بقلم مصطفى البغدادي، باحث في قضايا الفن والهندسة الثقافية.
في فيلم مصري درامي، يموت أب أسرة أثناء عملية مداهمة مجرمين يهددون سلامة المواطنين. زوجة الشُّرطي تتصل به لتخبره أن ابنه الصغير يعاني من مشاكل في التّنفُّس لكنه لا يجيب. تتّجهُ الزوجة مسرعةً إلى المستشفى مُحاولةً إنقاذ الطفل الصّغير. في نفس الوقت، يتعرّضُ الأب لطَلقةٍ نارية تُرديهِ قَتيلاً. بعد لحظات، تخرج أخصّائية طبّ الأطفال لتعتذر للسيدة وتُخبِرها بوفاة وَلِيدِها الصغير الذي لم يتَجاوز الأربعة أشهُر.
مشاهد تجعلكَ تحبسُ الأنفاس وأنتَ تتابع خيوط فيلم نُسجت بعناية دقيقة حيث تجعلك تقِفُ مشدوهاً أمَام سيناريو ومهنيّة تَأخُد بعين الاعتِبار المشاهد المُفترَض والذي من حقّه أن يتابع افلاماً ترقى بذَوقِه وتحترمَ نضْجَهُ وإنسانيّتهُ.
في مقابل ذلك، نجدُ أفلاماً مغربيّةً أهلكت أنظارَنا طيلَة موسم رمضاني بئيسٍ درامِياً. أفكار وسيناريوهات مستَهلكَة ووُجوهٌ عمَّرت طويلاً وعايشَتْ أجيالاً دون أن تبرَحَ الشّاشة الصّغيرة. الغريب في الأمر وما زاد الطّين بلّةً هو تجسِيد أدوار من طرف صنّاع محتويات سُوقية فارغة المحتوى وتهميش قامات كبيرة أعطت الشيء الكثير والكبير للمسرح والسينما المَغربيّيْن.
إنَّ هذا المنعطف الكبير في الإنتاج الفنّي يزيد من تكريس التفاهة ونشْرِ البداءةِ والعفَنِ اللّذين أزكَمَا أنفَ الساحة الفنية والثّقافية على حدِّ السّواء.
ليسَ كلُّ كوميدي بفنّان كما ليست كلُّ مغنّية بممثّلةٍ أو بطبيبة. عندما نعطي لكل ذي حقّ حقه من التخصّصِ المبني على تكوين أساسٍ وأكاديمي رصين، يمكننا آنذاك الحديث عن إنتاجات قابلة للنّقد والتّقويم. أمَا وكما هو الحال في الإنتاجات الحالية، فلا سبيل لنقاش حول الصناعة الفنّية بالمغرب.
في الوقت الذي قطعت فيه السينما والمسرح العالميّين أشواطاً كبيرة من المهنيّة والإبداع، نجد، في الحالة المغربية، القهقرة وتهميش خرّيجي معاهد التكوين المسرحي ومهن الدراما والتمثيل، الشيء الذي يجْعلنا دائما أمام وجُوهٍ وأدوار جديدة قديمة.
إن دور السينما والإنتاج التلفزي في توجيه بوصلة القيم والعادات غاية في الأهمية كون الصورة، ثابتة كانت أم متحركة، قادرة على حمل دلالات عديدة قد تدفع المشاهد إلى التفكير والتحليل والاستنتاج. مشاهد يتفاعل بالصورة ومع الصورة في عالم أصبح يلفنا بشتى ألوان الوسائط التواصلية.
ما يغلب على الإنتاج الدرامي هو إعادة تصوير الواقع الذي نعيشه في مناحي حياتنا الاجتماعية والاقتصادية وغيرهما، وندع جانبا السينما الحالمة التي من المفترض أن تفتح لنا نافذة مشرعة على عالم ممكن، عالم نسمو به ونتعالى على الأدران التي نخرت واقعنا ومعيشنا. إن للسينما لسحرا فتانا وقوة رهيبة في تشكيل الوعي الجمعي للمجتمعات إذ هي أسست على قواعد جمالية وذوقية رفيعة غير تلك التي يتم اجترارها وإنتاجها بقواعد فيلمية
ألم يحِنِ الوقت لأن نرقى بتلفزتنا وسينيمانا؟ ألم ندرك بعد أن المُشاهد يتجوّل بين قنوات عالمية تعطي هامشا كبيرا من الخيارات الفنّيةِ والجمالية الممتعة؟ ألم ندرك بعدُ أن لنا خزّاناً كبيرا من الطّاقات الشابة والأكاديمية التي يمكن أن يكون لها الوَقعُ الكبير على الصناعات الفنّية والثقافية ببلادنا؟ أسئلة نرجو أن نجِد لها أجوبةً في أفلام تلفزية وسينمائية ترقى إلى مستويات عالية تليق بالمشاهد المغربي.