عدد كبير من المرضى بالمغرب يدخلون إلى المستشفيات لتلقي علاج ما، فيجدون أنفسهم مصابين بأمراض أخرى، تجعل مقامهم طويلا على سرير العلاج، وتقف وراء ذلك، "عدوى المستشفيات"، التي تحول "جراثيمها" حتى دون نجاح الأدوية الخاصة بعلاج المرض الأصلي في إحداث مفعول. "تيلكيل – عربي"، حصل على دراسات، وتحدث إلى عباس حدادي، عضو لجنة مكافحة عدوى المستشفى في المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، وهنا يقدم لكم "كل ما تجب معرفته حول عدوى المستشفيات".
"نسبة انتشار عدوى المستشفيات بالمغرب ترتفع إلى 9.6 %، لكن فقط قليل من الدراسات حول ذلك تم نشرها للعموم، وبين كل أنواع العدوى تعد عدوى المسالك البولية الأكثر انتشارا"، هي النتجية الرئيسية التي توصلت إليها "مراجعة منهجية وتحليلية" لـ11 دراسة قامت بها هيآت مختلفة في المستشفيات العمومية بالمغرب، وظل أغلبها في حكم "الأدب الرمادي"، أي تلك الدراسات التي تنشر في أقل من 1000 نسخة، ولا تخرج غالبا إلى العموم.
الدراسة المعدة من قبل مختبر الطب الاجتماعي والصحة العمومية، ومختبر الأوبئة والأبحاث السريرية، بكلية الطب والصيدلة التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، ونشرت قبل أسابيع في قاعدة معطية أجنبية متخصصة، قامت بتحليل مضامين 11 دراسة مع 4086 مريض، بينها 4 فقط تم نشرها في قواعد معطيات كبيرة في مكتبات، والباقي "أدب رمادي"، كشفت أن "نسبة انتشار عدوى المستشفيات في المؤسسات الصحية الجامعية والتخصصية بالمغرب، تبلغ 9.9 %، مقابل 9.3 % في المستشفيات العادية".
وفي التحليل الفرعي حسب أنواع العدوى، وقفت الدراسة إلى أن أكثرها انتشارا هي عدوى المسالك البولية، بنسبة 27.3 %، ثم عدوى المواقع الجراحية بنسبة 25.4 %، والعدوى التنفسية بنسبة 13.5 %، وهي النسب التي أبرز تحليل مؤشر تطورها عبر الزمن، أنها تعرف استقرار منذ 2005 إلى غاية 2015.
خطر الموت
تلك الأرقام تتطابق تقريبا على معطيات دراسة مماثلة أنجزت في مستشفى الرازي للاختصاصات التابع للمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، بينت حسب عباس حدادي، أن مصلحة "الدياليز" هي الأولى من حيث انتشار العدوى، بنسبة 27 %، ثم مصلحة طب الجهاز البولي بنسبة 18 % ، وثم مصلحة الإنعاش بنسبة 11 %.
ويشرح عضو لجنة مكافحة العدوى بمستشفى الرازي، مفهومها قائلا "مثلا، حينما يدخل مريض إلى المستشفى للخضوع لعملية جراحية من أجل التهاب الزائدة الدودية (المرارة)، وبعد 48 ساعة من مبيته بالمستشفى، يلتقط جرثومة داخله، فتسمى النازلة عدوى المستشفى، وأضعب الحالات، هي حينما تكون الجرثومة متعددة المقاومة للمضادات الحيوية التي يتناولها المريض داخل المستشفى".
ويقر المتحدث ذاته أن "أخطر شيء في عدوى المستشفيات أنها تقف وراء ارتفاع خطر وفاة المرضى داخل المستشفى، خصوصا إذا كانت الجرثومة متعددة المقاومة للمضادات الحيوية من الجيل الثالث الخاصة بالمرض الأصلي الذي جاء من أجله المريض إلى المستشفى، إذ رغم تمكين المريض منها، لا تنجح المضادات في قتل الجرثوم، فيواصل الفتك بمناعة المريض، وإذا كان شخصا ذو مناعة ضعيفة، يواجه خطر الموت في المستشفى".
كيف تكافحها المستشفيات؟
في المستشفيات الجامعية بالمغرب، توجد لجان لمكافحة عدوى المستشفيات، وفي مستشفى الرازي بمراكش، يقول عباس حدادي، يتمثل دور اللجنة، في رصد حالات عدوى المستشفيات والتدخل لفرض الاحتياطات اللازمة، "عندما تصرح لنا مصلحة طبية معينة بأن نزيلا فيها أصيب بالعدوى، فيتوجه فريق من اللجنة ومصلحة النظافة إلى المريض، فندرس حالته، ونطلب التحاليل اللازمة لمعرفة نوعية الجرثومة، وهل هي مقاومة للأدوية".
وبعد ذلك، يضيف المتحدث، "إذا تبين أن العدوى سببها جرثومة مقاومة للمضادات الحيوية، نفرض احتياطات تنظيفية تكميلية حسب نوع الجرثوم، فإذا كان هوائيا/تنفسيا (عدوى السل مثلا)، نقوم بعزل المريض، ثم نعلق لافتة تعليمات، فيها الاحتياطات الخاصة بالعدوى عن طريق التنفس، التي يجب على الأطباء والمرضى والزوار القيام بها، من قبيل ارتداء اللباس العازل قبل دخول غرفة المريض".
وإذا كانت العدوى تنتقل باللمس، تفرض التعليمات، مثلا "غسل اليدين عند الدخول والخروج"، في حين إذا تعلق الأمر بالأدوات الطبية، تستدعي الاحتياطات تعقيمها حسب نوعيتها، أما بالنسبة إلى البيئة، فهي مهمة مكتب النظافة، ويتولى ذلك عمال النظافة،من خلال "الميناج التعقيمي"، وغالبا يتم بالتدبير المفوض من قبل شركات مختصة، تتولى تنظيف الهواء في المستشفيات والأفرشة والمساحات.
وعموما، يقول عباس حدادي، تتخذ الإجراءات، وفق طبيعة العامل الذي كان وراء العدوى، وهي "خمسة عوامل رئيسية، أولها المستخدمون وأطقم المستشفيات، والزوار، والأدوات الطبية، وبيئة المستشفى، ما يستدعي من اللجنة إجراءات مختلفة، تتعلق أساسا بالنسبة إلى المستخدمين، بتحسيسهم وتذكيرهم بغسل الأيادي على الدوام وبشكل متكرر".
ويتوجه المتحدث بالنصح إلى المرضى، فشدد على أنه عليهم "التزام تعليمات الممرض الرئيسي، من قبيل ألا يتنقلوا بين الغرف كثيرا أثناء وجودهم في المستشفى، لأن من شأن ذلك أن يجعلهم يصابوتن بالعدوى"، أما الزوار،فعلى المصحوبين منهم بأطفال، يقول حدادي، "الانتباه وعدم تركهم يلهون ويلعبون في أرجاء المستشفى وأرضياته، خصوصا وأن مناعة الأطفال الصغار تعد ضعيفة، ومن السهل أن يصابوا بعدوى المستشفيات".
10 مرضى بين كل 100
وتظل عدوى المستشفيات مشكلة عالمية مشتركة، وبدرجات متفاوتة بين البلدان المتقدمة والنامية، إذ تقول منظمة الصحة العالمية، في نشرة لها حول الموضوع، إن "سلامة المرضى مسألة جدية من مسائل الصحة العمومية على نطاق العالم، وتبين التقديرات أن واحدا من بين كل 10 مرضى في البلدان المتقدمة يصاب بالأذى أثناء تلقيه الرعاية في المستشفى".
وبين كل 100 مريض يتلقى الرعاية في المستشفى، تضيف المنظمة، "في أي وقت يصاب بالعدوى ذات الصلة بالرعاية الصحية 7 مرضى في البلدان المتقدمة و10 مرضى في البلدان النامية، ويتضرر من ذلك مئات الملايين من المرضى في العالم سنويا"، مشيرة إلى "هناك اعتراف متزايد بأن سلامة المرضى ونوعية رعايتهم تشكلان بعدا بالغ الأهمية، من أبعاد التغطية الصحية الشاملة".
وفي 2014، لمناسبة اليوم العالمي للنظافة الصحية لليدين، قامت منظمة الصحة العالمية، بحملة وسط العاملين الصحيين في العالم، تحثهم على ممارسة النظافة الصحية الجيدة لليدين عندما يوفرون الرعاية للمرضى، وذلك لحمايتهم من العدوى في المرافق الصحية، سيما أن "النتائج الأولية لمسح عالمي أجرته المنظمة بهذا الخصوص، بين أن هذه العدوى تكون غالبا مقاومة للمضادات الحيوية المستعملة في علاجهم".
وأكدت المنظمة أنه "عادة ما تحدث العدوى ذات الصلة بالرعاية الصحية عندما تُنقل الجراثيم عن طريق لمس أيدي مقدمي الرعاية الصحية للمرضى، وبين كل 100 مريض يُعالج في المستشفى سيصاب بعدوى ذات صلة بالرعاية الصحية 7 مرضى في البلدان المرتفعة الدخل و10 مرضى في البلدان المنخفضة/ المتوسطة الدخل".