كشف مرصد العمل الحكومي، في ورقة سياسية صادرة حديثا، أبرز التحديات التي تواجه حكومة عزيز أخنوش، خلال الدخول السياسي، في ظل السنة الرابعة من ولايتها، وعلى رأسها "غول الفساد"، وملفا "الطاقة والماء" و"التشغيل"، بالإضافة إلى أزمة "الاحتقان الاجتماعي".
التشغيل ... الحلقة الأضعف
ونبه المرصد إلى أن التشغيل يعد من أبرز نقاط ضعف حكومة عزيز أخنوش؛ حيث تُسجل البلاد مستويات مقلقة من نسبة البطالة.
وأوضح المصدر نفسه أن هذه النسبة وصلت إلى 13.7 في المائة كرقم قياسي؛ مما يثير مخاوف كبيرة بشأن القدرة على توفير فرص الشغل للشباب.
وسجل المرصد أنه بالإضافة إلى ذلك، يواجه المغرب تحديا آخر يتمثل في تزايد أعداد الشباب الذين لا يعملون ولا يتلقون التعليم أو التدريب (NEET)، الذين بلغوا أزيد من مليون ونصف؛ مما يعكس فشل المنظومة في تلبية احتياجات فئة حيوية من المجتمع.
وتابع أنه في ظل توالي الأزمات الاقتصادية الدولية، والجفاف الذي أثر، بشكل كبير، على الأنشطة الاقتصادية، وخاصة في القطاع الفلاحي، انخفض عدد مناصب الشغل في المجال القروي بأكثر من 160 ألف منصب؛ مما يزيد من حدة أزمة البطالة. وبناء على هذه المعطيات، تبرز ضرورة اشتغال الحكومة على التحول الاقتصادي نحو الاعتماد على الصناعة؛ مما يتطلب بلورة برامج إرادية جديدة للتشغيل تستجيب، فعليا، للإشكاليات التي يواجهها سوق الشغل. كما يتعين، كذلك، على الحكومة، تطوير إستراتيجيات تتضمن تحفيز الاستثمارات في القطاعات الصناعية والخدمية، وتعزيز التكوين المهني، وتوفير الدعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
غول الفساد
كما نبه المرصد إلى أن الفساد في المغرب يعتبر من أبرز التحديات التي تواجه حكومة عزيز أخنوش في عامها الرابع؛ حيث وصل إلى مستويات خطيرة تهدد الاقتصاد الوطني واستقرار المجتمع.
وسجل أن كلفة الفساد في المغرب بلغت ما يزيد عن 50 مليار درهم سنويا؛ وهو ما يشكل نزيفا حقيقيا لموارد الدولة، ويؤثر، بشكل مباشر، على فرص التنمية الاقتصادية وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
وأضاف المصدر نفسه أن الوضع ازداد تعقيدا مع تراجع تصنيف المغرب في مؤشر إدراك الفساد العالمي؛ حيث انخفض ترتيبه من المرتبة الـ73 إلى المرتبة الـ97 عالميا، في غضون خمس سنوات؛ مما يعكس انتشارا متزايدا للفساد في مختلف القطاعات، وضعف الجهود الرامية إلى محاربته.
ورغم خطورة هذه الظاهرة، يتابع المرصد، فإن حكومة أخنوش لم تتمكن، حتى الآن، من تقديم تصور واضح وفعّال لمواجهة الفساد والحد من تداعياته، بل على العكس من ذلك، أشار تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لعام 2023 إلى عدم انخراط المؤسسات الحكومية والإدارية، بالشكل المطلوب، في تفعيل إستراتيجية محاربة الفساد التي تم وضعها منذ سنوات؛ حيث يظهر التقرير غياب الالتزام الفعلي من طرف الجهات المسؤولة في تنفيذ التدابير والإجراءات الموصي بها؛ مما يُفاقم من انتشار الفساد، ويُضعف من فعالية السياسات الرامية إلى تحسين الحكامة؛ الشيء الذي يزيد من التحديات التي تواجهها الحكومة، واضعا إياها تحت ضغط متزايد لإيجاد حلول سريعة وملموسة تعيد الثقة للمواطنين، وتساهم في تحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات.
الطاقة والماء.. الطموح الأبرز
وسجلت الورقة السياسية أن حكومة أخنوش تواجه تحديات متعددة تتعلق بملف الطاقة والماء؛ مما يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة للتغلب عليها.
وأوضحت أنه في مجال الطاقة، يُعتبر التحول الطاقي أحد أبرز التحديات؛ حيث يجب على الحكومة تقليص الاعتماد على الطاقة الأحفورية التي تساهم في عجز الميزانية.
وتشير التقديرات إلى أن تكاليف الطاقة التقليدية تمثل حوالي 50 في المائة من إجمالي العجز في الميزان التجاري. ولتحقيق أهداف الطاقة المتجددة، يتوجب على الحكومة العمل على هدف بلوغ 52 في المائة من المزيج الطاقي الوطني، بحلول عام 2030؛ وهو ما يستلزم استثمارات ضخمة تُقدر بحوالي 143 مليار درهم.
وتابع المصدر نفسه أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تحسين البنية التحتية، بما في ذلك تطوير محطات الطاقة الشمسية والريحية، وتطوير عرض المغرب (الهيدروجين الأخضر)، إلى جانب توفير التمويلات اللازمة من القطاع الخاص والجهات الدولية؛ حيث يُعتبر جذب الاستثمارات أحد العناصر الأساسية لنجاح هذا التحول.
أما في مجال الماء، فإن الأزمة تزداد تعقيدا بسبب التغيرات المناخية ونقص الموارد المائية. ووفقا للتقديرات، يُتوقع أن يرتفع الطلب على المياه في المغرب بنسبة 30 في المائة، بحلول عام 2030؛ مما يفرض ضغطا إضافيا على الموارد المائية المتاحة.
ولمواجهة هذه التحديات، تسعى الحكومة إلى إنشاء 36 محطة لتحلية مياه البحر، بحلول عام 2030، والتي تتطلب استثمارات ضخمة تقدر بحوالي 10 مليارات درهم، هذا بالإضافة إلى مشاريع الربط المائي بين الأحواض المائية، التي تتطلب استثمارا إضافيا قدره 20 مليار درهم.
واعتبر المرصد التنسيق بين القطاعات المختلفة تحديا كبيرا في هذا السياق؛ إذ أن عدم التنسيق بين الوزارات المعنية يؤثر سلبا على فعالية البرامج والمشاريع المائية والطاقية؛ مما يستلزم ضرورة تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وأضاف المصدر نفسه أنه في إطار تعزيز الوعي العام، يُعتبر تحسين ثقافة الحفاظ على الموارد الطبيعية أمرا حيويا؛ حيث يتطلب الأمر جهودا حثيثة لزيادة الوعي حول أهمية الترشيد في استهلاك الطاقة والماء.
وتشير الدراسات إلى أن 60 في المائة من المغاربة لا يمتلكون المعرفة الكافية حول كيفية ترشيد استهلاك المياه والطاقة؛ مما يُظهر الحاجة الماسة لتكثيف الحملات التوعوية.
القوانين الاجتماعية.. الإخفاق أو النجاح؟
وحسب الورقة السياسية، فإن حكومة عزيز أخنوش تواجه مجموعة من التحديات البارزة المتعلقة بالقوانين الاجتماعية، والتي تمثل عوامل حاسمة في تعزيز مناخ الأعمال وتحقيق العدالة الاجتماعية في المغرب؛ حيث تعتبر قضايا مثل قانون الإضراب، وتعديل مدونة الشغل، وتنظيم عمل النقابات من الملفات الحيوية التي تعكس التزام الحكومة بتحسين ظروف العمل وتعزيز حقوق العمال.
وسجلت أنه رغم تضمين هذه القضايا في اتفاق الحوار الاجتماعي، فإن الحكومة لم تُحرز تقدما ملموسا في معالجتها؛ مما يُثير تساؤلات حول قدرة الحكومة على تنفيذ هذه الالتزامات.
وتابع المرصد: "فكما هو معلوم، فإن المغرب يسعى، حاليا، إلى قلب معادلة الاستثمار؛ بحيث تُصبح الثلثين من الاستثمارات خاصة، بينما يُخصص الثلث فقط للاستثمارات العامة.
وأبرز أن هذا التحول يتطلب بيئة قانونية مستقرة وشفافة تشجع على استقطاب الاستثمارات الخاصة وتعزيز الثقة بين المستثمرين والحكومة. وبالتالي، يصبح تطوير القوانين الاجتماعية ضرورة ملحة لضمان حقوق جميع الأطراف المعنية، سواء من العمال أو أصحاب العمل.
إضافةً إلى ذلك، سجل المصدر نفسه ضرورة تطوير برامج تأهيلية وتدريبية تساهم في رفع مستوى كفاءة العمال؛ حيث يواجه سوق العمل تحديات جديدة؛ مثل التحول الرقمي والتغيرات التكنولوجية السريعة، معتبرا أن دعم التكوين المهني وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص سيكون له تأثير إيجابي على خلق فرص العمل وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.
الاحتقان الاجتماعي
وتواجه حكومة عزيز أخنوش، حسب المرصد، حالة احتقان اجتماعي غير مسبوقة في مختلف القطاعات؛ حيث تعكس هذه الأوضاع الصعبة تزايد المطالب الاجتماعية من قبل المواطنين نحو زيادة الأجور، وتحسين مستوى الدخل، والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين؛ وهو ما يضع الحكومة أمام تحديات كبيرة؛ إذ تتطلب الاستجابة لها زيادة في الميزانيات المخصصة للبرامج الاجتماعية؛ مما يرفع من مخاطر الالتزامات المالية للحكومة.
ويُضاف إلى هذه التحديات تأثير ارتفاع الأسعار ومستويات التضخم على القدرة الشرائية للمواطنين؛ حيث شهد المغرب، خلال الفترة الأخيرة، زيادة ملحوظة في الأسعار، لاسيما في المواد الغذائية والطاقة؛ مما أثر سلبا على حياة الأسر المغربية؛ إذ يُعتبر التضخم أحد العوامل الرئيسية التي تُضعف القوة الشرائية، الشيء الذي يجعل من الصعب على المواطنين تلبية احتياجاتهم الأساسية. وبهذا، يصبح تحقيق الاستقرار الاجتماعي أمرا بالغ الأهمية لضمان تمكين المغاربة من شروط حياة كريمة، وفق المصدر نفسه.
وتابع المرصد أن ذلك يتطلب تبني سياسات اقتصادية فعالة تتضمن إصلاحات هيكلية تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، كما ينبغي على الحكومة العمل على تحسين الظروف المعيشية للفئات الأكثر هشاشة، بما في ذلك الفئات العاملة في القطاعات غير المهيكلة. وبالتالي، يجب على الحكومة أن تُظهر جدية في التعامل مع هذه التحديات، وأن تتبنى مقاربات شاملة تتضمن إشراك جميع الفاعلين الاجتماعيين، بما في ذلك النقابات والهيئات المدنية، من أجل تحقيق التوازن بين مطالب المواطنين وقدرة الدولة على الاستجابة لها.
إفلاس صندوق التقاعد
وسجل المرصد أن ملف إصلاح التقاعد في المغرب يشكل أزمة معقدة تتطلب حلولا عاجلة ومستدامة؛ حيث يواجه نظام المعاشات المدنية خطر الإفلاس، بحلول سنة 2028.
وأضاف المصدر نفسه أنه من المتوقع أن يستنفد هذا النظام كامل احتياطاته؛ مما سيجبر الدولة على ضخ ما يقرب من 14 مليار درهم سنويا، للحفاظ على استمرارية صرف المعاشات لفائدة المتقاعدين.
كما أشار إلى أن الحكومة تدرك خطورة هذا الوضع. لذا، أكدت، من خلال اتفاق الحوار الاجتماعي، أنها ستسعى إلى التوصل إلى اتفاق لإصلاح منظومة التقاعد مع الفرقاء الاجتماعيين، خلال هذه السنة. ومع ذلك، فإن الإصلاح المطروح من طرف الحكومة يرتكز على ثلاثة مبادئ أساسية؛ هي: الزيادة في قيمة الاشتراكات، والرفع في سن التقاعد إلى 65 سنة، وخفض قيمة المعاشات.
وتابع أن هذا التوجه يعني أن الأجراء سيتحملون، بشكل شبه كامل، عبء تكاليف هذا الإصلاح؛ وهو ما أثار رفضا واسعا من النقابات التي ترى أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى زيادة الأعباء المالية على العمال والموظفين، دون تقديم ضمانات كافية بشأن تحسين جودة التقاعد على المدى البعيد.
وأضاف المرصد أن ما يزيد من تعقيد هذا الملف هو عدم التوافق بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين؛ مما يعزز المخاوف حول قدرة الحكومة على المضي قدما في إصلاح يحقق التوازن بين استدامة النظام وحماية حقوق المتقاعدين والعاملين على حد سواء. وفي ظل هذا الوضع، يبقى ملف إصلاح التقاعد ورشا شائكا وحساسا يفرض على الحكومة التعامل بحذر، وتقديم تنازلات تضمن استدامة النظام دون تحميل العاملين وحدهم كلفة هذا الإصلاح.
الحماية الاجتماعية
ونبه المرصد إلى أن ورش الحماية الاجتماعية، الذي أطلقه المغرب، يواجه تحديا كبيرا يتعلق بضمان الاستدامة المالية؛ حيث تصل كلفة هذا المشروع إلى حوالي 51 مليار درهم سنويا، تُمول من خلال مساهمات الدولة إلى جانب اشتراكات المنخرطين، إلا أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات كشف عن وجود خلل كبير في آلية تحصيل الاشتراكات.
وأوضح المصدر نفسه أن إيرادات الاشتراكات لم تتجاوز نسبة 27 في المائة من إجمالي المشتركين المستهدفين؛ وهو الواقع الذي يثير تساؤلات جوهرية حول مدى انخراط المغاربة في هذا المشروع الوطني، ومدى فعالية السياسات المتبعة لضمان مشاركة أوسع وشاملة. فضعف الإقبال على الاشتراك يعكس غياب الثقة لدى فئات واسعة من المجتمع، خاصة في ظل غياب إصلاحات مرافقة تزيد من جاذبية الورش وعدالته، وهو ما لم تعالجه حكومة عزيز أخنوش، بشكل كاف.
وتابع أن تحسين جاذبية هذا المشروع يتطلب إجراءات فعالة تسهم في تحسين التواصل حول فوائده وتعزيز العدالة الاجتماعية بين مختلف الفئات؛ مما يشجع المواطنين على الانخراط والمساهمة، بشكل أكبر، في هذا النظام. فمن دون هذه الإصلاحات، يبقى المشروع معرضا لضغوط مالية متزايدة قد تؤثر على استدامته؛ وهو ما يهدد بتحقيق أهدافه في تحسين الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاقها، ليشمل الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
لا توازنات بدون موارد
وسجل المرصد أن زيادة النفقات الحكومية نتيجة لمشاريع الإصلاح والتنمية التي أطلقتها الحكومة تتطلب تمويلا أكبر؛ مما يضعها أمام تحد كبير يتعلق بإيجاد مصادر تمويل مستدامة للحفاظ على وتيرة تنفيذ هذه المشاريع، دون التأثير سلبا على استقرار الميزانية العامة.
وأضاف المصدر نفسه أن الحكومة تواجه ضغوطا لتحقيق توازن بين الوفاء بالتزاماتها التنموية؛ مثل تحسين البنية التحتية ومشاريع الطاقة والماء وتطوير قطاعي الصحة والتعليم والقدرة الشرائية للمواطنين و تحسين الدخل، وبين الحفاظ على الانضباط المالي وخفض العجز؛ حيث يصبح البحث عن موارد جديدة مسألة ضرورية، سواء من خلال تعزيز العائدات الضريبية بطرق أكثر فعالية وعدالة، أو عبر تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي يمكن أن تساهم في تمويل المشاريع الكبرى، والاستفادة من التمويلات الدولية، سواء من خلال القروض الميسرة، أو من خلال الشراكات مع مؤسسات مالية عالمية.
ومع ذلك، يتابع المرصد، فإن هذه الخيارات تتطلب إدارة حذرة لضمان عدم ارتفاع مستويات الديون إلى مستويات غير قابلة للاستدامة (تصل نسبة الاستدانة في المغرب إلى 69 في المائة من الناتج الداخلي الخام)؛ مما قد يؤثر على التصنيف الائتماني للبلاد، ويحد من قدرتها على الاقتراض في المستقبل بشروط ميسرة.
وأبرز أن كل ذلك يجعل من الضروري تحسين فعالية الإنفاق العمومي، وضمان توجيهه نحو القطاعات الأكثر أولوية وتأثيرا على التنمية؛ مما يساهم في تحقيق أهداف النمو الاقتصادي، دون الإخلال بالتوازن المالي.