن لها، كعضوات في المحكمة الدستورية، أو في مجالس الحكامة والمؤسسات الدستورية الكبرى، وفي مهام التسيير الإداري بالإدارة القضائية، وفي محاكم ولجن دولية في مجالات القضاء وحقوق الإنسان".
واعتبر عبد النباوي أن "ما حققته القاضية المغربية في مجال تولي المناصب القضائية العليا مازال دون ما تستحقه بكفاءتها وجديتها. ولذلك، فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية خصّص أحد بنود إستراتيجيته الحالية لتشجيع القاضيات على التباري على مناصب المسؤولية القضائية، والترشح لمناصب القرار، وذلك إيمانا من المجلس بقدرة القاضية المغربية على ذلك، من جهة، وامتثالا للدستور المغربي الذي ينص على المساواة بين المرأة والرجل والسعي نحو المناصفة ومنع التمييز بسبب الجنس، من جهة أخرى، وهي الغاية التي قرر الفصل 115 من دستور المملكة، التمييز الإيجابي بشأنها؛ حيث نص على ضمان تمثيلية المرأة القاضية داخل المجلس الأعلى للسلطة القضائية بما يتناسب مع حضور النساء داخل السلك القضائي، وهو ما أتاح حضور ثلاث قاضيات نساء من بين القضاة العشرة المنتخبين لعضوية المجلس".
وفي هذا الصدد، أضاف أن "الإجراء 37 للمخطط الإستراتيجي للمجلس نص على السعي نحو المناصفة في إسناد المسؤوليات القضائية، مع مراعاة الكفاءة وتكافؤ الفرص. وبطبيعة الحال، فإن طموح المجلس لهذه الغاية يأتي في سياق فكر الملك محمد السادس؛ حيث جاء في خطاب العرش لسنة 2022، بصدد السعي إلى المناصفة، "إن الأمر لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية، وإنما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية. وفي مغرب اليوم، لا يمكن أن تحرم المرأة من حقوقها".
وأبرز الرئيس الأول لمحكمة النقض أن "الفترة مناسبة لتحقيق هذا الهدف؛ لأن الدستور الحالي قد وفر للقضاء إطارا دستوريا عاليا، برفعه إلى مستوى سلطة ثالثة في الدولة، مستقلة عن البرلمان والحكومة، يضمن الملك بنفسه استقلالها، ويحمي المجلس الأعلى للسلطة القضائية هذا الاستقلال، بكيفية فعلية"، مضيفا أن "القضاة يتوفرون على نظام أساسي خاص بهم، يوفر لهم كل الضمانات لممارسة مهام الفصل في المنازعات، باستقلال وحياد وتجرد، وبمنأى عن الضغوط والتأثيرات من كل نوع. كما أن القضاة المغاربة مسلحون بمدونة للأخلاقيات القضائية تعزز استقلالهم وحيادهم، وتحفظ شرف ووقار القضاء، يعمل المجلس والمحاكم والتنظيمات المهنية للقضاة على نشرها والتحسيس بها".
وسجل عبد النباوي: "وإذا كان المجلس، وفقا للمادة 103 من قانونه، يسهر على ضمان احترام القيم القضائية والتشبث بها، وإشاعة ثقافة النزاهة والتخليق، بما يعزز استقلال القضاء، فإن المادة 104 من قانونه توجب على كل قاض اعتبر أن استقلاله مهددا، أن يحيل الأمر إلى المجلس، بواسطة تقرير"، مشيرا إلى أن "هذا الإجراء يأتي لحماية استقلال القضاة، الذي يضمنه الملك، بمقتضى الفصل 107 من الدستور، ويسهر المجلس على تطبيقه، وفقا لمقتضيات الفصل 113 من الدستور".
كما اعتبر أن "هذا الإطار الدستوري من شأنه أن يوفر للقاضيات النساء كامل الضمانات لاقتحام مختلف المناصب القضائية، وممارسة جميع الاختصاصات، على غرار زملائهن الرجال"، مؤكدا أن "المجلس يأخذ مقاربة النوع بكثير من الحزم والعزم".