علال الفاسي "رائد التنوير".. المرأة سيدة قرارها في الزواج (الحلقة3)

موسى متروف

انتصر علال الفاسي في "النقد الذاتي"، في بابه الرابع المخصص لـ"الفكر الاجتماعي"، إلى التجديد والابتكار في الفقه، فقد أشاد بما وصفه بـ"آخر الأعمال المبتكرة"، وهو "اختبار المحاجير قبل الحكم بترشيدهم نظرا لفساد الزمان، مع أن صريح الآية القرآنية: "فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم"، يقضي بأن الترشيد يمكن أن يتم بمجرد الإيناس الذي هو عمل فراسي لا دخل للاختبار فيه. وهذه الروح هي التي يجب أن تصحبنا اليوم حينما نريد دراسة المسائل الشرعية التي تلتصق بمجتمعنا".

تخيير المرأة بكرا وثيبا

وعلى منوال الفقهاء "المبتكرين"، نسج علال الفاسي خريج "القرويين" في قضايا تهم المرأة على الخصوص، ومن ذلك "إجبار الولي أو الوصي البكر على الزواج بمن تريد ومن لا تريد، فهذا العمل مبني على مذهب الإمام مالك الذي يعطي الأولياء والأوصياء حق الإجبار وإن كان يستحب لهم تخيير المرأة في ذلك".

ويؤكد الفاسي أن يعتقد أن "روح العصر لم تعد صالحة لتطبيق مذهب المالكية في الموضوع؛ لأن المرأة المغربية على أبواب التطور الذي لايجعلها مستعدة لقبول مثل هذا التحكم في مصيرها". ويضيف "فالوقت قد حان للعمل بمذهب جمهور الأئمة المسلمين من تخيير البكر والثيب على السواء فيمن تختاره ليكون قرين حياتها".

اقرأ أيضا: علال الفاسي في ذكرى رحيله الـ44.. اجتهادات جريئة لـ"رائد التنوير" (الحلقة1)

ويوضح أن مذهب المالكية في هذه القضية "محجوج"، واعتبر حمل الإمام مالك لحديث "البكر تستأمر وإذنها صماتها، والثيب تعرب عن نفسها"، "على الاستحباب ليس له دليل، لأن الأمر متى أطلق انصرف للوجوب"...

تقنين زواج القاصرات

ولم يقف علال الفاسي، في الفصل السادس من الكتاب الموسوم بـ"المرأة المغربية بين العرف الجاهلي والعمل الشرعي"، عند "إجبار" الثيب والبكر في الزواج، فقد تطرق إلى ما اعتبره "من أشنع مظاهر الإجبار"، وهو "تزوج الصغيرات أو الوعد بتزويجهن ثم إنجازه بعد أزمان". وأوضح "ونحن نعتقد أنه إذا كان للاعتبارات التي بنيت عليها هذه العادة محل في الأجيال الماضية فإنه من الواجب على الجيل الجديد أن يتحرر منها وأن لا يشجعها؛ لأن هنالك فرقا عظيما بين البنت في سنيها الأولى في الحياة وبينها حين تصبح امرأة قادرة على الاختيار".

اقرأ أيضا: علال الفاسي "رائد التنوير".. منع تعدد الزوجات إقامة للعدل (الحلقة2)

وتساءل علال الفاسي "وإذا كنا نستنكر تزويج الصغيرات وإجبارهن فهل من المصلحة أن نكتفي في هذا الباب بمجرد الوعظ والتنبيه معتمدين على ضمائر الناس وامتثالهم، أو الأوفق أن نؤيد ذلك  بتحديد قانوني يندرج تحت أصل شرعي هو مصلحة المرأة العامة ومصلحة الأسرة من حيث هي؟". وأجاب أن "أغلب الأمم المتمدنة تأخذ اليوم بالنظرية الثانية؛ لأن للقانون سلطانا ليس لغيره من وسائل الإقناع". وأعطى أمثلة من فرنسا ومصر، قبل أن يقترح منع تزويج الأنثى والذكر على السواء قبل إتمام 15 سنة "لأنها السن الغالبة في بلوغ الشباب من الجنسين عندنا"، على حد تعبيره.

وحديث علال الفاسي عن زواج القاصرات وتقنينه هو في حد ذاته رأي "ثوري" في بداية الخمسينات، وإن اقترح سن الخامسة عشرة كحد أدنى لسن الزواج.

السلامة من الأمراض المعدية

ومن الإصلاحات التي يجب الاهتمام بها، فضلا على تأكيده على تسليم المهور للمتزوجات من طرف أوليائهم أو الأوصياء عليهن، حسب العلامة علال الفاسي والتي تظهر "تنوره"، العناية بما وصفه بـ"سلامة المتزوجين من الأمراض المعدية التي لا تقبل الشفاء". ولذلك دعا إلى "فرض الإدلاء بشهادة طبية تؤكد ذلك قبل أداء العقد؛ فإذا ثبت وجود مرض معد فلا ينبغي الإفضاء بخبره إلا للمريض نفسه تم التعجيل بمعالجته". وأوضح أن "هذا النوع من الاحتياط حسن في نظرنا للمساعدة في التوقي من الأمراض ومن الوقوع في عدة خصومات تترتب على اكتشاف ما لم يكن منتظرا من الآفات بعد الدخول".

تقرأون في الحلقة المقبلة: تجاوز المذهب المالكي في الطلاق