فرنسيس.. "بابا الفقراء"

تيل كيل عربي

صليب متواضع من معدن رخيص، وحقيبة متواضعة، ومقر إقامة لا يتجاوز 50 مترا مربعا في مجمع سكني تابع للفاتيكان، هذه هي العلامات المميزة للكادرينال الأرجنتيني خورخي ماريو برغوليو، مطران بيونس آيرس، الذي أصبح، في 13 مارس 2013، أول بابا من القارة الأمريكية، تحت اسم البابا فرنسيس.

من آخر الأصقاع

"يبدو أن إخواني الكرادلة استدعوني من آخر أصقاع الدنيا"، هكذا علّق البابا الجديد بعد خروج "الدخان الأبيض"، إعلانا عن وصول "مطران الفقراء" إلى كرسي البابوية، أعلى قمة الكنيسة الكاثوليكية، خليفة بطرس...

يجمع كتاب سيرة البابا فرنسيس على أن من شيمه التواضع ودعم الحركات الإنسانية والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وتشجيع الحوار والتواصل بين مختلف الثقافات والأديان.

فقد ألغى البابا، البالغ من العمر 83 سنة، الكثير من التشريعات المتعلقة بالبابوية، من بينها إقامته في بيت القديسة مارثا، ذي المساحة الصغيرة، بدل المقر الرسمي في القصر الرسولي، كما كان يفعل أسلافه.

ولعل آخر ما رسّخ في الأذهان تواضع البابا فرانسيس، ما قام به عندما زار ضريحاً كاثوليكياً في لوريتو بإيطاليا، يوم الاثنين 25 مارس الجاري، حيث سحب يده عدة مرات من أمام صف طويل من الناس، ممن انحنوا لتقبيل خاتمه الفضي، مفضلاً المصافحة السريعة. سلوك غير غريب عن البابا فرنسيس الذي له مسار مختلف عن كل البابوات.

البابا المناضل

عارض البابا الحالي، خلال رئاسته أبرشية بيونس آيرس، كثيرا من قرارات الحكومة الأرجنتينية، خصوصا، خلال احتجاجات 2001، حيث انتقد طريقة تعامل الشرطة ووزارة الداخلية مع المتظاهرين.

وفي عام 2004، وجه انتقادات للرئيس نيستور كيرشنير خلال الاحتفال بقداس العيد الوطني، ما دفع إلى إلغائه في السنوات اللاحقة.

وفي عام 2008، انتقد السياسة الحكومية تجاه المزراعين ودعا لدعم الريف الأرجنتيني.

وفي عام 2010، عارض بشدة قانونا يتيح للمثلين الزواج وتبني الأطفال.

وقد أدت معارضته زواج المثليين إلى صراع مع الرئيس الأرجنتينية كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، التي وصفت تفكير الكنيسة بأنه "من القرون الوسطى"...

البابا الكيميائي

صورة البابا المختلف لا تظهر فقط في شبابه، بل منذ طفولته، فباستثناء التعليم الابتدائي لخورخي ماريو برغوليو، في مدرسة للآباء الساليزيان في إحدى ضواحي بيونس آيرس، ما يبدو منسجما مع مساره بعد ذلك، كان تعليمه التالي يقوده إلى شيء آخر تماما.

كانت مدرسة برغوليو الإعدادية والثانوية متخصصة في التقنيات الكيميائية، ليتابع دراسته الجامعية في الكيمياء، حيث حصل الماجستير في جامعة بوينس آيرس، بل وعمل لثلاث سنوات ضمن مجال اختصاصه في أحد المختبرات في العاصمة الأرجنتينية.

بعد ذلك، قرر برغوليو الولوج إلى السلك الكنسي وهو في الحادية والعشرين من عمره، فانضم إلى الرهبنة اليسوعية في 11 مارس 1958، ودرس العلوم الإنسانية واللاهوتية في سانتياغو في الشيلي، وأشهر نذوره الرهبانية في 12 مارس 1960، ليغدو بذلك عضوا رسميا عاملا في الرهبنة.

بعد إنهاء دراساته الأولى في الشيلي، عاد إلى الأرجنتين ليتابع دراساته في الفلسفة واللاهوت في المعهد الكنسي في ديفيتو فيلا ثم في جامعة سان ماكسيمو دي مغيل والتي حصل منها على البكالوريوس، وتابع دراساته في الأدب وعلم النفس بين عامي 1964 و1965 في جامعة ديلا أنماكيولادا في سانتا في.

"بين الحياة والموت"

في عام 1967، أنهى برغوليو دراسته اللاهوتية، وسيم كاهنا في 13 دجنبر1969، من قبل رئيس الأساقفة خوسيه كاستيانو.

في العام نفسه، تعرّض الكاهن برغوليو لوعكة صحية حادة دفعت إلى استئصال إحدى رئتيه، بعد صراع دام ثلاثة أيام "بين الحياة والموت"، كما قال في وقت لاحق.

وقد أصبح برغوليو أستاذا في اللاهوت، ودرّس في كلية الفلسفة واللاهوت في جامعة سان ميغل في مدينة بيونس آيرس، بداية كمحاضر مبتدئ، ثم كأستاذ في اللاهوت.

وفي عام 1992، اختاره البابا يوحنا بولس الثاني ليكون أسقفا مساعدا لرئيس أساقفة بيونس آيرس الكاردينال أنطونيو كاراكينو.

وفي 3 يونيو 1997، عيّن برغوليو قائما بأعمال أبرشية بيونس آيرس مع حق الخلافة التلقائية بعد تقدم رئيس أساقفتها في السن واعتلال صحته. وبعد وفاة الأخير في 28 فبراير 1998، خلفه برغوليو على رأس أساقفة المدينة. واحتفل بتنصيبه الرسمي في 6 نونبر 1998 وجمعت إلى مهامه مهمة الإشراف على الكنائس الكاثوليكية الشرقية، وقد صدر التفويضان معا عن البابا الراحل يوحنا بولس الثاني...