قبل أيام، توقف الاستقلاليون في الذكرى الرابعة والأربعين لرحيل زعيمهم علال الفاسي، عند فكره الوحدوي، و"تيل كيل عربي" تركز، في شهر الصيام، على فكره التنويري.
"دلالة على أفكار"
وصف العديد من المفكرين والكتاب علال الفاسي بـ"رائد التنوير"، كما فعل أحمد بابانا العلوي في كتابه "علال الفاسي رائد التنوير الفكري في المغرب: المفكر السلفي المجدد والزعيم السياسي".
ويتم التوقف في هذا الجانب من ريادة علال الفاسي ليس فقط بسبب "اجتهاداته الجريئة" التي وثقها أساسا في كتابه "النقذ الذاتي" الذي أصدره في القاهرة سنة 1952، وإنما في "سلفيته" الوطنية، التي قورن فيها كثيرا مع محمد عبده، ولو أن المفكر عبد الله العروي يجد اختلافا كثيرا بين الرجلين، خصوصا في جانب الاطلاع على فكر الغرب وقوانينه الذي تفوق فيه المفكر المغربي على المفكر المصري.
ورغم زعامة علال الفاسي لحزب الاستقلال ومكانته العلمية، باعتباره أحد علماء القرويين، فقد كتب في مقدمة "النقد الذاتي" أن أفكاره ليست نهائية حتى بالنسبة إليه! فقد كتب "وليس ما أعرضه في هذا الكتاب أفكارا أفرضها على قرائي أو ألزمهم بانتحالها، بل إنها ليست بأفكار نهائية حتى بالنسبة إلي، وإني مستعد لأن أعيد النظر في كل رأي منها مع أي واحد ممن يهمهم الدرس والبحث عن الحقيقة رغبة في اتباعها. إنني لا أعتبر ما كتبته في النقد الذاتي أفكارا، وإنما هو دلالة على أفكار، وقصارى ما أريد هو أن يتعلم القارئ حب البحث والنظر، والإيمان بالعقل وبالمثل العليا كوسيلة لما يجب أن يصل إليه من حقيقة ومعرفة".
طريق وعر "مهده"
وأوضح علال الفاسي "ومن المناسب أن أنبه إلى أن ما أعرضه الآن إنما أقدمه بصفتي الشخصية؛ أي لا بصفتي زعيما لحزب الاستقلال، ولذلك فإن شباب هذا الحزب أول من أدعو للنظر في هذه الفصول حتى يتسنى لهم أن يشاركوا في تكوين البرنامج الذي سيعمل حزبنا على وضعه لمغرب المستقل إن شاء الله". وهذا هو مربط الفرس، لأن أفكار علال الفاسي، خصوصا الواردة في الكتاب الصادر في ذروة الاستعمار الفرنسي والإسباني للمملكة، لم تترجم إلى برامج وقوانين في المغرب المستقل، خصوصا في الجانب المتعلق بالمرأة، وهي التي تكسب أفكاره طابعها التنويري.
وفي هذا السياق، يقول علال الفاسي في الكتاب ذاته "وإذا قدر للنخبة المغربية أن تجتمع يوما لتضع برنامجا عاما مفصلا لكل فروع الحياة ومظاهر النشاط القومي في مغرب الغد، ووجدت في هذا الكتاب ما يدلها على سبيل تحقيق غايتها فسيكون ذلك خير جزاء على الجهد الذي بذلته، والطريق الذي مهدته".
الطريق "التنويري" الذي مهده يظهر في الباب الرابع المعنون بـ"الفكر الاجتماعي"، حيث تحدث عن بعض القضايا التي توجد في تماس مع الدين، كتعدد الزوجات والطلاق وزواج القاصرات على سبيل المثال، والتي دعا فيها بوضوح إلى تجاوز المذهب المالكي، وهي أفكار كانت متقدمة على مدونة الأحوال الشخصية التي صدرت التي صدرت في بداية الاستقلال سنة 1957، ولا حتى مدونة الأسرة التي صدرت بعد أكثر من نصف قرن من صدور الكتاب...
تقرؤون في الحلقة الثانية "تعدد الزوجات"