فبركة "أزمة مياه الشرب".. عن ماذا تبحث فرنسا وبعض من إعلامها الموجه؟!

أحمد مدياني

بقلم أحمد مدياني

منذ الزلزال الذي ضرب خمسة أقاليم بالمغرب، وساسة فرنسا وإعلامهم الموجه عن سبق إصرار وترصد، يحاولون إظهار المغرب وكأنه "ملحقة فرنسية تعيش في قرونهم الوسطى"، لا يمكنها تجاوز آثار الكارثة دون ذبح الديك على أعتاب تراب المملكة.

ودون العودة لكل التفاصيل المملة التي جاء بها من هم ينتمون لبقايا عقلية الاستعمار، قبل وبعد رفض المغرب لدخول مساعداتهم، وقفت عند ما وصف بروبرتاج صغير جدا، لا يستحق وضعه في هذا التصنيف بالنظر إلى ما يعنيه الروبرتاج في دروس "ألف باء..." الصحفية.

"الروبرتاج" الذي لا يحمل بين حروفه ما يستحق الوصف بذلك، موقع من طرف "فرانس بريس" أي "وكالة الأنباء الفرنسية"، ويحمل عنوان: "سوء النظافة... تهديد جديد للناجين من زلزال المغرب (ريبورتاج)".

ومن بين ما جاء فيه: "قال فيليب بونيه، مدير الطوارئ في منظمة "سوليداريتيه إنترناسيونال" الفرنسية الخيرية في مكالمة هاتفية مع وكالة (فرانس برس)، إن المياه الملوثة ناقل رئيسي للأمراض من الإسهال إلى الكوليرا".

وأضافت خربشة الوكالة على لسان نفس الفرنسي، أن "غياب النظافة قد يؤدي كذلك إلى مشكلات جلدية، كما أن البرد يسبب أمراضا تنفسية مثل التهاب الشعب الهوائية".

ماذا تحاولون فبركته بالضبط ضد المغرب؟! لو عالجتم في وكالة فرنسا الرسمية مشكل النظافة من زاوية قلة المرافق الصحية كان يمكن تفهم ذلك، بل نقله ونشره لصالح المتضررين من الزلزال، دون تقديم هذه الأزمة وكأنها حصلت في مناطق تضاريسها يصعب ترويض نقل حلول بديلة إليها، أنتم في باريس، طلب منكم ساستكم، بدون أن تعيشوا كارثة، التعايش مع فئران المجاري، ولم تجد لكم حلا للعيش بعيدا عن تبعات مخلفاتها الصحية.

ولو اجتهدتم قليلا، وعالجتم ما قد يسببه فائض المساعدات التي وصلت المناطق التي ضربها الزلزال من مشاكل بيئية، لا كنتم بجملكم غير المهنية، اليوم، تساعدون من يدعون لعقلنة تدفقها نحو الجبال بسخاء المغاربة دون حسابات سياسية مقيتة.

ألم يخاطبكم الكوميدي المغربي جاد المالح - وليس الفرنسي/المغربي كما حاولتم إلصاق الصفة به، بأن "تضامن المغاربة في ما بينهم نابع من ثقافة مغربية أصيلة غير مزيفة تحمل حس هذا التضامن في جيناتها".

قال لكم من وسط فرنسا: "استلهموا الدرس من المغاربة. تعلموا كيف يكون التضامن والعيش المشترك دون استغلال".

ومن بين الدروس التي حاول الكوميدي جاد أن تنتبهوا إليها، إن اجتهدتوا قليلا، وكنت تنقلون ما تصفونه ب"ريبورتاج" من مناطق الزلزال، هو أن الماء الصالح للشرب لم يكن أزمة ولن يكون كذلك.

ولو كان أزمة لانتفضت الأقلام الصحفية المغربية قبلكم للتنبيه لها، دون وصايتكم التي تنبع من بعدكم عن الواقع.

هناك في الجبال، حتى المياه المعدنية أصبحت فائضا يمكن أن تجد قنيناته على قارعة الطريق. والإصابة بالكوليرا بسبب شرب الماء الملوث توجد في مخيلتكم لا غير.

يلا الصحافي الفرنسي لي تشها يشرب مياه معبأة في القنينات مجانا، يمكن أن يجدها في أقاليم الحوز وشيشاوة وترودانت وحتى أزيلال وورزازات وبعض من مناطق إقليم الصويرة، دون غيرها من أقاليم المغرب التي تبرع بها ساكنتها بالأطنان.

وهذه دعوة لكي يرشف ما يريد منها، ويمكن أن نتكلف بنقله مجانا أيضا لأجل هذا الغرض، مع ضمان أن يعيد صياغة مادته بدون تصنيفها في خانة "ريبورتاج".

هناك الكثير لمناقشته بخصوص تدبير المغاربة للفاجعة التي ألمت بهم، وهم يحتاجون للصدق في ذلك، ولا يحتاجون لفبركة أزمات لم ولن تحصل.

وهنا أكرر الدعوة لمن يتحكمون في الخط التحريري لوكالة "فرانس برس"، من أجل السفر للمغرب، وأخذ كميات مهمة من المياه الصالحة لما هو يفوق الشرب مجانا، دون الحاجة لشرائها حين سوف يسافرون عندنا، بحثا عن أداء مهام مدفوعة الأجر لأجل من يسخرهم لاقتراف ذلك.

ثم ينقلبون، نعم يحترفون ذلك، لأجل ما يفرضه أصلهم سواء كانوا فرنسيين أو مفرنسين "صحة" أو وضعوا في مناصب المسؤولية ليؤكل الثوم بفمهم، رغم ما يسبب الإفراط في تناوله من انهيار ضغط الدم الذي يؤدي للموت، والموت هنا يحمل عنوان "موت المهنية".

وبكل ما يفرضه صدق التضامن مع أشقائنا في ليبيا الذين يعيشون بدورهم فاجعة كارثة ضربت وطنهم، يبدو أن من يمسك بزر تمرير المواد الصحفية في "فرانس برس" اختلطت عليه الأمور.

واقعة وفاة أطفال بسبب مياه ملوثة وقعت في ليبيا، ولن تقع في المغرب. أطفال المغرب نقلوا اليوم الأحد، من منطقة الحوز بالآلاف إلى مراكش لمواصلة مسارهم الدراسي، وكذلك سوف يتم بالنسبة لأقرانهم في باقي الأقاليم.

ويجب أن يفهم "لي شاطو" من فرنسا الاستعمار، أنه رغم صراع التدافع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي نعيشه في ما بيننا نحن المغاربة، يبقى العقلاء من الجانبين، هنا وهناك - غير المرتزقة - يستحضرون حس الوطنية أولا وأخيرا، لأجل ذلك لا ينساقون وراء خربشات تنشر تحت الطلب.