في هذا الحوار، يشرح جواد مبروكي، طبيب ومحلل نفساني، واقعة "قُبلة مكناس"، ويقف عند أسبابها الاجتماعية والنفسية والتربوية، ويرسم تداعياتها على التلميذين.
-
كيف تلقيت الضجة الكبيرة بالمغرب حول قضية تبادل قبلة بين تلميذين في مكناس؟
إن ما حدث في مكناس، والطريقة التي تمت بها معالجة النازلة، أوالخطأ الصادر من مراهقين، يدفعني إلى تحليل أسباب وتداعيات ما وقع، من خلال تحديد أول أسبابها في انعدام التربية الجنسية، فسواء داخل البيت أو المدرسة، التربية الجنسية غائبة، والحديث عن الجنس مازال "طابو"، ويحث الجميع المراهقين على أن يحتشموا ويتعففوا، دون أن يعرفوا لماذا؟ ولا أحد يواكبهم في حياتهم الجنسية، وفي كيف يمكنهم تدبير الطاقة الجنسية التي تتفجر فجأة في أجسادهم، إذ يختزل الكبار كل شيء في مفهومي "الحلال" و"الحرام".
-
ما وقع كان داخل مدرسة، فهل يعني أن المؤسسات التعليمية المغربية فاشلة حتى في هذا الجانب التربوي؟
في نظري تؤكد النازلة، بشكل واضح، انعداما للمعارف الجنسية المتعلقة بالمراهق لدى المدرسين، فالأساتذة في المؤسسات التعليمية المغربية لم يتلقوا أي تكوينات في الموضوع، ويجهلون كيفية فهم المراهقين وكيفية مواكبتهم خلال أزمة المراهقة.
وأرى أنه حتى القوانين الداخلية للمدارس، يوجد بشأنها لبس لدى التلاميذ، وهو ما يعود إلى انعدام أي لقاءات بين المديرين والتلاميذ خلال الدخول المدرسي من أجل تذكيرهم بالقانون الداخلي، علاوة على عدم تعليقه وإظهاره بالمؤسسة، أما في كل ما يتعلق بالجنس، فالمدارس المغربية، للأسف، مازالت إداراتها تراهن على التقاليد الاجتماعية في مسألة الجنس.
-
هل نفهم من قولك أن التقاليد الاجتماعية، بدورها، غير كافية في معالجة هذه المسائل؟
من الطبيعي أن يكون ذلك هو النتيجة، فالتناقض بين السلوك الاجتماعي والتعاليم الدينية، سيما حرصنا على تذكير المراهقين بأن مجتمعنا محافظ ومتدين، في حين أنه في الشوارع لا يرون إلا العكس، يجعلهم يكتشفون النفاق الاجتماعي السائد، فيبدأون بالتمرد ضد المجتمع.
إن الأخطر في ما وقع بمكناس، أنه يزيد من الحيرة والظلم الذي يعيشه المراهقون في المغرب، ففي الوقت الذي يرى المراهقون كيف تتم معاقبة تلميذين على قبلة مسروقة، يشاهدون التحرش الجنسي ضد النساء في الشارع، وأمام المدرسين والسلطات، وأمام المقاهي، دون أن يحرك أحد ساكنا، كما يلاحظون أن المتحرشين يتم القبول بهم ولا يتعرضون للعقاب.
-
تكشف بعض ردود الفعل إزاء القضية أن الذي عانى أكثر من تداعيات "القبلة المسروقة" هو الفتاة وليس الفتى، فماذا يكشف ذلك؟
إن الأمر يعري ويفضح عدم تجانس النظام التربوي، فقطاع التربية والتعليم مكلف بتكويننا لنصير مواطنين يخدمون البلد، يعمل بدوره على تكريس اختلال التوزان في طريقة سير المجتمع، ويزكي، على نحو كبير، القناعات بأن المرأة تعتبر أدنى قيمة من الرجل، في حين أنه لتحقيق التقدم، لابد من أن تكون المرأة متعلمة، لهذا طالما تساءلت متى نقرر أن نرسل فئات واسعة من النساء والأمهات إلى المدارس؟
ودليلي على عدم التجانس المذكور، أن أغلبية المدارس تفرض على الفتاة التلميذة ارتداء وزرة على عكس التلاميذ، ويكفي أن نفكر قليلا كيف تنظر الفتيات والتلاميذ إلى هذا الأمر؟ كيف يعيشونه؟ وماهي الرسالة التي تمررها المدارس إليهم؟
-
من الناحية النفسية، ماهي النتائج التي يمكن أن تؤدي إليها طريقة معالجة المشكلة، ممثلة في معاقبة المراهقين على سلوك عفوي؟
أرى من الناحية النفسية والاجتماعية، أن المراهقين، وتبعا لما وقع، دمرت بشكل كامل شخصيتيهما، كأنهم ارتكبوا جريمة، فقد رأوا صورتيهما وسمعتيهما تتمرغان في التراب أمام المجتمع الذي ينظر إليهما مذنبين، خصوصا بالنسبة إلى الفتاة، التي يمكن مستقبلا، أن ينظر إليها، ثقافيا أقصد، "فتاة للمتعة".
إنني متفق على الحشمة واحترام حرمة المدرسة، ولكن كان من الواجب معالجة القضية داخليا دون أن تتخذ هذا البعد الإعلامي وتحويلها إلى فضيحة اجتماعية، كما يجب على الكبار، عموما في علاقتهم بالمراهقين، الكف عن حثهم على العفة، في وقت يقومون هم بالعكس، ومعاقبتهم المراهقين على انخراطهم قي واقع التناقض بين خطاب المؤسسات والواقع المعيش، لأن ذلك يؤدي إلى إبعادهم عنا، ما يغذي وينمي لديهم الرغبة في التمرد ضد حرمة التقاليد، فينفصلون عن عالم الكبار، ولنا أن نتخيل نتيجة إبعاد همومهم عنا.