تسود فوضى عارمة في السودان، في ظل وقف إطلاق نار هش، تجسدت خلال الساعات الماضية، في إعلان أحمد هارون، أحد مساعدي الرئيس السابق المعزول، عمر البشير، فراره من السجن، برفقة مسؤولين سابقين آخرين، بينما أكد الجيش أن البشير نفسه محتجز في مستشفى نقل إليه قبل بدء القتال.
واستمرت المواجهات، أمس الأربعاء، في الخرطوم، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، مع تحليق طائرات مقاتلة تابعة للجيش فوق الضاحية الشمالية للعاصمة، التي تعرضت لقصف مدفعي كثيف من قبل قوات الدعم السريع، حسبما أفاد شهود وكالة "فرانس برس".
وتدور المعارك منذ 12 يوما بين قوات الدعم السريع والجيش. ويخوض البرهان ودقلو حربا بلا رحمة على السلطة، بعدما كانا حليفين، منذ انقلاب عام 2021، الذي أطاحا خلاله بالمدنيين.
وتمكن أحمد هارون، وهو شخصية بارزة في نظام الدكتاتور السابق، عمر البشير، من الفرار من سجن كوبر في العاصمة الخرطوم، مع غيره من المسؤولين الكبار، خلال الحكم السابق.
وفي تسجيل نشر، مساء أول أمس الثلاثاء، قال هارون: "ظللنا (..) بمحبسنا بكوبر تحت تقاطع نيران المعركة الدائرة الآن لمدة 9 أيام، مع انعدام مقومات الحياة من كهرباء وطعام وشراب ورعاية صحية".
وأعلن الجيش السوداني، في بيان، أمس الأربعاء، أن الرئيس السابق عمر البشير محتجز في مستشفى تابع للقوات المسلحة نقل إليه من السجن قبل اندلاع المعارك، في 15 أبريل، في الخرطوم.
ووجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات الى البشير ومساعديه على خلفية حرب دارفور، التي تخللتها انتهاكات واسعة وتسببت بمقتل قرابة 300 ألف شخص ونزوح 2,5 مليون، وشاركت فيها قوات الدعم السريع (الجنجويد) آنذاك، بقيادة دقلو المعروف بحميدتي، إلى جانب قوات البشير، وضد الأقليات الإتنية غير العربية.
وكان هارون مسجونا في سجن كوبر في الخرطوم. وهو مطلوب بمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" و"إبادة" في إقليم دارفور في غرب السودان.
وأطاح الجيش بعمر البشير تحت وطأة احتجاجات شعبية ضخمة ضده، في عام 2019، وأوقف مع مساعديه وأبرز أركان نظامه.
وكان البشير يتواجد أيضا في السجن نفسه. وفي عام 2021، وقعت السلطات السودانية التي كان يشارك فيها آنذاك مدنيون، اتفاقا مع المحكمة الجنائية الدولية لتسليم البشير ومساعديه، لكن عملية التسليم لم تحصل بعد.
من جهته، أشار مكتب المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية إلى أنه يتابع عن كثب الأحداث، موضحا أن المعلومات بشأن الأشخاص المعتقلين في كوبر لم يتم "تأكيدها بطريقة مستقلة".
وخلفت المعارك المستمر ة، منذ 15 أبريل، أكثر من 459 قتيلا وما يزيد على أربعة آلاف جريح، وفقا للأمم المتحدة.
وقال رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتيس، من بورتسودان في شرق البلاد، حيث نقلت الأمم المتحدة بعض موظفيها، إن الطرفين المتحاربين "هاجما مناطق مكتظة بالسكان، من دون اعتبار للمدنيين أو المستشفيات أو حتى لمركبات تنقل جرحى ومرضى".
وأكد مسؤول عند معبر القلابات الحدودي بين السودان وإثيوبيا تزايد أعداد العابرين إلي الجانب الاثيوبي، منذ بدأت عمليات إجلاء الأجانب.
وقال: "عبر حتى الآن ستة آلاف من جنسيات مختلفة، والنسبة الأكبر تحمل الجنسية التركية، كما عبر مئات السودانيين الذين يعملون في دول خليجية كانوا في إجازات عندما وقعت الأحداث".
وقدرت الأمم المتحدة أن 270 ألف شخص قد يفرون إلى تشاد وجنوب السودان المجاورين.
ويعاني السكان الذين بقوا في الخرطوم من انقطاع في المياه والكهرباء، وسط نقص فادح في المواد الغذائية، وانقطاعات متكررة في الهاتف والإنترنت.
ووفق نقابة الأطباء، فإن حوالى ثلاثة أرباع المستشفيات باتت خارج الخدمة في السودان. وقالت منظمة الصحة العالمية الأربعاء، إن أكثر من 60 في المئة من المراكز الطبية في الخرطوم مغلقة.
وأضافت أنها تجري "تقييما معمقا للمخاطر" الصحية، بعد سيطرة أحد الطرفين المتحاربين في الخرطوم على مختبر تتواجد فيه عينات معدية جدا؛ مثل الحصبة، والكوليرا، وشلل الأطفال.