حرصت اليوم الاثنين على حضور جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس النواب، بحكم اهتمامي وتتبّعي لمحور جلسة اليوم، المتعلّق بـ"سياسة التعمير والسكنى وأثرها على الدينامية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والمجالية"… كانت جلسة ساخنة لدى عدد من نواب الأمة، وباردة جدا، في عز حرّ الصيف، لدى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الذي لم يستطع أن يخفي توتّره الداخلي، الناتج، في تقديري الخاص، عمّا سمعه من اتهامات خطيرة لأطر حزبه، من رؤساء الجماعات، وفي مقدمتهم "الكوبل الحاكم" في العاصمة الاقتصادية، العمدة نبيلة الرميلي رئيسة المجلس الجماعي للدار البيضاء، وزوجها توفيق كميل رئيس مقاطعة سباتة، المتهمَيْن، "على عينيك أّبنْ أخنوش"، ووسط البرلمان وأمام عموم الرأي العام.
عندما تناول رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية بمجلس النواب، عبد الصمد حيكر، الكلمة، لم أتفاجأ بما حملته من اتهامات للرميلي وكميل، وكما توقّعت، فقد فجّر حيكر قنبلة حقيقية بين يدي أخنوش، تتعلّق بممارسة “الابتزاز والفساد”، وكذا (الزبونية والمحسوبية)، في قضية رخص التعمير، وطالب رئيس الحكومة، بالقيام بجولة استطلاعية في الجماعات، التي يترأسها عضوات وأعضاء من حزبه التجمع الوطني للأحرار، ليجد أن “العنوان الأبرز، الذي أضحى سائدا في هذه الجماعات، هو الابتزاز والفساد، إلى درجة أن المنعشين العقاريين يشتكون، والمهندسين المعماريين يشتكون”، على حد قول حيكر، الذي قدّم أبرز نموذج على هذه الممارسات بما يجري في المجلس الجماعي للدار البيضاء، حيث "هناك فساد حقيقي غير مسبوق"، إلى درجة أن النائب الإسلامي، الذي كان يعتبر هو "العمدة الفعلي السابق"، والمستشار الحالي بجماعة الدار البيضاء، سيتوجّه إلى أخنوش، في وجهه، ليقول له، وعبره أطر حزبه، وفي مقدمتهم “كوبل كازا”: “اتقوا الله في هذه البلاد”!
وللتوضيح أكثر، تطرّق حيكر إلى آلية “المنصة الرقمية”، وهي تتعلّق بالرخص، والتي قال إنها مكّنت المغرب، في عهد الحكومة السابقة، من أن يربح 12 نقطة في ترتيب تقرير ممارسة أنشطة الأعمال “Doing Business”… لكن اليوم هناك تراجع مهول، إذ يقول حيكر إنه “لا يمكن اليوم الحصول على رخص التعمير إذا لم (يتصل) المعنيون ببعض المسؤولين أو بأزواجهم، وإلا فلن تُحلّ مشاكلهم”، في إشارة مباشرة إلى الاتهامات الخطيرة، التي وجّهها برلماني البيجيدي لـ”الكوبل الحاكم”، في سؤال كتابي لوزير الداخلية، مازال ينتظر الجواب من عبد الوافي لفتيت، الذي كان قد طالبه، في السؤال إياه، وبشكل رسمي، بمباشرة مسطرة “العزل” في حق نبيلة الرميلي من عموديّة مجلس جماعة الدار البيضاء، وزوجها توفيق كميل من رئاسة مقاطعة سباتة، عبر تفعيل المادتين 66 و64 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، بناء على “الوضع الفاسد”، الذي بات يخترق “مصالح الجماعة (التعمير/ الجبايات/ الشؤون القانونية وتنفيذ الأحكام القضائية…)، والتي تخضع لتدخل مباشر ومتواصل لزوج السيدة رئيسة الجماعة، وهو ليس من نوابها، بل إن كثيرا من الموظفين التابعين للجماعة صاروا يذهبون عنده إلى بيته لمعالجة الكثير من الملفات!!”، على حد ما جاء حرفيا في سؤال حيكر الكتابي، وبنفس المعنى، أيضا، سيثير المهندسون المعماريون، في ندوتهم الصحفية الأخيرة، فضائح التعمير في الدار البيضاء وحالات التماطل والتواطؤ من أجل “الابتزاز”…
رئيس الحكومة، الذي قدّم أجوبته على مساءلات النواب، بدا متوترا، كما بدا جليا أنه سيقفز على الجواب، ليستعيض عنه بخطاب خشبي رتيب عن “شروع الحكومة في اعتماد تصور مبتكر للتعمير (…)، سيسمح بتجويد مقاربات التخطيط الحضري وتحسين إطارات العيش والتدبير المستدام للوعاء العقاري، بما يحقق التكامل الاجتماعي والوظيفي للمجالات الترابية”…
كنت أدرك عمق الحرج، الذي وجد أخنوش نفسه فيه، عندما انفجرت بين يديه، وأمام النواب والرأي العام الوطني والدولي، الذي تابع بثّ الجلسة مباشرة، فضيحة فساد مدوية، تتعلق بممارسة الابتزاز والفساد والزبونية والمحسوبية في تدبير رخص التعمير من قبل “كوبل الدارالبيضاء”، العمدة وزوجها، وكلاهما من أطر حزبه القيادية… وحين صافحته أمام سيارته، لدى مغادرة البرلمان، تفاديت أن أزيده حرجا، خصوصا أن نفسي الأمّارة بالسؤال المهني الإعلامي حدثتني بأن أطرح معه هذا الفساد الذي أضحى يتسرطن ويتمدّد ويتقوّى دون حسيب ولا رقيب، وأن “التأسيس لجيل جديد من وثائق التعمير، التي تروم وضع تدبير حضري متجدد”، لا يمكن أن يثمر إنتاجا وإصلاحا وتقدما ونهضة دون قطع دابر الفساد…
يتبع..