إذا كان علال الفاسي قد سلّم في "النقد الذاتي" بأن العصمة في التشريع الإسلامي بيد الزوج الذي يمكنه أن يفارق زوجته من غير ما حاجة للرجوع للمحكمة ولا لبيان أسباب الطلاق، فقد وقف عند "منع الزوج من استعمال حقه شرعا لمجرد العبث أو الإضرار بالزوجة، كما يمنع من استعماله في بعض الأوقات كأثناء الحيض؛ ويجبر على الرجعة إن صدر منه، ويحرم الطلاق كلما كان فيه إيذاء".
اقرأ أيضا: علال الفاسي في ذكرى رحيله الـ44.. اجتهادات جريئة لـ"رائد التنوير" (الحلقة1)
ويوضح أن الأدلة الدينية تدل على أن الطلاق يقع بمجرد ما ينطق به الزوج وهو في كامل الوعي، ويؤكد أن كل ما تدل عليه نصوص النهي عن العبث باستعمال الحق هو إمكانية معاقبة الذين يتبعون أهواءهم. لذلك يرى أن "للمرأة أن تطالب بمعاقبة الزوج الذي يطلقها إذا أثبتت أنه استعمل حقه في الطلاق لغاية غير شريفة". وأورد أن ذلك يدخل في قول عمر بن عبد العزيز "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور".
العمل بغير مذهب المالكية لحماية المرأة
يرى الفاسي أنه من الواجب فرض تمتيع المطلقة؛ أي إعطائها تعويضا لائقا بحسب مركزها ويسر الزوج. وأضاف أنه من المعلوم أن تمتيع الزوجة بذلك شيء مأمور به في صريح القرآن وأورد الآية "ومتعوهن، على الموسر قدره وعلى المقتر قدره، متاعا بالمعروف، حقا للمتقين".
اقرأ أيضا: علال الفاسي "رائد التنوير".. منع تعدد الزوجات إقامة للعدل (الحلقة2)
وذكر علال الفاسي أن المذاهب الفقهية إنما اختلفت في هل الأمر هنا للوجوب أو للاستحباب، ليقول إن مذهب المالكية هو الثاني، "ولكننا نرى أنه ينبغي العمل في هذه المسألة بغير مذهب المالكية نظرا للمصلحة التي تفرضها الظروف الحالية لحماية المرأة ومساعدتها وكبح جماح الرجال الذين يتسرعون للتطليق".
وأكد علال الفاسي أنه يجب على علمائنا دراسة "قضية الألفاظ الظاهرة والخفية في الطلاق، وأن يعيدوا النظر في المسائل الراجعة لطلاق العوام؛ فقد كانوا يتشددون في هذا المعنى، ويتفلسفون فلسفة أدت إلى خراب كثير من البيوت، مع أنه من الممكن التماس كثير من المخارج لحماية العائلة من تسرب العوامل التي تهددها في كل الأوقات. من ذلك إنجاز الثلاث دفعة؛ فإنه لم يكن الحكم في عهد الرسول عليه السلام إلا باعتبارها طلقة واحدة، وكذلك في عهد أبي بكر وطرف من خلافة عمر، حتى رأى الفاروق أن الناس أكثروا من التعجل بالطلاق فأنجز الثلاث عقوبة لهم".
إعادة النظر في أيمان الطلاق
ودعا علال الفاسي، في هذا السياق، إلى "إعادة النظر في شؤون الأيمان التي نعتبرها محرمة للزوجة؛ فإن قسما كبيرا من العلماء كانوا يفتون بعدم اعتبارها وسيلة شرعية للطلاق؛ إذ كل حلف بغير الله لغو"، موضحا أن "مذهب المالكية يستثني تحريم الزوجة والأمة؛ لكن هناك مجتهدين كبارا لا يستثنون".
وشدد الفاسي على أن "استعمال الأيمان في تحريم الزوجات من أخطر الأمراض الاجتماعية الموجودة في المغرب؛ لأنها تخرب كثيرا من العائلات التي تعيش في غاية الانسجام ولا تحس بأدنى ميل للافتراق"...
اقرأ أيضا: علال الفاسي "رائد التنوير".. المرأة سيدة قرارها في الزواج (الحلقة3)
وقرر صاحب "النقد الذاتي" أن وضع العصمة في يد الزوج لا يقتضي أبدا أن يباح للرجل الاستبداد على زوجته أو منعه إياها حقا من حقوقها أو الإضرار بها؛ فإن فعل شيئا من ذلك فإن للزوجة حق المطالبة بالطلاق، وحينئذ تدخل المسألة في ولاية القاض، ويقع ذلك في أربعة مواضع "في عيوب الزوجين وفي الإضرار وفي النشوز وفي شأن النفقة"...
ويخلص علال الفاسي إلى أن للزوج حق الطلاق، ولكن يحرم عليه استعماله إلا لضرورة أو ضرر، وأن للمرأة حق المطالبة بالطلاق، وإذا أثبتت الموجب فليس للقاضي عدم تنفيذه، إلا ما كان من شأنه التدخل بالصلح فيما لا يحرم حلالا أو يحل حراما...".