في خطوة استثنائية، أنقذ قاضي المستعجلات الأسرية بالمحكمة الابتدائية بالرماني، حلم تلميذة في اجتياز امتحانات البكالوريا، بعد أن كانت مهددة بالمنع بسبب عدم توفرها على بطاقة التعريف الوطنية، في واقعة تكشف عن التفاعل الإيجابي للقضاء مع الحالات الإنسانية الحرجة.
وصدر القرار بتاريخ 28 ماي 2025، تحت رقم الملف الاستعجالي 2025/1150/08، وقضى بشكل صريح بالسماح للتلميذة (س.م)، القاطنة بجماعة عين السبيت، باجتياز امتحان البكالوريا في دورته العادية يونيو 2025، ضمن فئة المترشحين الرسميين، مع النفاذ المعجل بقوة القانون، ودون استدعاء الطرف المدعى عليه، بالنظر إلى حالة الاستعجال القصوى.
وتعود فصول القضية إلى تأخر التلميذة في الحصول على بطاقتها الوطنية نتيجة إشكال قانوني سابق مرتبط بتاريخ ازديادها؛ إذ كانت قد تقدمت بدعوى قضائية لتصحيح هذا التاريخ، غير أن الملف خضع للاستئناف من طرف النيابة العامة، ما عطل مسطرة إنجاز البطاقة في الآجال التي تسبق موعد الامتحان.
وحين تقدمت التلميذة بطلب لاجتياز الامتحان، اصطدمت برفض المؤسسة التعليمية، التي أكدت – حسب ما ورد في وثائق الملف – أن الإدلاء ببطاقة التعريف الوطنية شرط أساسي للمشاركة، رغم توفرها على استدعاء رسمي كمترشحة.
واعتبر القاضي، في تعليله للحكم، أن اجتياز امتحان البكالوريا يُعد حقا أساسيا لا يجوز تقييده بشرط إداري ظرفي، خاصة حين يُهدد المنع مستقبل التلميذة الدراسي والمهني، مؤكدا أن الأضرار المحتملة من المنع تفوق بكثير الإخلال المفترض الناتج عن غياب الوثيقة، لاسيما وأن المسطرة الإدارية للتلميذة لا تزال جارية.
واستنادا إلى المادة 149 من قانون المسطرة المدنية، وبالنظر إلى حالة الاستعجال القصوى، قضت المحكمة بالأمر دون استدعاء الطرف المدعى عليه، وأذنت للتلميذة باجتياز الامتحان وفق البرمجة الرسمية.
ولاقى القرار ارتياحا كبيرا من الأسرة التعليمية بالمؤسسة المعنية، كما عبّر مكتب جمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بثانوية التوحيد بعين السبيت عن إشادته بما اعتبره "نموذجا مشرفا لعدالة متفاعلة مع قضايا المجتمع، وقضاء يقف إلى جانب الفئات الهشة حين تُهدد حقوقها الأساسية".
وتمكنت التلميذة فعليا من دخول قاعة الامتحان في الوقت المحدد، دون عراقيل، قبل أن تُحقق نجاحا مميزا بحصولها على معدل 14.62 بميزة "حسن" في شعبة الآداب والعلوم الإنسانية، وهي اليوم تُواصل إجراءات استصدار بطاقتها الوطنية، تمهيدا للتسجيل في التعليم العالي.
وتُعيد هذه القضية النقاش حول مدى مرونة الإجراءات الإدارية في التعاطي مع الحالات الخاصة، خصوصا فيما يتعلق بالوثائق الثبوتية اللازمة لاجتياز الامتحانات الوطنية، وما إذا كانت الجهات التربوية ملزمة بفتح استثناءات حين تُثبت حسن نية التلميذ وتعذر استيفاء الشروط في الوقت المحدد لأسباب خارجة عن إرادته.
كما تسلط الضوء على أهمية دور القضاء المستعجل في التدخل لحماية الحقوق الأساسية، ليس فقط بمنطق النفاذ المؤقت، وإنما بتكريس عدالة مواطنة، تُنصف الأفراد في لحظاتهم الحاسمة.