يسود الفتور أجواء عيد الأضحى هذا العام في العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء بعدما منعت الداخلية دخول الأكباش إلى الأحياء، ومنعت كراء "الكراجات"، قبل أن تعود وتأذن بذلك قبل اسبوع فقط من يوم النحر. في شوارع المتربول المغربي يغيب الكبش عن أهم الأحياء، ولولا انتشار بعض "براكات" بيع الفحم والبصل وعلف الفصة والتبن، لاختفت علامات "العيد الكبير" من حواري وأحياء المدينة المترامية الأطراف بالمرة.
أين الحولي؟ والرحبة مهجورة..
تأتي "ندرة" العثور على أماكن لبيع الأكباش في المدينة هذ العام لتنضاف إلى حملة التعبئة التي صاحبت الاستعداد لعيد يذبح فيه المغاربة سنويا ما يزيد عن 5 ملايين رأس من الغنم، أغلبها من الأكباش، بعد أن رأت وزارة الفلاحة أن من بين حلول تفادي فضيحة العام الماضي، لاخضرار اللحوم، هو ترقيم القطيع بعد خضوعه لمراقبة العلف وتلقيحه، كلها عوامل تجعل من هذا العيد مميزا عن سابقيه. أما أسعار الحولي فتلك حكاية أخرى...
يفضل عبدالقادر البوزيري، وهو كساب من منطقة الكارة، التركيز في إعداد براد شاي أكثر من أن يهتم بقدوم زبون مستطلع، يقف أمام شاحنته يقلب بأنظاره الأكباش والخرفان، يشير الزبون المفترض بسبابته إلى خروف متوسط الحجم، "شحال هاد المبروك؟" سائلا، يحمل عبدالقادر عصا ليؤكد اختيار الكبش، "64" تلفظ الكساب دون تردد، بينما جحظت عينا الزبون وانسحب في صمت.
أغلب القادمين فضوليون يطوفون بأعناق مشرئبة لجس نبض السوق
"شوف أ الشريف المركد راه من الكارة، وسرادى مزيانين، ولكن راه حتى أنا في الرحبة خاصني نخلص عشرين ألف ريال في النهار لا بغيت نبيع"، هكذا فسر الرجل ارتفاع السعر، يرى عبدالقادر أن غلاء العلف ومنع الكسابة من دخول المدن، وفرض الرحبة كسوق مخصصة لبيعه هذا العام، كلها عوامل أثرت في ارتفاع السعر .
يرى عبدالقادر الذي اعتاد كراء محلات تجارية في أحياء سيدي معروف وعين الشق منذ سنوات أن إحجام الكسابين والفلاحين عن دخول الرحبات، أدى بالسلطات إلى التراجع عن قرار منع بيع الأكباش في "الكراجات" في اللحظات الأخيرة.
يقول "أنظر إلى رحبة الولفة حيث نقف، عدد الشاحنات لا يتعدى الستة، أهذه رحبة هذه؟، كما أن الزبائن صاروا يهابون القدوم إلى سوق الاغنام، وذلك خوفا من تعرضهم للسرقة بالإكراه، وليس السرقة بالنشل كما كان منتشرا في وقت ماضي على الأقل".
على امتداد البصر المتجه صوب شاحنات الأغنام المصطفة، لا تبدو هناك صفقات تعقد من بعيد ولا ضربات بالكف تقدم آخر عرض في مسلسل طويل من المفاوضات أو "المتاوية"، أغلب القادمين فضوليون يطوفون بأعناق مشرئبة لجس نبض السوق.
السفر خارج المدينة لاستقدام الكبش
يرى محمد، الشاب الذي تجاوز 38 من عمره أن أغلب البيضاويين يفضلون اليوم الخروج إلى البوادي لاقتناء أضحية العيد، وغالبا ما يقتنونها بأسعار مناسبة، أقل بـ500 درهم عن سعر كبش المدينة. ويقول "عندما سمعنا أن الحولي منع من دخول المدينة، قررت صحبة أصدقاء أن ننتقل إلى منطقة مزاب، فعندما نتقدم كخمسة زبائن، فإننا نفاوض من موقع قوة مع الكساب أو الفلاح".
يعلق محمد الذي وجد نفسه مارا بالقرب من رحبة الولفة، ليقرر الاستطلاع ومقارنة سعر كبشه مع ما يوجد في سوق المدينة "أعتقد أنني لو جلبت كبش مزاب إلى السوق اليوم لربحت ما لا يقل عن 600 درهم بسرعة، لقد ساومت أكباشا في حجمه فوجدتهم بـ3700 درهم، في حين أنني اشتريته بـ3100".
تتوزع الأسعار ما بين 2000 لأصغر الخرفان، و3300 لخروف متوسط، أما سعر الكبش الممتاز فيبدأ من 3700 درهم إلى غاية 4600 درهم.
لم يكن فتور "العيد الكبير" مقتصرا على الأحياء والشوارع كما اعتاد البيضاويين، بل مس أيضا السوق، فكانت الوجهة شارع عبدالله الصنهاجي الذي تحول إلى شبه مزار لسكان المقاطعات المجاورة، بسب انتشار محلات بيع الأكباش، بعدما اختارت مقاطعات في المدينة حظر فتح محلات بيع الأكباش كما وقع في بن مسيك وسيدي معروف.
يكثر الرواج نسبيا في شارع عبدالله الصنهاجي ق، هذا الشارع الذي يعتبر أكثر هدوءا وأقل صخبا من موازيه شارع محمد السادس، لكن انتشار محلات لبيع الاكباش على طوله وبمختلف الجنبات، خلق فيه رواجا تسبب في اكتظاظ غير معهود.
تحولت محلات مهجورة أو مقاهى مفلسة إلى إسطبلات للغنم موزعة على جنبات الشارع، يقول صالح وهو مساعد لشقيقه الكساب القادمين من قلعة سراغنة: "الحركة عيانة، والناس خايفين يقربو، ولكن ميخاصش من أصل 180 راس راه بعنا شي 95، ومازال مللي تخلص الناس عاد تنوض القضية مزيان".
لا يترد صالح في اعتبار غلاء العلف أحد أهم اسباب ارتفاع أسعار هذا العام، ويقول "عندما نطالب بمراقبة العلف، فمن الطبيعي أن التنافس سيكون حول جودة الكلأ، فكلما ارتفعت تكاليف العلف كلما رفع الكساب السعر".
في محل يقع بالقرب من مقر البريد، تتوزع الأسعار ما بين 2000 لأصغر الخرفان، و3300 لخروف متوسط، أما سعر الكبش الممتاز فيبدأ من 3700 درهم إلى غاية 4600 درهم.
الترقب سيد السوق والأسعار تفزع
يقول أستاذ تعليم متقاعد زار كل محلات الأغنام الممتدة على طول الشارع، "هناك 800 درهم زيادة تقريبا في سعر الخروف مقارنة بالعام الماضي، أتمنى أن تنزل الأسعار في الايام القليلة المقبلة، وأعقتد أن قلة الطلب إلى حدود اليوم الخميس 16 غشت، لا تشجع الكسابة وبائعي الأغنام على المغامرة".
يدافع كساب آخر اتخذ من كراج محلا لعرض بضاعاته، عن رفع السعر، ويقول "أخبرك أن سعر الكبش لدي مرتفع بـ300 أو 400 درهم، عما هو موجود في السوق، لأنني بكل بساطة أعلفه علفا نقيا، شم شم رائحة خرفاني إنها تقتات من كل ما هو بيو".
هكذا تباهى أحد تجار الأغنام، الذي يقدم نفسه بأنه كساب وحرفي بهائم، بالدفاع عن أسعاره أمام الزبائن المتجمهرين.
في محل ثالث انتهت سيدة محجبة رفقة ابنها من عقد الصفقة، خروف صغير، بسعر 1700 درهم، كل السائلين عن الثمن يؤكدون أنها صفقة رابحة للسيدة.
يقول مصطفى الذي يدير محلا علقت فوقه يافطة عريضة كتب عليها أكباش المسكيني، نسبة لمنطقة ابن مسكين في الشاوية معقل سلالة السردي الشهيرة، "هادي يوماين دابا والناس تتسول على لخرفان صغار، مطلوبين، وها نت شوف، راه لحوالا اللي من ورا البارا، راه مبيوعين".
يشرح هذا الفلاح وتيرة البيع منذ أن فتح الأبواب قبل ثلاثة ايام تقريبا، ويقول "في اليومين الأولسن، كان هناك إقبال، أما منذ أمس الأربعاء هناك نوع من التراهي، فقط هناك زبائن تجس نبض السوق، وهي مترددة بين الشراء أو الانتظار إلى ما بعد لعل الأسعار تنخفض".