في زقاق خلف شارع "الجيش الملكي" بالدار البيضاء، يرابطون 24 ساعة على 24، وسبعة أيام في الأسبوع، ليستقبلوا 5 آلاف مكالمة يوميا. يعرفهم الراغبون في قطع الشك باليقين، بخصوص فيروس "كورونا" المستجد من أصواتهم. منذ الـ24 من مارس الماضي، تجندوا للإجابة على كل اتصال، وتقديم الاستشارة أو تحويل الحالة إلى مصالح وزارة الصحة، إن كانت كل الأعراض تحيل على أن المتصل يشتبه بإصابته بـ"كوفيد 19". إنهم جنود "ألو يقظة" ورقمها (0801004747)، الذين انتقل "تيلكيل عربي" إلى مركز عملياتهم لنقل تفاصيل يومياتهم مع رصد تفشي الجائحة في المغرب.
من هم؟ كيف يعلمون؟ ما هو التكوين الذي خضعوا له قبل الجلوس خلف سماعة استثنائية في ظرف استثنائي؟ ما هي مهمتهم وكيف ينجزونها؟ إن كان المتصل من الذين يحترفون "التفلية"، كما يصفها المغاربة ما هو ردهم؟ وإن كان خائفاً من أعراض ظهرت عليه كيف يطمئنونه؟ وإن استشعروا أنه مصاب بـ"كورونا" المستجد كيف يتصرفون؟ ساعات قضاها "تيلكيل عربي" مع مستشاري شركة النداء "ماجوريل"، المكلفة بخدمة "ألو يقظة"، ينقل من خلالها كل تفاصيل رصد تطور الحالة الوبائية عبر خطوط الاتصال.
مهمة إنسانية
"نتوصل باتصالات مختلفة، طيلة اليوم. هناك من يتصل ليأخذ فقط معطيات عن ما هو فيروس 'كورونا'، وهناك من يتصل لمعرفة الأعراض، كما أن هناك فئة تتصل، إلى اليوم، لأخذ نصائح حول سبل الوقاية"، تقول زينب لوليدي، إحدى المستشارات المكلفات بمهمة استقبال المكالمات بمركز النداء "ألو يقظة"، وتتحدث بحماس كبير تشي به ملامحها، هي التي تترك عائلتها الصغيرة خلفها، لتؤدي مهمة وطنية وإنسانية، قبل كل شيء.
المدير العام لـ"ماجوريل أفريك" حسن غلاب يصف من يعملون في مركز "ألو يقظة" بـ"المتطوعين"، ويضيف، في حديثه لـ"تيلكيل عربي": "يوم قررنا أن نأخذ على عاتقنا هذه المهمة الجسيمة، وفرنا كل الوسائل والموارد البشرية لكي لا نخطئ. هنا لا مجال للتهاون أو التعامل بانتقائية مع المكالمات الواردة. من يتصلون ليسوا زبناء أو باحثين عن خدمة نقدمها لهم، بل مواطنون يرجون المساعدة. منهم من يتصل لأخذ المعلومات والاستشارة ونقدمها له، ومنهم من يتصل لأنه يحس بأعراض أدخلته في دوامة الشك، وجعلته يخاف من الإصابة بالفيروس".
المستشارة بـ"ألو يقظة" زينب لوليدي تشدد على أن العامل النفسي مهم جداً في مهمتها، وتشرح ذلك بالقول: "عندما أتوصل بمكالمة من شخص يتحدث عن الأعراض الصحية، أول مهمة أقوم بها هي طمأنته، وأحفزه على طرد الخوف وأننا كلنا بجانبه، وأحرص على أن أبعده عن الدخول في حالة اضطراب، لأنها سوف تربك وظيفة جهاز مناعته".
وتتابع المتحدثة ذاتها أنها تؤكد لكل متصل، يشك في إصابته بفيروس "كورونا" المستجد، أن وزارة الصحة لن تتخلى عنه، وإن كان فعلاً في حاجة إلى التدخل العاجل لنقله من أجل إجراء الفحص، هناك فرق مكلفة بذلك سوف تتصل به، مع الحرص على نصحه بشرب الكثير من الماء، والابتعاد عن احتكاك بشخص آخر ولو داخل المنزل.
"لا نقول لأي متصل، حتى وإن كانت كل الأعراض مطابقة تماماً لحالة مصابة بـ'كوفيد 19'، 'نعم أنت مصاب'، نأخذ منه كافة المعطيات ونحرص على مرافقته نفسيا، ثم نحيل ملفه على وزارة الصحة"، توضح المستشارة بـ"ألو يقظة" زينب لوليدي.
خلال وجود "تيلكيل عربي" بمركز النداء، توصل المستشارون بعدة مكالمات، وكانت الطمأنة عنوان الكلمات الأولى التي تصدر من هنا، قبل الخوض في السؤال عن الأعراض والاسم ومحل السكن وتفاصيل أخرى لقنت للفريق.
من هم جنود "ألو يقظة"؟
لا تخلو أي وصلة تحسيسية حول "كورونا" بالمغرب، من ذكر "ألو يقظة"، أول رقم وضع لتلقي مكالمات من اشتبه في وصول الفيروس إلى أجسادهم.
داخل مركز النداء، هناك 100 مستشارة ومستشار، يعملون طيلة أيام الأسبوع واليوم دون توقف، من خلال فرق تتناوب على المرابطة خلف حواسيب وسماعات الهاتف.
وليس هذا المركز هو الوحيد الذي يستقبل المكالمات، بل هناك سبعة مراكز أخرى تتوزع على مدن الدار البيضاء ومراكش والمحمدية ومراكش، وكل مركز يضم العشرات من المستشارين والمستشارات.
المدير العام لـ"ماجوريل أفريك"، حسن غلاب يشدد على أن "اختيار من يقومون بمهمة استقبال المكالمات تم بعناية، وقبل بدء العمل يوم 24 مارس، خضعوا لتكوين مكثف من طرف وزارة الصحة".
قبل الحديث مع غلاب، جمعته مكالمة بالمسؤولين في وزارة الصحة، سأله "تيلكيل عربي" عن فحاوها، ليكشف في تصريحه أن "الوزارة تواكب أولاً بأول مهمتهم، وتقدم ملاحظاتها بخصوصها"، وبحسبه "هناك ثناء على ما يقومون به منذ تكلفهم بهذه المهمة، وسوف يقومون بتأهيل بنية استقبال المكالمات وقاعدة البيانات التي يتم فيها تسجيل المعطيات الخاصة بالمتصلين، سواء كانت نتائج تحليلاتهم بخصوص الفيروس سلبية أو إيجابية".
حماس تلمسه داخل مركز النداء الخاص بـ"ألو يقظة"، لا تمر دقيقة دون التوصل بمكالمة من مدن مختلفة، النمط ذاته في التفاعل والأجوبة على الأسئلة التي تطرح، وتواصل أشبه بتبادل للخبرات حول التعامل مع الحالات الواردة.
"ألو فيا كورونا".. 300 مغربي يومياً
كم من مغربية ومغربي يتصلون بسبب الشك في إصابتهم بفيروس "كورونا" المستجد؟ الجواب على لسان رئيس مستشاري "ألو يقظة" ياسين أمعياش، حيث يقول، في حديثه لـ"تيلكيل عربي"، إن "متوسط عدد من يشكون في إصابتهم بالفيروس يتراوح يوميا ما بين 200 إلى 300 شخص".
مراكز النداء، يوضح المتحدث ذاته، يستقبل يومياً خمسة آلاف مكالمة، تتوزع بين طلب الاستفسار أو المعلومات أو التبليغ عن حالات أو التصريح بحالات، وإن كانت هناك أعراض تتطابق مع ما لقن لهم خلال التكوين من طرف أطر وزارة الصحة، يضيف ياسين أمعياش، يتم إحالة ملفها على الوزارة.
"إذا اتصل شخص وأخبرك أنه مصاب بالفيروس ولديه سعال وحرارة مرتفعة ورعشة وصداع في الرأس، كيف سيكون رد فعلك؟"، سؤال طرحه "تيلكيل عربي" على المستشارة بـ"ألو يقظة" زينب لوليدي، وكان جوابها: "من يتصلون ويصفون لنا حالتهم الصحية، ويظهر لنا أنهم بالفعل يشتبه في إصابتهم بالفيروس، نحيل ملفاتهم بشكل مستعجل على أطر وزارة الصحة، الذين يتصلون بهم بدورهم ويدققون معهم الحالة".
لكن قبل ذلك، وحسب المتحدثة ذاتها، "نطرح على المتصل مجموعة من الأسئلة، والعملية أشبه بتنقيح المخاوف، وتمر عبر السؤال عن الاسم بدقة، وهل رقم الهاتف الذي يتصل به خاص به؟ أين تقطن؟ وبعد أن يجيب المتصل على هذه الأسئلة، نمر معه لطرح أخرى وهي: هل كنت خارج المغرب قبل تعليق السفر عبر الأجواء والمعابر البحرية؟ هل خالطت شخصا مصابا بالإنفلونزا أو تأكدت إصابته بـ'كورونا'؟ بعد ذلك، ندقق مع الذي يجيب بأنه كان خارج المغرب عن مدة الإقامة وتاريخ العودة إلى الوطن، وإن كان خالط شخصا مريضا، نسأله عن تاريخ آخر تواصل معه".
بعد ذلك، تضيف المستشارة بـ"ألو يقظة"، "ندقق مع المتصل، بفضل التكوين الذي استفدنا منه، الأعراض، ونسأله عن الضيق في التنفس ودرجة الحرارة وهل هو مصاب بالإسهال؟ وعن أدق التفاصيل حول السعال، هل هو جاف أم لا؟".
وعن الأعراض تحديداً التي يحددون بها إن كانت الحالة تستدعي الإحالة على أطر وزارة الصحة للاتصال بها من أجل إجراء التحليلات، توضح لوليدي أنهم يحاولون من خلال الأسئلة التي تطرح الوصول، ما أمكن، إلى معرفة حالة المتصل، وإن كانت الأعراض التي يحس بها غير عادية ولا تشبه أعراضاً أحس بها عند إصابته في وقت مضى بالإنفلونزا الموسمية.
رئيس مستشاري "ألو يقظة" ياسين أمعياش يشدد على أنه "إذا تم التعامل مع كل متصل على أنه مصاب فعلا بالفيروس، سوف يتأزم نصف المغاربة نفسياً، لذلك يحرصون على درجة عالية من المهنية في الإجابة على الأسئلة وتقديم استشارة دقيقة".
المدير العام لـ"ماجوريل أفريك" حسن غلاب يشدد، بدوره، على أن "المستشارات والمستشارون الذين يعملون في مراكز نداء 'ألو يقظة'، يتصلون يوميا بتوجيهات لأخذ كل المكالمات على محمل الجد، وعدم الانفعال مع أي مكالمة حتى وإن كان المتصل يستهزئ بهذه المهمة".
وبخصوص أصعب الحالات التي توصل بها المركز، تحكي زينب لوليدي: "قبل أيام اتصلت بنا سيدة لتبلّغ عن جارتها التي دخلت في حالة سعال شديدة، وتعرف أنها تقيم وحدها ولا تملك هاتفاً، وقبل أن تكمل المعطيات الضرورية لإحالة حالتها على وزارة الصحة انقطع الخط".
وتضيف: "قمت من الكرسي بسرعة، واتصلت بها من رقمي الخاص، طلبت منها أن تأخذ كافة الاحتياطات الوقائية مع محاولة إيصال معلومات أوفر عن السيدة المشتبه بإصابتها بالفيروس، وقلت لها إن كان باستطاعتها أن تمكّنها من الهاتف عبر الشباك، للتواصل معها مباشرة، لترجع لها مصالح الوزارة هاتفها معقماً. وذلك ما تم بالفعل، وأنقذنا السيدة التي تأكد في ما بعد أنها مصابة بالفيروس".
ولكن ليست كل الحالات التي تتصل تكون غايتها أو مقصدها اكتشاف وصول العدوى بالفيروس لدى أحدهم!
"الاتصالات البيضاء"
خلال وجود "تيلكيل عربي" بمركز النداء "ألو يقظة"، توصلت إحدى المستشارات بمكالمة، بدأت في طرح الأسئلة قبل أن تتوقف، ليعلو محياها الاستغراب من نبرة صوت المتصل.
"ألو بنتي شكون عطاك البورطابل؟ واش أنت لي متاصلة ولا شي حد في الدار مريض؟ عافاك يلا حداك شي حد كبير دوّزيه ليّا".
هل يتصل الأطفال بالمركز؟ نعم. والجواب على لسان كل من كانوا لحظتها بالمركز. وحسب المستشارة لوليدي، فإنه ومنذ بداية اشتغالها تلقت مئات الاتصالات مصدرها أطفال، بل "نسمع صوت آبائهم وأمهاتهم أو أقاربهم يضحكون، ويعلقون على ما يصدر عن هؤلاء الأطفال".
وتضيف: "كاين اللي كيسبّنا، وكاين اللي كيتاصل ويبقى ساكت غير باش يعرف واش حنا خدامين. أجبت عن اتصالات في الساعات الأولى من الصباح وفي الليل، وكانت اتصالات نصفها بيضاء، لأن من يقوم بها ليست غايته المساهمة في الكشف عن الفيروس، بل فقط التفلية".
قبل أسبوع تقريباً، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو تظهر فيه أربع فتيات من مدينة طنجة وهن يجرين اتصالات بمراكز نداء "ألو يقظة"، ويسخرن بالتبليغ الكاذب عن حالات الإصابة بفيروس "كورونا"، "مزحة" تم الرد عليها بالاعتقال والتقديم للمحاكمة. هل الأمر مستمر؟ وكيف يتم التعامل مع هذا النوع من الاتصالات؟
حسب رئيس مستشاري "ألو يقظة" ياسين أمعياش، ليست مهمتهم التبليغ عن هذه الحالات، بل أكثر من ذلك، تقول لوليدي، حتى الأرقام التي تتصل من أجل شغل الخطوط كل مرة أو الاستهزاء لا يتم في حقها الضغط على زر "بلوك"، لأنه يمكن أن يتعرض صاحبها للإصابة بالفيروس، ولن يصل نداؤه بعد ذلك لأي مركز.
لكن في المقابل، وحسب المدير العام لـ"ماجوريل أفريك"، يرفع يوميا تقرير إلى وزارة الصحة بخصوص هذه المكالمات، وهي التي تتكلف بتدبير الإجراءات التي تتخذ في حقها.
حماية جنود "ألو يقظة"
عند مدخل مركز النداء "ألو يقظة" كاميرا حرارية تقيس درجة حرارة الداخل إليه قبل أن يلج البناية، والمصعد، وإن كان يسع لستة أشخاص، أصبح يحمل اثنين فقط، وتحت قدميهما تشوير يفرض عليهما مسافة الأمان بينهما.
في كل زاوية، وسائل التعقيم متوفرة، ومع كل تحرك داخل المركز، ينبغي التوجه نحوها من أجل تعقيم اليدين جيداً.
ويخصوص إجراءات الوقاية الصحية، يقول عبد العاطي طايع، المدير المكلف بذلك في "ماجوريل أفريك"، لـ"تيلكيل عربي"، إن "المؤسسة اتخذت جميع الاحتياطات لوقاية جميع العاملين فيها من خطر الإصابة بالفيروس، وأهمها وضع وسائل التعقيم في كل ركن، ومنع التجمعات، وإغلاق كل القاعات التي كانت مخصصة في السابق للألعاب والترفيه، مع تشديد إجراءات الولوج إلى المقصف، حيث أصبح يدخل شخصان على الأكثر".
ويضيف المتحدث ذاته أن "المؤسسة وفرت وسائل النقل للعاملين فيها، وفق الضوابط التي تم اعتمادها من طرف الدولة؛ أي أن الحمولة لا تزيد عن 50 في المائة من الحد الأقصى المسموح به، فضلاً عن ترك مسافة الأمان بين كل العاملين؛ أي أنه لا يجلسون قرب بعضهم، ولا يجلس أحد قبالة الآخر مهما كان ضغط العمل".
قبل مغادرة مركز نداء "ألو يقظة"، لم تتوقف المكالمات، وكل مرة يتم سماع اسم مدينة، بعيدة بمئات الكيلومترات عن الدار البيضاء، لتكون الرغبة في الاتصال هنا لشيء واحد لا غير، وهذه هي الرسالة التي شددوا على إيصالها عبر "تيلكيل عربي": "لا تشغلوا الخطوط إلا إذا كانت الحاجة وقف الوباء من الانتشار بالمغرب بالكشف عن الحالات المصابة ومساعدتها"...